توظيف التراث ومواجهة الإرهاب أهم مرتكزاته

قراءة في مشروع أبو العلا السلاموني المسرحي

توظيف التراث ومواجهة الإرهاب أهم مرتكزاته
TT

توظيف التراث ومواجهة الإرهاب أهم مرتكزاته

توظيف التراث ومواجهة الإرهاب أهم مرتكزاته

ركز الناقد المسرحي المصري أحمد عبد الرازق أبو العلا، في كتابه «مشروع أبو العلا السلاموني... التنوير مسرحياً»، الذي صدر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، على دراسة 17 نصاً مسرحياً من أعمال السلاموني، كشفت عن اهتمامه بقضايا مصر السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والإنسانية، وجاءت الدراسة في محورين من محاور التجربة الإبداعية لدى السلاموني؛ انصب الأول على قضية «توظيف عناصر التراث الشعبي في المسرح»، أما الثاني فعالج «قضية الإرهاب والتطرف باسم الدين».
في نصوص المحور الأول الخاص بـ«توظيف عناصر التراث الشعبي في المسرح»، وصولاً لصيغة يمكن أن يُطلق عليها اسم المسرح الشعبي، حاول عبد الرازق أبو العلا الإجابة عن مجموعة من التساؤلات النقدية والفنية، التي تعكس الإشكالات التي تواجه الكاتب المسرحي وهو يحاول الكتابة في هذا النوع من المسرح، أولها «إضفاء صفة الشعبي على الأعمال من خلال استلهام الموروث الشعبي ووضعه في سياقه الثقافي»، فضلاً عن القيام بإعادة صياغته برؤية فنية جديدة تعرض قصة من قصص الحياة، عبر استغلال منهج الأداء في السير الشعبية الذي لجأ إليه السلاموني في بعض مسرحياته، وقام خلالها بتوظيف العناصر الشعبية مادةً وأداة.
وسعى عبد الرازق أبو العلا وهو يقدم قراءاته لنصوص السلاموني، وتحليلها، وتحديد العنصر الشعبي الذي استعان به، لمعرفة كيف وظّفه وطوّعه درامياً، ليؤدي دوره دون الإخلال بطبيعته التراثية.
وفي نصوص المحور الثاني الخاص بمعالجة «قضية الإرهاب والتطرف باسم الدين» مسرحياً، قدم المؤلف تحليلاً للكيفية التي تعامل بها السلاموني مع قضيته الشائكة في نصوصه، وقام بتقصي أحداثها، لمعرفة ما إذا كانت قدمت الفكر أم أبرزت الوقائع، وكيف تعاملت مع المادة التسجيلية، التي استعان بها المؤلف وهو يقوم بمعالجتها درامياً وفنياً. ولم يتوقف عبد الرازق عند هذه المرحلة، بل قام بدراسة الأحداث وطبيعتها، وتطورها، فضلاً عن الفعل الدرامي، والشخصيات بمكوناتها الإنسانية، والفكرية، والنفسية، ومدى استفادته وهو يقوم ببنائها، من الوقائع والوثائق والتاريخ.
وذكر عبد الرازق أبو العلا، أن مرجعية السلاموني المعرفية حول قضية الإرهاب كبيرة، ومصادره متعددة، وقد تصدى لها بكتابة سبعة نصوص، تستهدف إثارة جذوة الحماس لمواجهة التطرف، وإذكاء الوعي، وتنميته، والانتصار لثقافة التسامح، في مواجهة ثقافة العنف والتطرف، فالمسرح يستطيع القيام بهذا كله، بما يملكه من أدوات الفُرجة، والمتعة والإبهار.
يُعد الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني واحداً من كتّاب الجيل الثالث في المسرح المصري، الذي جاء بعد جيلين، تمثل الأول في جيل الرواد: توفيق الحكيم وأحمد شوقي وعزيز أباظة، والثاني كان جيل الستينات، وبرز منهم: يوسف إدريس ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة والفريد فرج ومحمود دياب وصلاح عبد الصبور وميخائيل رومان، وكثيرون غيرهم، أما الجيل الثالث الذي ينتمي إليه السلاموني، فلا ينطلق كتّابه من منطلق فكري، أو إبداعي واحد، فكل واحد منهم له طريقته، ومنهجه، ونظرته إلى الحياة، والسبب في ذلك يعود إلى غياب الهم القومي الذي يلتف حوله الكتّاب، وهو ما أثر على توجهاتهم، وجعل مواقفهم متباينة، وأدى إلى عدم وجود عوامل مشتركة تجمع بينهم، فصار الاجتهاد الشخصي محدِّداً لمدى تميز أعمال الكاتب، وسط أقرانه.
وذكر المؤلف أن السلاموني وزملاء جيله قدموا إبداعاتهم المسرحية دون مظلة نقدية تحمي ظهورهم في أثناء مسيرتهم الصعبة، كما تأثروا سلبياً بانتشار التلفزيون والفيديو. وفي أجواء المتغيرات التي أحدثتها هزيمة 67، والآثار التي خلفتها، واجه أبناء ذلك الجيل مجموعة من التحديات التي كان عليهم مواجهتها، ليستطيعوا التعبير عن أنفسهم، وإعلان مواقفهم، تجاه الواقع المحيط بهم، فأخذ كل واحد منهم يبحث لنفسه عن طريق جديد، ولاذوا بتجاربهم، بحثاً عن همّ إبداعي، وشخصي، وفني يميز كلاً منهم. وذهب أبو العلا السلاموني باحثاً في الجذور، والتراث التاريخي والأسطوري والشعبي، ليعبر بالمعالجة المعاصرة عن الواقع، بكل ما فيه من تناقضات، وصراعات ومتغيرات جديدة، وكانت بداية شهرته في أوائل الثمانينات حين أخرج له الفنان عبد الرحيم الزرقاني مسرحية «الثأر ورحلة العذاب» على خشبة «المسرح الحديث».
ظهور أعمال السلاموني في الثمانينات لا يعني أنه من أبناء تلك المرحلة؛ إذ بدأ الكتابة مبكراً، في مرحلة الستينات، وقدم خلالها أعمالاً مسرحية، منها «درس في المأساة» (1961)، و«مباراة بلا نتيجة» (1962)، و«حكاية ليلة القدر» (1963)، و«تحت التهديد» (1964)، و«سيف الله» (1965)، و«الجانب الآخر» (1967)، و«الحريق» (1968)، و«أبو زيد في بلدنا» (1969)، وتم عرض بعضها بعيداً عن أضواء العاصمة، وهو ما كان سبباً في تأخر ظهوره، وتعرف الناس على أعماله.
والمفارقة الغريبة، أن السلاموني حين ظهر أول عمل له على مسارح الدولة في عام 1982، اعتبرته الحركة النقدية كاتباً جديداً، وتم التعامل معه على ذلك النحو، متناسين تجربته الممتدة قبل أكثر من عشرين عاماً. وما يميز تجربة أبو العلا السلاموني، أن لديه مشروعاً مسرحياً واضح الأبعاد والرؤى، يكتب ويعرف لماذا يكتب، ويعلم أن الكتابة ضرورة، يكتب محدداً موقفه تجاه الواقع، ورؤيته الفنية تعكس هذا، وقد تعامل - حسب عبد الرازق أبو العلا - بشكل متميز ولافت مع التراث التاريخي، واستخدمه كوسيلة إسقاط على الواقع بقضاياه السياسية والاجتماعية، كما تعامل مع التراث الشعبي مُستلهماً منه العناصر التي بها يستطيع تقديم مسرح له ملامح وهُوية، وكان معياره في كل الحالات صدق التناول، وبراعة المعالجة، ووضوح الرسالة.
انحاز مشروع السلاموني المسرحي لفعل التنوير، فأضاف بذلك بُعداً آخر إلى أبعاد تجربته المسرحية، فحين تفاعل مع قضية الإرهاب باسم الدين، وقضية خلط الأوراق بين الدين والسياسة، شكّل ذلك مع ملامح أخرى إبداعه المسرحي، وأكد عمق مشروعه ووعيه الفكري والثقافي، وثراء تجربته الإنسانية بشكل عام.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.