قبل شهرين من الآن، كان غرانيت تشاكا يستعد لإجراء عمليات الإحماء في ملعب فيتاليتي قبل مباراة فريقه آرسنال ضد بورنموث عندما لاحظ أن مشجعي ناديه يتغنون باسم الظهير الأيسر الأوكراني ألكسندر زينتشينكو، زميله الجديد الذي تم التعاقد معه في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة. وكانت كلمات الأغنية تقول: «زينتشينكو، نحن نثق دائما في روحك». اتجه تشاكا نحو زميله الجديد، وقال له: «أليكس. أنا هنا منذ ست سنوات، ولم يُؤلف الجمهور لي أغنية. أما أنت فلك أغنية مخصصة لك رغم أنك هنا منذ ثلاثة أسابيع فقط».
إننا نعرف بطريقة ما كيف قال تشاكا هذه الكلمات لزينتشينكو، فمن المؤكد أنه كان يشعر بالمرارة وانعدام الثقة والتحدي. إن كل لاعب يعرف الأغنية التي أعدها له الجمهور، وكل لاعب يعرف الشعور الذي يتملكه عندما لا تكون له أغنية مخصصة. هناك بعض اللاعبين الذين لا يهتمون بذلك، لكن من الواضح أن تشاكا حريص كل الحرص في الوقت الحالي على إخفاء مدى اهتمامه بمثل هذه الأشياء!
لقد ظهر تشاكا ثائرا للغاية بعد الهزيمة بهدفين دون رد على ملعب «سانت جيمس بارك» في نهاية الموسم الماضي، ولم يوبخ زملاءه في الفريق في غرفة خلع الملابس، وإنما على الهواء مباشرة عندما قال أمام كاميرات التلفزيون وهو يبصق مشمئزا: «إذا لم يكن شخص ما مستعداً لهذه المباراة، فيتعين عليه البقاء في المنزل. إذا كنت متوترا، فابق على مقاعد البدلاء، ولا تأتي إلى هنا. نحن بحاجة إلى أن يمتلك الشجاعة للمجيء إلى هنا واللعب».
تشاكا المثير للجدل بات محل تقدير الجماهير (رويترز)
وخلال مسيرته الكروية مع آرسنال، فإن طريقة تشاكا المباشرة والفظة في التعامل مع الأمور تسببت له في الكثير من المشكلات وخلقت له الكثير من الخصوم. لم يكن الشغف يمثل أي مشكلة بالنسبة له، لكن المشكلة الحقيقية كانت تتمثل في عدم قدرته على ضبط النفس، وحصوله على بطاقات حمراء، وارتكابه أخطاء بسيطة، وهو الأمر الذي تجلى في هجومه على جماهير ناديه بعد استبداله في مباراة فريقه أمام كريستال بالاس. وعندما تعثر آرسنال على أرض الملعب، كان تشاكا يجسد كل المشكلات والمعوقات التي يعاني منها النادي: كان يتحدث كثيرا دون أن يصنع أي هدف، وكان يتسم بالعصبية الشديدة، وهو الأمر الذي كان ينتقل إلى زملائه داخل الملعب.
لقد كانت العلاقة بين تشاكا والجماهير على مدار سنوات محكوما عليها بالفشل على ما يبدو. صحيح أنه كان هناك انجذاب متبادل، لكن كان هناك أيضاً شعور متبادل بالسخط في كثير من الأحيان. إذن، كيف وصلنا إلى الوضع الحالي، مع اقتراب تشاكا من 200 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز، واستمتاعه بموسم التهديف الأكثر غزارة في مسيرته، وأخيراً استمتاعه بأغنيته الخاصة التي أعدتها له الجماهير؟
لقد قال تشاكا عن اللحظة التي سمع فيها أغنيته الجديدة («لدينا غرانيت تشاكا»): «لقد كان شعورا رائعا ومدهشا للغاية». لقد أصبح من المألوف الآن الحديث عن التطور المذهل الذي طرأ على مستوى تشاكا هذا الموسم. في الواقع، نادرا ما نرى مسيرة مشابهة لمسيرة تشاكا في كرة القدم الحديثة، في ظل الأحكام السريعة والمبكرة على اللاعبين وسوق العمل التي أصبحت أكثر مرونة من أي وقت مضى، والذي يسمح لأي لاعب بالانتقال إلى ناد آخر إذا لم تسر الأمور على ما يرام، لكن تشاكا تحدى كل الصعاب ووصل إلى مستويات غير مسبوقة في مسيرته الكروية مع المدفعجية.
وبمجرد أن يدخل اللاعب في خلافات مع جمهور ناديه، فإن الأمور تصبح صعبة للغاية بشكل عام. ربما يذكرنا هذا بما حدث مع جولينتون في نيوكاسل يونايتد، أو موسى سيسوكو في توتنهام، لكن الحقيقة أن هذه كانت مجرد أمثلة مباشرة على لاعب كان عديم الفائدة لفريقه ثم تطور أداؤه وأصبح مفيدا للغاية. لكن على النقيض من ذلك، يبدو أن كراهية جماهير آرسنال لتشاكا كانت تنبع من مكان مختلف، وتبدو في وقت لاحق غريبة وغير مريحة وغير متكافئة. لم يكن تشاكا هو اللاعب الوحيد في صفوف آرسنال الذي يقدم أداء ضعيفا أو يجسد الكثير من الصفات التي كان يفتقر إليها آرسنال في السنوات الأخيرة للقيادة الفنية للمدير الفني الفرنسي آرسين فينغر - القيادة، والشراسة، والشخصية القوية، والقدرة على البقاء لائقا في أزمة الإصابة – كان هو اللاعب الوحيد الذي يتعرض لهذا القدر من الازدراء والانتقادات، بل وحتى التهديد بالقتل.
ربما كان السبب في ذلك على أحد المستويات هو أن مشجعي آرسنال وتشاكا كانا لديهما قواسم مشتركة أكثر مما كانا مهتمين بالاعتراف به. فقبل كل شيء، كانا يتشاركان في الشعور بالغضب بسبب المحنة التي يمر بها النادي، بالإضافة إلى قناعتهما بأنهما وحدهما قادران على الخروج من هذه المحنة. لكن اتضح بعد ذلك أنه لا يمكن لتشاكا ولا للجمهور تصحيح مسار آرسنال وحدهما. وعندما وصل المدير الفني الإسباني ميكيل أرتيتا في أواخر عام 2019 كان تشاكا قد أعد حقائبه بالفعل من أجل الرحيل، بعد أن تم تجريده من شارة القيادة، وكان قريبا للغاية من الانتقال إلى هيرتا برلين الذي كان مهتما بالتعاقد معه. لكن أرتيتا كان يملك خطة من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من تشاكا، وكان يسعى لمنحه دورا أكثر تحديداً في نظام أكثر تنظيماً: نظام يعرف فيه الجميع وظائفهم وتكون فيه المعايير المطلوبة غير قابلة للتفاوض.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن الأمور سارت بسلاسة تامة، حيث حصل اللاعب على بطاقات حمراء لا داعي لها ضد ليفربول ومانشستر سيتي الموسم الماضي، وضد بيرنلي في الموسم السابق. ومرة أخرى، كان تشاكا قريبا للغاية من الرحيل عن النادي في صيف عام 2021، ولو أنه فعل ذلك فمن المؤكد أنه لم يكن ليشعر بالحزن الشديد. وفي الأشهر الأخيرة فقط بدأ تشاكا في تغيير آرائه، في تطور لا يرتبط بالمستوى الذي يقدمه هو شخصيا - والذي كان جيداً جداً لبضع سنوات حتى الآن – بقدر ما يرتبط بالمستوى الذي يقدمه فريق آرسنال ككل.
وكما كانت الحال مع كره الجماهير لتشاكا، فإن حبها له ينبع من مكان مختلف تماماً عن حبها للاعبين من أمثال بوكايو ساكا أو ويليام صاليبا. وفي حين أن تشاكا كان يُذكر آرسنال ذات مرة بالأوقات السيئة التي يعاني منها النادي، فهو الآن يذكرهم بأي مدى وصل إليه النادي منذ تلك الأوقات العصيبة. وبطريقة ما، أصبح تشاكا بمثابة رمز حي لرحلة النادي، ومن الروابط الأخيرة المتبقية بين عصر المعاناة السابق وعصر الأمل والتطور الحالي.
ربما يكون لاعب ليفربول جوردان هندرسون هو أقرب شبه لحالة تشاكا مع آرسنال. فعلى مدار سنوات طويلة، ولأسباب كثيرة، كان جمهور ليفربول يجد صعوبة في تقبل هندرسون، الذي كان يبدو على مستوى ما أنه يعكس العيوب والمشاكل التي كان النادي يعاني منها في السابق. لقد تعاقد معه ليفربول بمقابل مادي كبير، وكثيرا ما كان يوصف بأنه لاعب ضعيف أو عادي أو لا يقدم مستويات ثابتة. وتطلب الأمر تغيير عدد من المديرين الفنيين حتى تمكن هندرسون من تقديم مستويات جيدة والتعبير عن نفسه كما ينبغي. وكما حدث مع تشاكا، تحسن مستوى هندرسون كثيرا، ليس على المستوى الفردي، وإنما على المستوى الجماعي باعتباره عنصرا ضمن عناصر الفريق في نظام معقد وعملي، وأصبح صوتا لا غنى عنه في غرفة خلع الملابس.
إن أسهل كلمة يمكن أن تقولها في كرة القدم هي الوداع، فمن السهل أن تسمع كلمات مثل البيع والإقالة وإلغاء المتابعة والحظر، نظرا لأن هذه الصناعة بأكملها موجهة نحو الصراعات والانشقاقات، والتخلص من الأشياء القديمة والتجديد المستمر. ومن المفارقات، أنه من المحتمل ألا يكون هناك الكثير من الفصول الأخرى في قصة تشاكا، نظرا لأنه أكمل للتو عامه الثلاثين، وفي غضون موسمين يمكننا رؤيته وهو يرحل من أجل إعطاء الفرصة للاعب أصغر سنا مثل فابيو فييرا، أو ربما من أجل التعاقد مع لاعب جديد. لكنه يمثل الآن قوة الفرص الثانية: فكرة أن ما تم كسره يمكن إصلاحه دائما.