صدر حديثاً عن دار صفصافة المصرية مختارات من قصائد الشاعر اليوناني «سبيروس كوكيناكيس»، الذي بدأ مسيرته مع الكتابة الشعرية عام 1974. حين أصدر ديوانه الأول «الاختناق» لتتوالى بعد ذلك إبداعاته، حيث قدم 15 عملاً شعرياً»، منها ديوان «حدود الشفق» 2019. و«في عصر الشك» 1983. و«ذاكرة متدفقة» 1990. و«صور وأشياء أخرى» 1985. وتتميز قصائد كوكيناكيس بالغموض الممزوج بطزاجة اللحظة، والأسئلة الوجودية وقضايا السياسة والحب، ففي قصائده يدافع عن الحرية والعدالة وعشق الحياة، ويفضح بلادة الواقع ومراراته.
تتضمن المختارات التي ترجمتها عن اليونانية الدكتور خالد رؤوف 32 قصيدة انتخبها من دواوين مختلفة لـ«كوكيناكيس»، وقد صدرت بمقدمة كتبها كوكيناكيس تحدث فيها عن الشعر وقال إنه مثل كل الفنون، «هو عشق ومقاومة على التوازي». وإنه منذ ديوانه الأول قبل 48 عاماً سعى نحو الإبداع في مغامرة طويلة ومستمرة لم تنته، وكان محظوظاً بولادته «في وطن يغمره النور دوماً، ونشأته في بيئة تنعم بالحرية. فلم يضطهد قط وفعل كل ما كان يرغب فيه».
وفي مقدمة ديوانه الثاني «جنازة الطغاة»، الذي صدر عام 1974عن منشورات سيريوس. قدم كوكيناكيس تعريفاً للشعر من وجهة نظره، وذكر أنه «تحقيق لكل الأحلام من خلال الفكر والحرية»، كما استهل ديوانه السادس الذي صدر عام 1981 بقوله: «إن الشاعر يرفع ثقل الفرد وجميع البشر في الوقت نفسه، فهو يعبر ويعيش في مناطق مشتركة معهم، وقصائده التي يكتبها وإن بدت شخصية، فهي ليست إلا أبيات نابعة منهم، إذ إن زمنه هو زمنهم، وفي المرآة التي يرى فيها وجهه يظهر وجه العالم كله».
بهذا الفهم للشعر ودوره، مضى كوكيناكيس يتحسس «الماضي ويقتفي أثر الحاضر ويسعى نحو مستقبل أفضل، جاعلاً من الشعر ممارسة كشف، تأتي بالنور، ويعكس المفارقة المفاجئة الموحية بين الأشياء، والحكاية الداخلية للإنسان والشغف والخوف من الموت والاشتياق والأماني».
ولد «كوكيناكيس» عام 1954 في بيرايوس وترجمت قصائده للغات عدة. وكرمته أكاديمية أثينا مرتين، الأولى عام 2019 عقب صدور كتابه «شفق الحدود» 2019. والثانية 2021 عن مسيرته الشعرية على مدى 50 عاما، وتبرز من بين المختارات، ثلاث قصائد كتبها كوكيناكيس لشاعر الإسكندرية قسطنطين كفافيس، منها «الذين عرفوا العالم بالعكس كفافيس» ويقول فيها:
«الذين عرفوا العالم بالعكس
الذين يجلسون بدأوا يحلمون من جديد
بالشوارع وبشقوق الجدران
بالحدائق داخل الغبار
بسواعد الشباب العارية
هؤلاء الذين ينحنون ويجمعون الأحلام
من الشارع بقبعاتهم الخوصية
يتذكرون الشمس بعد المطر وهم يطؤون الطين
هؤلاء الذين عرفوا العالم بالعكس
يتأملون الحجارة الداكنة والسماء الزرقاء
يتحسسون شعراً أسود كثيفاً
بأيادٍ نسيت بياضها
هؤلاء يُخلُون الأعماق ليلاً
حيث تلتمس ثقتنا الساذجة المساعدة على مضض».
يذكر أن الدكتور خالد رؤوف، حاصل على الدكتوراه في الفن الكلاسيكي اليوناني الروماني من جامعة شيكاغو وترجم عن اليونانية «جيران العالم» مختارات شعرية لريتسوس، «ألكسيس زوربا، سيرته وحياته» لكازانزاكيس.