«البشمركة» يحملون السلاح نهارًا والقلم مساءً

«البشمركة» يحملون السلاح نهارًا والقلم مساءً
TT

«البشمركة» يحملون السلاح نهارًا والقلم مساءً

«البشمركة» يحملون السلاح نهارًا والقلم مساءً

كل مساء، يترك هكار مصطفى من قوات البشمركة الكردية سلاحه جانبا، ويجلس على مقعد خشبي وأمامه دفتر وقلم، في غرفة على ضفاف نهر الخازر في شمال العراق، ليتعلم القراءة والكتابة في صف عسكري.
الشاب البالغ 21 سنة، هو واحد من عشرات عناصر البشمركة التي تخوض منذ أكثر من عام معارك ضد تنظيم «داعش»، يخضعون لدورة محو الامية تنظمها قيادتهم في قرية بحرة قرب خطوط التماس.
في باحة منزل مهجور، رفعت لوحة كتب عليها «مدرسة البشمركة»، وجهزت احدى غرفه بلوح ابيض ومقاعد خشبية تضيق بطلاب بزيهم العسكري.
ويقول مصطفى لوكالة الصحافة الفرنسية «بعد احداث العام 1991 (الانتفاضة الكردية الثانية ضد الرئيس الاسبق صدام حسين) وتعرضنا للتشريد والحرب الداخلية (بين المكونات الكردية)، لم نستطع الذهاب الى المدارس» . يضيف «بعد 2003 وسقوط النظام العراقي السابق (...) انخرطت في صفوف البشمركة. لم استطع الذهاب الى المدرسة، وبقيت اميّا» .
وبحسب وزارة التربية في حكومة كردستان، تبلغ نسبة الامية حاليا في الاقليم 15 بالمائة، بعدما وصلت في التسعينات من القرن الماضي إلى نحو 32 في المائة. ويعود ارتفاع النسبة في السابق إلى ظروف الحرب والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق بعد 1991، والاقتتال الداخلي بين الاكراد.
ولا تقتصر مشكلة الامية على مصطفى، إذ يشير إلى أن العديد من رفاق السلاح وقعوا أسرى لدى التنظيم المتطرف نظرا لعدم قدرتهم على القراءة. قائلا «العديد من زملائنا وقعوا في ايدي الاعداء بطريق الخطأ لأنهم أميون ولم يعرفوا أين هم أو قراءة العلامات التي تدل على أنهم وصلوا إلى مناطق خطرة و(يفترض بهم) عدم تجاوزها».
ويسيطر التنظيم المتطرف على اجزاء من شمال العراق وغربه، منذ هجوم كاسح شنه في يونيو (حزيران) 2014. وشن التنظيم في اغسطس (آب)، هجوما متجددًا في الشمال اقترب فيه من حدود اقليم كردستان. ويتواجه المتطرفون والاكراد الذين استعادوا بعض المناطق بدعم من ضربات جوية لتحالف دولي تقوده واشنطن، في خطوط مواجهة تمتد مئات الكيلومترات.
ويقول بدر الدين بيرو عزيز «عندما كنا نتوجه الى أي مكان كان علينا سؤال الآخرين للاستدلال على المكان الذي نقصده (...) كنا نرى أنفسنا ضعفاء».
ويضيف الشاب (21 سنة) «حاليا أستطيع قراءة اسمي واسم والدي وأمور أخرى».
هي المرة الاولى يدخل مصطفى وعزيز مدرسة، إذ اقتصر عملهما قبل الانضمام إلى البشمركة على بعض الاعمال الزراعية.
كما ان المدرسة هي الاولى للبشمركة عند خطوط التماس مع المتطرفين.
ويقدم الدروس المقدم في البشمركة بنديان حاجي جميل الذي طرح الفكرة على مسؤوليه، في استعادة لتجربة مماثلة للقوات الكردية في 1968، عندما افتتحت أول مدرسة لمحو الأمية في منطقة ناوبردان الجبلية. ويقول «فتحنا هذه المدرسة عند حدودنا مع الاعداء لنقول لهم بأننا نهتم بالجانبين العسكري والتعليمي»، علما أن المدرسة تقع على بعد ثلاثة كلم من اقرب نقطة للتنظيم المتطرف. مضيفًا «نعلم أن المكان ضيق؛ لكنه يأخذ في الاعتبار الجانب العسكري والأمني لاننا في جبهات القتال»، موضحا أن العناصر يتناوبون على الحراسة اثناء وجود زملائهم في الصف.
ويلقن جميل يوميا تلامذته مبادئ قراءة اللغة الكردية وكتابتها، ومبادئ في الرياضيات تتيح لهم قراءة الخرائط العسكرية. ويقول «نعلمهم المبادئ الاساسية للقراءة والكتابة باللغة الكردية التي نراها ضرورية في نقاط التفتيش وعند الالتزام بواجب عسكري، والرياضيات لاننا نحتاج إليها في قراءة الخرائط». ويضيف «الاسلحة التي تزودنا بها قوات التحالف تعمل وفق ارقام معينة، ولهذا يجب ان يتعلم البشمركة قراءة الارقام». ويتابع «حددنا للمشروع ثلاثة اشهر وسوف نرى الظروف لأننا في المواقع الامامية مع عدو والامر ليس بالسهل»، موضحا أنه «إذا حدثت ظروف خارجة عن ارادتنا، لن نستطيع الاستمرار».
ويضطر العناصر إلى ترك اسلحتهم مع رفاقهم في مواقعهم، والانتقال إلى مقاعد الدراسة لمتابعة حصتين تدريسيتين تفصل بينهما استراحة لشرب الشاي وتدخين السجائر في باحة المنزل.
ويقول قائد قوات الحراسة اللواء سيد هزار طاهر «اخترنا وقت المساء لأن الواجبات قليلة. في النهار العديد منهم يؤدون واجب الحماية لذوي المراتب العليا (الضباط الكبار) ويتوجهون معهم إلى أماكن أخرى في الجولات العسكرية. أما في المساء فإن الجميع يعود إلى موقع القيادة»، مضيفًا «سوف نستمر في اقامة مثل هذه الدورات إذا لم ندخل في المعارك وبقيت هذه المنطقة هادئة».
لا يخفي مصطفى فخره بما أنجزه، قائلا «بت قادرا على ارسال رسالة نصية بالهاتف الخليوي إلى زملائي، وهذا ما لم أكن استطيع القيام به سابقا».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.