حكومتا باشاغا والدبيبة... صراع محموم على «إلغاء الآخر»

في ظل تحذيرات واتهامات متبادلة

أسامة حماد وزير التخطيط بحكومة «الاستقرار» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)
أسامة حماد وزير التخطيط بحكومة «الاستقرار» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)
TT

حكومتا باشاغا والدبيبة... صراع محموم على «إلغاء الآخر»

أسامة حماد وزير التخطيط بحكومة «الاستقرار» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)
أسامة حماد وزير التخطيط بحكومة «الاستقرار» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)

صعّدت حكومة «الاستقرار» الليبية برئاسة فتحي باشاغا، في مواجهة غريمتها «الوحدة الوطنية» التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، بالعاصمة طرابلس، واتهمتها بـ«اغتصاب السلطة، ودفع البلاد للإفلاس»، داعية جميع مؤسساتها إلى «عدم الالتزام بأي قرارات» صادرة عن الحكومة التي وصفتها بأنها «منتهية الصلاحية»، وهو ما اعتبره متابعون صراعاً بين السلطتين «لإلغاء كل منهما الأخرى».
وجاء تصعيد حكومة باشاغا على لسان وزيرها للتخطيط والمالية، أسامة حماد، رداً على تهديد للدبيبة أعلن فيه تخلي حكومته عن «أي التزامات مالية» ترتبها حكومة «الاستقرار»، المدعومة من مجلس النواب.
وقال وزير التخطيط والمالية، في منشور رسمي، مساء أمس، إن وزارته «لها صلاحيتها النافذة بمنع إهدار المال العام، وتحجيم الإنفاق إذا لزم الأمر، بمراقبة ومتابعة صرف الأموال وإحالة المخالفين للجهات المختصة، واتخاذ الإجراءات الرادعة كافة ضدهم».
وتابع حماد: «لن تقف وزارة التخطيط والمالية موقف المتفرج، وستمارس صلاحيتها لإيقاف العبث بخزائن الدولة ومواردها، وكذلك تجاوز التشريعات النافذة» من حكومة الدبيبة التي قال إنها «مغتصبة السلطة ومنتهية الولاية».
وقال حماد إن وزارته «تنبه بالأرقام الفلكية التي أنفقتها تلك الحكومة؛ حيث تجاوز الرقم 160 ملياراً في مشروعات ورقية غير حقيقية»، مذكرة بما سماه «التقارير المرعبة، والتجاوزات غير المسبوقة التي ذكرها ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، بحق الحكومة الموازية برئاسة الدبيبة».
ودعا حماد الجهات الرقابية والقضائية إلى «الاضطلاع بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه حكمة (الوحدة)، وإيقاف عبثها بمقدرات وثروة كل الليبيين»، كما حذر مؤسسات الدولة كافة «بمنع التعامل معها، وأن من يقدم على ذلك سيُعرض للمساءلة القانونية».
ورأى أن تعامل مؤسسات الدولة مع حكومة الدبيبة التي قال إنها «تخالف القوانين الإدارية المحلية والنظم والتشريعات النافذة، يقود الدولة الليبية للإفلاس، ويؤدي بأصحاب المؤسسات للمساءلة القضائية».
وشدد حماد «على منع صور التعامل كافة مع حكومة طرابلس، وعدم الاعتداد بها بأي شكل من الأشكال، وتجميد السجلات الصادرة منها والواردة»، واعتبر وزارته صاحبة الاختصاص الأصيل لإدارة كافة شؤون الخزانة العامة بالبلاد.
وانتهت وزارة التخطيط والمالية إلى أنها «تفتح أبوابها للجميع» باعتبارها «صاحبة القرار فيما يتعلق بشؤون الدولة المالية كافة، كموافاتها بتقارير إيرادات الصرف والواردات وتسلم التفويضات».
وكان الدبيبة قد طالب المؤسسات العامة كافة التابعة لحكومته «بعدم الاعتداد بأي قرارات صادرة عن حكومة غريمه باشاغا»، انطلاقاً من دور حكومته في «توحيد مؤسسات الدولة، وإنهاء الانقسام السياسي الذي أثر بشكل كبير على جل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية».
وفي مسعاها للتضيق على حكومة الدبيبة، وجهت وزارة الحكم المحلي التابعة لباشاغا، خطاباً إلى عمداء البلديات، طالبتهم فيه بضرورة التقيد بقرارات مجلس النواب، وحظر التعامل مع حكومة «الوحدة»، وعدم تنفيذ أي قرارات أو تعليمات تصدر عنها.
واعتبرت حكومة باشاغا أن «أي إجراءات تُتخذ تنفيذاً لها تعتبر باطلة، ويتحمل مرتكبها جميع المسؤوليات والآثار المترتبة عليها أمام القانون والجهات المختصة»، منوهة إلى قرار سابق أصدره رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بشأن «حظر التعامل بأي شكل من الأشكال أو التخاطب باسم حكومة (الوحدة)، وأن يقتصر التعامل مع حكومة (الاستقرار) دون غيرها، بدءاً من تاريخ منحها الثقة في مارس الماضي، بأنها السلطة التنفيذية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.