أن ينكر وزير خارجيّة إيران تزويد بلاده روسيا بالمسيّرات، فهذا أمر يدحضه الواقع الميدانيّ. فحتى ولو كانت المسيرات تحمل اسماً روسيّاً، فماذا عن البصمة الإيرانيّة في التقنية ومنظومة القيادة والتشغيل؟
حتى أن هناك معلومات دقيقة تقول إن المسيرات الإيرانيّة موجودة في شبه جزيرة القرم، التي تنطلق منها لاستهداف كلّ من خيرسون ومايكوليف وأوديسا، كما توجد أيضاً شمالاً، في بيلاروسيا، في نطاق مدينة غومل، بهدف استهداف العاصمة كييف، كما حصل أخيراً.
ويدور الحديث أخيراً عن تزويد إيران روسيا بصواريخ بالستيّة قصيرة المدى.
في التحليل
تحلّ المسيّرات الإيرانيّة مشكلة العديد الروسي لكسب الوقت، بانتظار استكمال التعبئة الجزئيّة. كما تحرّر المسيّرات بوتين من الالتزام بوعيده حول استعمال النووي التكتيكيّ. فالمسيّرات تزرع الرعب في المدن، كما تشلّ حركة البلاد ككلّ، وتقلّل من أهميّة أي إنجاز أوكرانيّ في الميدان.
لكن، لا شيء مجانيّاً، سواء في السياسة أم في الحروب. فأميركا، الشيطان الأكبر، تساعد أوكرانيا، فلماذا لا تساعد إيران روسيا؟
فالجغرافيا والتاريخ يربطان روسيا وإيران، خصوصاً في القوقاز.
تربض روسيا في قلب ما يُسمّى «محور المقاومة الإيراني»، أي في سوريا؛ لأن سوريا تعتبر المسرح الواصل بين العراق ولبنان. وهي تشكّل العمق الاستراتيجيّ لـ«حزب الله» في حال نشوب أيّ حرب مع إسرائيل. وخسارة سوريا تعتبر خسارة لهذا العمق. فقبل الحرب الأوكرانيّة، كانت روسيا تلعب دور المايسترو الذي يوزّع الأدوار بين كلّ من تركيا وإيران والنظام وإسرائيل. وكانت تغضّ النظر عن الغارات الإسرائيليّة ضد المراكز الإيرانيّة؛ لأن الأمر كان يصبّ في مصلحتها عبر إضعاف إيران في سوريا. لكن، بعد الحرب الأوكرانيّة وسحب بعض من المعسكر الروسي من سوريا، بالإضافة إلى سحب صواريخ «أس-300»، تبدّلت الديناميّة على المسرح السوريّ؛ لأن انشغال الجبّار، مُدير العمليات في سوريا، سيفتح الباب للاعبين الأصغر حجماً لإعادة التموضع.
المسيّرات الإيرانيّة
أن تستعمل روسيا المسيرات الإيرانيّة (وتطلب الصواريخ البالستية) في أوكرانيا في ظلّ النكسات الميدانيّة، فهذا اعتراف علنيّ مزدوج من قبل روسيا. الأوّل، أن روسيا تعاني، والثاني أنها تثق بإيران؛ لأن مصالحهما تتقاطع بشكل كامل حاليّاً. مع أن السلوك الروسيّ يعكس هشاشة عالية وخطيرة في قطاع الصناعات العسكريّة الروسيّة، كما يعكس سوء التخطيط السياسيّ – الاستراتيجيّ من قبل القيادات الروسيّة، وعلى رأسها الرئيس بوتين. أليس هو من يريد ضرب النظام العالميّ الغربيّ؟ أليس هو من يريد استرداد مكانة روسيا الكونيّة؟
في التداعيات
أن تزوّد إيران روسيا بالصواريخ البالستيّة والمسيّرات، فهذا الأمر سيؤدّي إلى الأمور التالية:
الترابط العسكريّ بين الطرفين، ومأسسة التواجد الإيراني العسكري في روسيا، والعكس صحيح. وسيؤدّي إلى خلق ثقافة عسكريّة متبادلة، وإلى نقل الخبرات والتجارب بين الاثنين.
سيؤدّي إلى دعم روسيا لإيران في مجموعة «5 1» حول الاتفاق النووي الإيرانيّ، هذا عدا الحماية لإيران في مجلس الأمن عبر حق الفيتو. قد تبدأ روسيا، وبناء على طلب إيرانيّ، بالتضييق على العمليات الجويّة الإسرائيلية في سوريا، أو حتى منعها. وإذا حصل هذا الأمر، فهل ستتقيّد إسرائيل؟ أم أنها ستشتبك مع القوات الروسيّة، أو قوات النظام المدعومة من روسيا، بأسلحة جديدة؟ وهل ستردّ إسرائيل على المسرح الأوكراني عبر مساعدة أوكرانيا عسكريّاً واستخباراتيّاً؟ هذا مع العلم بأنها بدأت أخيراً تزويد كييف بمعلومات عن المسيّرات الإيرانيّة.
هل ستعطيّ إسرائيل أسلحة مضادة للمسيّرات لأوكرانيا؟ ولمَ لا؟ فالمسرح الأوكراني هو مسرح التجارب العسكريّة لكلّ سلاح لم يُجرّب بعد.
في الختام، هل ستغيّر المسيّرات الإيرانيّة المعادلة الميدانيّة حالياً على المسرح الأوكرانيّ؟ وهل ستؤثّر المسيّرات على الاندفاعة الهجوميّة الأوكرانيّة في الشرق والجنوب؟
حتى الآن، لم تستعمل المسيّرات إلا ضد الأهداف المدنيّة وفي المدن، ولم تستعمل على الجبهات في خيرسون والشرق الأوكراني. فهي مسيّرات بطيئة، تحلّق على علو منخفض، وتصدر ضجيجاً كبيراً، حتى أن حمولتها من المتفجّرات (30 كلغ) لا تعتبر عاملاً مؤثراً في الميدان.
إذاً، متى تغيّر المسيّرات الإيرانيّة قواعد اللعبة؟
عندما يُستنبط لها دور تكتيكيّ ناجح ضدّ التكتيك الأوكرانيّ. وقد يكون هذا التكتيك عبر استعمالها عند الهجوم على الأهداف الأوكرانيّة ذات القيمة الاستراتيجيّة، بتشكيل السرب، أي الهجوم بعشرات المسيّرات على نفس الهدف لإغراق وإشغال الدفاعات الجويّة الأوكرانيّة.
لكن هذه الطريقة تستلزم حرفيّة تقنيّة وعملانيّة عالية جدّاً، كما تستلزم استعلاماً دقيقاً وآنيّاً؛ لأن أحدث سلاح ذكيّ من دون استعلام دقيق، هو سلاح غبيّ حتماً.
في الختام، قد يمكن القول إن قياس نجاح المسيّرات الإيرانيّة على المسرح الأوكرانيّ هو فقط عندما نبدأ بسماع تدميرها للراجمات الأميركيّة «الهايمارس (HIMARS)».