الحمض النووي يعيد كتابة تاريخ تجارة الرنجة

صورة لتجارة الرنجة من متحف تاريخ تدخين الأسماك في كندا(مارك هاجان)
صورة لتجارة الرنجة من متحف تاريخ تدخين الأسماك في كندا(مارك هاجان)
TT

الحمض النووي يعيد كتابة تاريخ تجارة الرنجة

صورة لتجارة الرنجة من متحف تاريخ تدخين الأسماك في كندا(مارك هاجان)
صورة لتجارة الرنجة من متحف تاريخ تدخين الأسماك في كندا(مارك هاجان)

يعتقد المؤرخون أن تجارة الرنجة واسعة النطاق بدأت حوالي عام 1200 الميلادي، وسيطرت عليها لاحقا الرابطة الهانزية (رابطة ضمت العديد من المدن التجارية في منطقة بحر الشمال والبلطيق، واستمرت من القرن الثاني عشر حتى القرن السابع عشر)، والآن، تظهر دراسة جديدة نشرت (الأربعاء) في دورية «بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس»، واعتمدت على الحمض النووي القديم، أن هذه التجارة تأسست بالفعل في عصر الفايكنج.
وتقول لين أتمور، الباحثة بجامعة أوسلو بالنوريج، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، بالتزامن مع نشر الدراسة: «وجدنا أن هذه التجارة كانت موجودة بالفعل في حوالي عام 800 الميلادي، أي قبل 400 عام من الموعد الذي كان يعتقده المؤرخون».
وعثر الفريق البحثي على عظام الرنجة في مدينة «تروسو» ببولندا، والتي كانت تعرف بأنها «ميناء تجاري مهم لعصر الفايكنج»، حيث كشف الحمض النووي لهذه العظام، أن الأسماك تكيفت مع ملوحة أعلى مما تجده في وسط البلطيق (موطن وجودها)، وهذا يعني أنها خضعت لمعالجات لإبقائها صالحة للأكل.
وتعالج الرنجة بالملح أو الدخان للحفاظ على سلامتها، وإذا لم تعالج سوف تفسد بسرعة كبيرة، ولا يمكن للباحثين إثبات أن الفايكنج هم من أحضروا سمك الرنجة من مكان إلى آخر، لكن ما أثبتوه في الدراسة هو وجود عظم لسمك الرنجة في موقع كان يتاجر فيه «الفايكنج».
ويقول باستيان ستار، الباحث المشارك بالدراسة: «دراستنا تؤكد أنه تم تداول الأسماك على مسافات أكبر مما كان متوقعا في السابق، ويمكننا الآن تحديد هذا التاريخ لأن هذه العظام مؤرخة تماما 800 و850».
ويضيف: «نتائجنا تؤكد أيضاً أن صناعة الرنجة في بحر البلطيق واحدة من أهم الأنشطة التجارية بأوروبا في العصور الوسطى، فمن خلال الجمع بين الدراسة الجينية للعينات الأثرية والعينات الحديثة لعظم الرنجة، يمكن للمرء أن يكتشف أقدم دليل معروف على نمو التجارة طويلة المدى في الرنجة، من المياه المالحة نسبيا في غرب البلطيق إلى موقع تجارة عصر الفايكنج في (تروسو) شمال شرقي بولندا».



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».