بين ركام مستشفى عرقة غرب العاصمة السعودية الرياض، أخذ الفنانون على عاتقهم تعديل التشوه البصري الذي تعرَّض له مبنى انكفأ على نفسه بعد أن تعرَّض للهجر والإهمال لأكثر من عقدين من الزمن، لكنه، اليوم، يعود بحُلّة بهيّة بعد أن أطلقت وزارة الثقافة مبادرة تهدف لتحويل هذا المبنى إلى مركز فني وثقافي شامل، تُستغل مساحاته الشاسعة في عرض أعمال فنية تحيي البهجة في أرجاء المكان.
وقد أطلقت هيئة الفنون البصرية، التابعة لوزارة الثقافة، مهرجان «شفت22» الذي يهدف لتسليط الضوء على واحد من أحدث أشكال الفن في السعودية، وتقديم مجموعة من الأعمال الفنية للاحتفاء بفن الجداريات الذي أصبح يلقى صدى لدى الجماهير المحلية والعالمية.
وبهدف إبراز الجوانب الجمالية للمكان، عمل الفنانون المشاركون في المهرجان على استغلال مساحات جدران المستشفى لتحويله إلى متحف ليلي فريد من نوعه ولكن بطريقة إبداعية مميزة.
واختارت الفنانة العالمية زي بيل إعادة استخدام الحطام الموجود في المستشفى لصنع أعمالها الفنية, حيث استخدمت الزجاج والألومنيوم والسيراميك والمحولات الكهربائية والحديد الصلب وغيرها مما وجدته في المستشفى المهجور، لتحوِّلها إلى قطع فنية تعبر عن ثقافة المنطقة وتعكس جماليات المستشفى. ومنها مجسم لحصان، الذي يرمز في الثقافة السعودية إلى الفخر والطاقة والسرعة, وهو النهج الذي يمثل الحراك التطويري السعودي في الوقت الحالي.
استخدم كل فنان اسلوبه الخاص في رسم الجداريات (الشرق الأوسط)
تجدر الإشارة إلى أن المهرجان سيقدم أعمالاً لأكثر من 30 فناناً محلياً وعالمياً، بجانب ورش وأنشطة وعروض فنية، وقد برع الفنانون المحليون بجدارياتهم التي استقبلوا بها الزوار، خاصة بعد أن استعمل الفنان ضياء ون النمط الكرتوني واليدوي بلمسات ثقافية سعودية ليرمي بجداريته «هرولة» إلى الركض وسرعة التغيير ومواكبة المستقبل، في حين نشرت السلام والمسامحة الفنانة زينب الماحوزي بجداريتها «روح من نور». أما الفنان نواف نيزر فقدَّم مشاركة جدارية «رجل الفضاء السعودي»، التي تميزت بأسلوب التراث النجدي.
من جابنهم تمكَّن الفنانون العالميون من تسجيل بصماتهم على تلك الجدران من خلال رسومات زاهية كجدارية «قصيدة حب» التي طوّع فيها الفنان «كراش» الأحرف والنوتات الموسيقية لبدء حوار بين القلب والعين.
أما الفنان توني شومان فأعاد تعريف السعادة والتفكير بعد أزمة كورونا عن طريق جداريته «التحول». فيما تناول جيمس ريكا أهمية مستشفى عرقة عبر عمله التجريدي «روابط»، حيث تتصافح الأيادي وتعكس قيم الحب والتكاتف.
هذا وحوّلت تقنيات البروجكتر مباني المستشفى إلى متحف ليلي مفتوح، بأعمال فنية مرئية لعدة فنانين، إضافة إلى قيام المهرجان بتخصيص مساحة للخوض في رحلة إبداعية مع فيديو فني مرئي بعنوان «قصيدة إلى الصحراء»، بجانب مساحة تعرض «تجربة صائدة الأحلام» عن طريق الحبال والأضواء والعروض التقنية.
يُذكر أن مستشفى عرقة الذي يبدو للوهلة الأولى كالقصور الفارهة والذي يتميز بالديكور المثير للإعجاب والمساحة الكبيرة والفخامة الهائلة، يقع على مساحة 20 ألف م2، ويتكون من 8 أدوار، وافتُتح في عام 1993م، واستمر حتى عام 2001م، حينها أُغلق وغدا مهجوراً منذ ذلك الوقت.