قائد في «عرين الأسود» يسلم نفسه وآخرين للسلطة الفلسطينية

مسلحون «مع» وآخرون «ضد»... في أول اختراق لجهة تسوية الملف

جنود اسرائيليون في موقع قرب المدخل الغربي لمدينة نابلس الأربعاء (أ.ف.ب)
جنود اسرائيليون في موقع قرب المدخل الغربي لمدينة نابلس الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

قائد في «عرين الأسود» يسلم نفسه وآخرين للسلطة الفلسطينية

جنود اسرائيليون في موقع قرب المدخل الغربي لمدينة نابلس الأربعاء (أ.ف.ب)
جنود اسرائيليون في موقع قرب المدخل الغربي لمدينة نابلس الأربعاء (أ.ف.ب)

سلم قيادي بارز في مجموعة «عرين الأسود» نفسه، و3 من رفاقه، إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، في خطوة أثارت الجدل وأظهرت بوادر خلافات بين المسلحين في المدينة التي تحاصرها إسرائيل منذ أكثر من أسبوعين، مستهدفة المجموعة التي اكتسبت تأييداً وتعاطفاً فلسطينياً واسعاً.
وأكد محمود البنا، الذي تعتبره إسرائيل العقل المدبر للمجموعة، تسليم نفسه للسلطة، مدافعاً عن قراره في منشور على صفحته على منصة «فيسبوك»، جاء فيه: «عندما قررت أن أمتشق بندقيتي وأنزل لمقارعة هذا المحتل لم آخذ القرار من أي شخص، وأعددت للمحتل ما استطعت».
وتابع أنه «بعد مشاورتي لإخواني في النضال أنا ورفاق دربي، تم الاتفاق مع إخواننا في الأجهزة الأمنية على تسليم أنفسنا، لكي يحمونا من هذا المحتل الغاشم الذي خرق كل قوانين العالم المحرمة، وحاول جاهداً أن تكون
هنالك إبادة جماعية لنا في آخر عملية اغتيال».
إعلان البنا تسليم نفسه وآخرين جاء بعد يومين من الهجوم الواسع الذي شنه الجيش الإسرائيلي على مجموعة «عرين الأسود» في نابلس، وقتل فيه 5 منهم، بينهم قائد المجموعة وديع الحوح.
ويعد هذا القرار أول اختراق تستطيع السلطة الفلسطينية تحقيقه لجهة تسوية أوضاع المسلحين في نابلس.
وكانت السلطة قد طلبت من إسرائيل وقف الاقتحامات في نابلس، لإنجاح الاقتراح الذي تم تقديمه للمسلحين، ويقضي بتسليم أسلحتهم ووضعهم تحت الاعتقال الوقائي في مقرات الأجهزة الأمنية، حتى تسوية ملفاتهم مع إسرائيل وحصولهم على عفو إسرائيلي عام.
وهو ترتيب لجأت إليه السلطة مع مجموعات «كتائب الأقصى»، التابعة لحركة فتح نهاية الانتفاضة الثانية ونجح آنذاك، وتحول المسلحون في نهاية المطاف إلى عناصر في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
لكن مجموعة «العرين» خرجت في بيان، وقالت إنها لم تطلب من أي جهة رسمية أو أمنية أن تتسلم أياً من مقاتليها.
وأضافت: «إن من يقوم بتسليم نفسه من المقاتلين هذا قراره وخياره لا نناقشه فيه حتى. ونطلب من المواطنين الكرام وقف تداول الشائعات، وعدم الإساءة لأي مقاتل سلم نفسه».
وأردفت أن «العرين بألف خير».
وعلى الرغم من أن بيان «العرين» تبرأ من فكرة تسليم المقاتلين أنفسهم، ورفض الفكرة بطريقة أو بأخرى، فإن بياناً آخر لكتائب «الأقصى» التابعة لحركة فتح التي ينتمي إليها البنا وآخرون في «العرين»، قال إن تسليم البنا نفسه تم بالاتفاق مع محافظ نابلس وعدد من قادة الأجهزة الأمنية، حفاظاً على حياة مقاتليها في نابلس، وبعد ضغوط إسرائيل على السلطة الفلسطينية، إما بحبس القيادي محمود البنا، أو اجتياح المدينة بشكل كامل.
وأشار البيان إلى أن تسليم نفسه تم بقرار من قيادة الكتائب، في مؤشر على وجود خلافات بين المسلحين في نابلس حول اقتراح السلطة والقبول به.
هذا الخلاف انتقل كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، بين متفهم لقرار البنا متمنياً له طول السلامة، أو غاضب منه رافضاً فكرة تسليم السلاح باعتباره خيانة لرفاقه.
وانتقد البنا مهاجميه، وقال: «أريد أن أقول لمن هو جالسٌ في بيته وبين أهله وأولاده ويعتلي منصة التواصل الاجتماعي (ويمتلك السلاح). وأنا أعلم ما أقول، أين كنت وماذا فعلت عندما كنا محاصرين ونستصرخ. أين كانت بندقيتك (..) ماذا فعلت لنا. كنت تنتظر الصباح لتعلق بندقيتك على كتفك وتخرج لتطلق النار في الهواء حزناً علينا بالجنازة، واليوم من وراء الشاشات تزاود علينا».
الاتفاق بين السلطة والبنا جاء في وقت قالت فيه وسائل إعلام إسرائيلية إن إسرائيل ناقشت إعطاء السلطة فرصة للتعامل مع المسلحين في نابلس، لكنها ستواصل حصار المدينة حتى اعتقال مطلقي النار على جندي إسرائيلي وقتله قبل أكثر من أسبوعين.
وترى إسرائيل أن تسليم البنا نفسه خطوة يمكن أن يتم البناء عليها.
وقالت صحيفة «يديعوت» إن البنا من مؤسسي «عرين الأسود»، ويعتبر العقل بالنسبة للجماعة، وقد شارك في عمليات إطلاق نار على الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في قبر يوسف، ونجا من محاولات اغتيال إسرائيلية.
البنا كان ناشطاً في كتائب «شهداء الأقصى»، واعتبر مطلوباً للسلطة الفلسطينية أيضا. كما أن شقيقه كان معتقلاً في سجون السلطة وثمة ادعاء بأنه مات تحت التعذيب.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.