دعوات لأئمة المساجد في «رمضان» بتعظيم قيمة ترشيد الطاقة ونبذ الإسراف

تقديرات بهدر الطاقة في الشهر الفضيل بنسبة 110 % بسبب زيادة ساعات الاستهلاك

دعوات لأئمة المساجد في «رمضان» بتعظيم قيمة ترشيد الطاقة ونبذ الإسراف
TT

دعوات لأئمة المساجد في «رمضان» بتعظيم قيمة ترشيد الطاقة ونبذ الإسراف

دعوات لأئمة المساجد في «رمضان» بتعظيم قيمة ترشيد الطاقة ونبذ الإسراف

يعتبر شهور رمضان أكثر شهور العام التي تشهد استهلاكًا في الطاقة الكهربائية، وذلك لخصوصية هذا الشهر من حيث حاجة الصائمين وغير الصائمين لاستخدام الكهرباء معظم ساعات اليوم، على الرغم من قصر ساعات دوام العمل الرسمية.
وفي رأي عدد من الاقتصاديين، فإن هذا الهدر الزائد من الكهرباء لا يتناغم مع موجهات شهر رمضان الكريم، كقيمة إيمانية وروحية ودينية تستدعي الترشيد في كل شيء؛ كونه أكثر الشهور مدعاة للالتزام بآداب الإسلام، باعتبار أن الترشيد قيمة إسلامية بما في ذلك استخدام الماء والكهرباء.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الباحث الاقتصادي الدكتور الصادق إدريس «يزيد في شهر رمضان استخدام الطاقة بنسبة عالية بكثير عما عليه الحال في الشهور الأخرى، وذلك بسبب تعمد البعض زيادة ساعات استخدام مكيفات التبريد في نهار رمضان، وزيادة ساعات الإضاءة في الليل، بنسبة تضاعف استخدام الكهرباء في غير رمضان».
ويعتقد إدريس أن هذا السلوك، يسبب هدرًا كبيرًا في الطاقة الكهربائية، خاصة عندما تكون الأجهزة المستخدمة غير ملتزمة بشروط ومعايير الاستهلاك الرشيد والمتفق عليه عالميًا، مبينًا أن ذلك يحسب أيضًا نوعًا من عدم التقيد بآداب الدين، الذي ينهى عن الإسراف كقيمة مبغوضة في الدين وفي كل شيء، بما في ذلك الاستخدام الزائد على الحاجة.
ولفت إلى أن هناك حملات تعنى بترشيد الطاقة، ينفذها المركز السعودي لكفاءة الطاقة، ومن بينها حملة «شوري عليك»، مبينًا أنها حملة جديرة بالاهتمام في شهر رمضان، كونها تحقق قيمة اقتصادية وقيمة دينية أيضًا ضد الإسراف المبغوض، داعيًا أئمة المساجد لاستغلال هذه المصطلحات والحملات وتوظيفها كقيمة ثقافية تستدعي الالتزام بها.
من جهته، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية: «رغم أن شهر رمضان شهر للعبادة والالتزام بآداب الدين، ومن بينها النهي عن الإسراف، فإن الكثير من الصائمين اعتاد على زيادة استهلاك الطاقة وزيادة ساعات استخدامها بشكل غير اقتصادي».
وتوقع باعشن أن يزيد استهلاك الطاقة الكهربائية في رمضان بنسبة تصل إلى 110 في المائة، مبينًا أن ذلك مرده إلى زيادة استخدام الكهرباء في ليل رمضان بأكثر من 50 في المائة في غيره من ليالي شهور العام الأخرى، مشيرًا إلى أن أكثر أدوات الهدر في هذه الحالة يتمثل في مكيفات التبريد ولمبات الإضاءة، فضلاً عن الأجهزة الإلكترونية والكهربائية الأخرى.
وأضاف باعشن إلى ذلك زيادة ساعات استخدام مكيفات التبريد ولمبات الإضاءة في بعض المباني والمصانع ليلاً، فضلاً عن محلات الأسواق بشكل عام، في الوقت الذي تمثل فيه الأجهزة غير المطابقة لمعايير الاستخدام المرشد أكثر من 60 في المائة على وجه التقريب.
وشدّد باعشن على ضرورة الاهتمام والالتزام بالحملات الترشيدية التي أطلقها مركز كفاءة الطاقة، لمحاربة الإسراف في استخدام المكيفات ولمبات الإضاءة وغيرها من الأجهزة، وتعزيز ثقافة الترشيد في هذا الشهر الكريم على حد تعبيره، منوهًا بأن الترشيد قيمة مطلوبة في الدين الإسلامي، مشيرًا إلى أن شهر رمضان أكثر شهور العام مناسبة لتفعيل مثل هذه القيمة.
من ناحيته، أكد الاقتصادي عبد الرحمن العطا، أن شهر رمضان مناسبة دينية مهمة، لتعظيم شعائر الله واجتناب النواهي ومن بينها الإسراف كقيمة ينبذها الدين ومهدرة للاقتصاد الفردي والجماعي وعلى مستوى المجتمع والدولة، داعيًا أئمة المساجد إلى الالتفات إلى مثل هذه القيم وتوعية المجتمع بها من ناحية دينية واقتصادية.
ودعا العطا شرائح المجتمع إلى الاستجابة لحملات ترشيد الطاقة، التي أطلقها المركز السعودي لكفاءة الطاقة، ومن بينها حملة «شوري عليك»، مشددًا على ضرورة تفاعل الأطراف كافة مع هذه الحملة في هذا الشهر بصورة أكبر، كونه أكثر شهور العام الذي يشهد استهلاكًا أكبر للطاقة، فضلاً عن زيادة ساعات الاستخدام في الوقت نفسه.
وأكد العطا أن شهر رمضان أدعى لأن تضبط فيه العادات الاستهلاكية والالتزام بمواصفات كفاءة الأجهزة الكهربائية المنزلية ومواد العزل في المباني وأجهزة الإضاءة وترشيد استهلاك وقود السيارات والمصانع من خلال رفع تسعيرة الكهرباء والطاقة، كقيمة اقتصادية، فضلاً عن قيمتها الدينية وملمح من الآداب الإسلامية التي تحارب الإسراف أيًّا كان نوعه.
يشار إلى أن المركز السعودي لكفاءة الطاقة أطلق - أخيرًا - حملة «شوري عليك»، وتستدعي المساهمة في إيصال رسالتها من قبل شرائح المجتمع كافة، كأسلوب يساعد في إيجاد سبيل لترشيد الطاقة، خصوصًا أن قطاع المباني يستهلك قرابة 80 في المائة من إنتاج السعودية من الكهرباء، منها 70 في المائة تستهلك في التبريد فقط.
ووجدت حملة «شوري عليك» التي انطلقت قبل حلول شهر رمضان بفترة، استجابة كبيرة، في ظل الدعوات لأهمية توظيف وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال الرسالة المنشودة منها، حيث تبرز أهمية إشاعة ثقافة ترشيد استهلاك الطاقة والكهرباء، كإحدى أهم الاستراتيجيات التي يعمل عليها المركز السعودي لكفاءة الطاقة، من خلال إطلاقه عددًا من الحملات المعنية بهذا التوجه.
ويلعب المركز السعودي لكفاءة الطاقة دورًا محوريًا في إشاعة ثقافة ترشيد الطاقة، وذلك من خلال عدد من الحملات التي أطلقها بهذا الشأن، إلا أنه في حاجة ماسة لتضافر الجهود لكل الأطراف المعنية، لدعمه في إنفاذ برامجه الرامية إلى ترشيد الطاقة باقتدار وحرفية، حتى تصبح قيمة مشاعة في المجتمع، وصولا إلى تحقيق هدفه بتخفيض الاستهلاك بنسبة تصل إلى 30 في المائة بحلول 2030.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»