الاقتصاد الروسي يمتصّ الصدمة ويتكيف مع العقوبات

مارة يسيرون أمام ملصق لجندي روسي يحمل شعار «المجد لأبطال روسيا» في محطة للحافلات وسط موسكو (أ.ف.ب)
مارة يسيرون أمام ملصق لجندي روسي يحمل شعار «المجد لأبطال روسيا» في محطة للحافلات وسط موسكو (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد الروسي يمتصّ الصدمة ويتكيف مع العقوبات

مارة يسيرون أمام ملصق لجندي روسي يحمل شعار «المجد لأبطال روسيا» في محطة للحافلات وسط موسكو (أ.ف.ب)
مارة يسيرون أمام ملصق لجندي روسي يحمل شعار «المجد لأبطال روسيا» في محطة للحافلات وسط موسكو (أ.ف.ب)

من تراجع البطالة إلى انخفاض التضخم وتقديرات للانكماش أقل من المتوقع، يُظهر الاقتصاد الروسي صموداً رغم العقوبات بفضل موارد الطاقة، لكن التحديات التي يتعين مواجهتها على الأمد الطويل تبقى كثيرة.
وتقول موسكو إن التضخم آخذ في التراجع فيما باتت كل الوظائف مشغولة، الأمر الذي يتعارض مع توقعات العديد من الخبراء الماليين بحدوث كارثة.
وقدم صندوق النقد الدولي الثلاثاء بعض الدعم لوجهة نظر روسيا، مشيراً إلى أن الركود سيكون أقل حدة مما كان متوقعاً بسبب صادرات النفط والطلب المحلي المستقر نسبياً.
وتوقع صندوق النقد أن ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.4 في المائة فقط على مدار العام بأكمله، وهو رقم بعيد كل البعد عن التوقعات الدولية الكارثية في مارس (آذار)، عقب التدخل العسكري في أوكرانيا.
كذلك، أشارت المؤسسة الدولية في تقرير لها إلى «صمود صادرات النفط الخام والطلب المحلي مع دعم متزايد للسياسات المالية والنقدية واستعادة الثقة بالنظام المالي».
وكان الرئيس فلاديمير بوتين أكد في سبتمبر (أيلول) أمام صناع القرار الاقتصادي الروسي «تطبيع الوضع»، معتبراً أن «ذروة» الصعوبات أصبحت من «الماضي».
وبحسبه، ينعكس ذلك خصوصاً من خلال «معدل بطالة عند أدنى مستوياته»، أي عند 3.8 في المائة، و«انخفاض التضخم» إلى 13.7 في المائة خلال عام واحد، بعد تحطيم الأرقام القياسية في الربيع عقب أول دفعة من العقوبات الدولية.
وتقول إلينا ريباكوفا نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي (IIF) رداً على سؤال وكالة الصحافة الفرنسية: «يمكننا القول إن تأثير العقوبات الأولى قد مر، ولا سيما الآثار على القطاع المالي». وتضيف «نجحت روسيا في الاستعداد والتأقلم مع العقوبات».
أدى التباعد الدبلوماسي والاقتصادي مع الغرب إلى تسريع التقارب مع الصين، جارة روسيا التي تستهلك الكثير من الطاقة والتي تشترك معها بحدود تزيد على 4 آلاف كيلومتر.
وتقول نتاليا زوباريفيتش الخبيرة الاقتصادية في جامعة موسكو الحكومية لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه في مواجهة سوق أوروبية بعيدة المنال عملياً، «تضطر الشركات إلى إيجاد بدائل في أسواق أخرى، ولا سيما في آسيا وتركيا».
وأعلنت موسكو وبكين عن رغبتهما في وضع عقود الغاز بينهما بالروبل واليوان، الأمر الذي يعد انتصاراً لروسيا عبر «إزالة الدولار» من اقتصادها.
فضلاً عن ذلك، أشادت موسكو بإعلان تحالف «أوبك+» الأسبوع الماضي عن رغبته في خفض إنتاجه النفطي بشكل حاد، الأمر الذي أثار استياء واشنطن، في الوقت الذي قد تستفيد فيه موسكو من ارتفاع أسعار الذهب الأسود.
ويأتي كل ذلك فيما ساهمت الصعوبات التي واجهها الأوروبيون ومجموعة الدول السبع لتحديد سعر النفط الروسي، في تذليل العقبات التي قد يواجهها الاقتصاد الروسي.
لكن من الناحية الهيكلية، سيجد الاقتصاد الروسي نفسه أكثر اعتماداً على مكاسب الطاقة المفاجئة، في حين أن القطاعات ذات القيمة المضافة العالية ستواجه المزيد من التراجع.
ومن المرجح أن تؤدي العزلة المتزايدة إلى إثقال كاهل الذين يعتمدون على الدول الأجنبية من الناحية التكنولوجية، لا سيما أن الوعود بالمنتجات الروسية البديلة لا تزال محصورة بالمستوى النظري.
ويأتي ذلك فيما تواجه روسيا نقصاً في الأجزاء اللازمة للتجميع أصاب إنتاج السيارات. ففي منتصف سبتمبر مثلاً، أغلقت شركة تويوتا اليابانية مصنع التجميع الخاص بها في سانت بطرسبرغ (شمال غرب)، بسبب نقص المكونات الإلكترونية.
وتقدر إلينا ريباكوفا أن «حوالي 50 في المائة من الشركات المتضررة من العقوبات لا تزال تجد صعوبة في العثور على موردين بديلين». ونتيجة لذلك، قررت روسيا تخفيف معايير السلامة والمعايير البيئية للمركبات المنتجة في البلاد.
لكن في وثيقة عمل صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة الروسية تسرب مضمونها إلى الصحافة الروسية، أعرب المسؤولون أخيراً عن انزعاجهم من التأخير «10 إلى 15 عاماً» في صناعة التكنولوجيا الروسية، ومن «الاعتماد» على الإنتاج الأجنبي والنقص في العمالة.
يبقى هناك مصدر قلق آخر يتمثل في الحظر الأوروبي على النفط الروسي المقرر في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، والذي يسبق الحظر المقرر على المنتجات المكررة في فبراير (شباط) 2023، في الوقت الذي يعتمد فيه الاقتصاد الروسي بشكل خاص على الوقود.
وتجدر الإشارة إلى أنه بين يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب) 2022 كان أكثر من 40 في المائة من الإيرادات الفيدرالية يأتي من بيع الغاز والنفط، وفقاً لوزارة المال الروسية.


مقالات ذات صلة

هجوم روسي بطائرة مسيرة يستهدف منشأة للطاقة في شمال أوكرانيا

أوروبا مبان سكنية متضررة في بلدة توريتسك بالقرب من خط المواجهة في دونيتسك (رويترز)

هجوم روسي بطائرة مسيرة يستهدف منشأة للطاقة في شمال أوكرانيا

قُتل 5 أشخاص على الأقل في هجوم روسي استهدف مدينة سيليدوف بشرق أوكرانيا باستخدام قنبلتين موجهتين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا منظر يظهر المباني السكنية المتضررة في بلدة توريتسك الأوكرانية (رويترز)

7 قتلى بضربات روسية في شرق أوكرانيا

قُتل سبعة أشخاص على الأقل وأصيب أكثر من 20 الجمعة في قصف روسي استهدف منطقة دونيتسك الواقعة في شرق أوكرانيا، وفق ما أعلن مسؤولون.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في الكرملين (أ.ب)

بوتين لرئيس وزراء المجر: مستعد لمناقشة «الفروق الدقيقة» حول الأزمة الأوكرانية

التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، في الكرملين لمناقشة آفاق تطور أكبر أزمة أوروبية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود استطلاع أوكرانيون يطلقون طائرة مسيرة عند خط المواجهة في منطقة دونيتسك (ا.ب)

أوكرانيا تتبنّى هجوماً بمسيّرة مفخخة على مصنع عسكري في روسيا

تبنّت كييف هجوماً بطائرة مسيّرة استهدف مصنعاً للبارود والذخيرة في منطقة تامبوف الواقعة غربي روسيا على بُعد نحو 350 كيلومتراً من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود في الجيش الروسي (أ.ب)

مقتل 2 وإصابة 26 في هجمات روسية على أوكرانيا

ذكرت سلطات محلية أن هجمات روسية تسببت في مقتل شخصين وإصابة 26 اليوم الخميس في مناطق أوكرانية تمتد من الجنوب إلى الشرق والشمال الشرقي.

«الشرق الأوسط» (كييف )

كوريا الجنوبية: ارتفاع الصادرات الغذائية إلى 6.2 مليار دولار في 6 أشهر بسبب المعكرونة سريعة التحضير

عامل في أحد المحال التجارية بكوريا الجنوبية يضع أكياس المعكرونة سريعة التحضير على الأرفف (وكالة يونهاب الكورية الجنوبية)
عامل في أحد المحال التجارية بكوريا الجنوبية يضع أكياس المعكرونة سريعة التحضير على الأرفف (وكالة يونهاب الكورية الجنوبية)
TT

كوريا الجنوبية: ارتفاع الصادرات الغذائية إلى 6.2 مليار دولار في 6 أشهر بسبب المعكرونة سريعة التحضير

عامل في أحد المحال التجارية بكوريا الجنوبية يضع أكياس المعكرونة سريعة التحضير على الأرفف (وكالة يونهاب الكورية الجنوبية)
عامل في أحد المحال التجارية بكوريا الجنوبية يضع أكياس المعكرونة سريعة التحضير على الأرفف (وكالة يونهاب الكورية الجنوبية)

أظهرت بيانات رسمية في كوريا الجنوبية ارتفاع صادرات البلاد من المواد الغذائية وما يتعلق بها من سلع بنسبة 5.2 في المائة على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2024، مدفوعة بشعبية المعكرونة سريعة التحضير ومنتجات الأرز المصنعة.

وبلغت قيمة صادرات قطاع الأغذية المسمى «كي - فود بلس» 6.21 مليار دولار، مقارنة بـ5.9 مليار دولار في العام السابق، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة والأغذية والشؤون الريفية، التي أوردتها وكالة «أنباء يونهاب» الكورية الجنوبية، السبت.

ويشمل هذا القطاع مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية والمواد ذات الصلة، من السلع الطازجة والمصنعة إلى المعدات والحلول الزراعية.

وبحسب المنتج، قفزت صادرات المعكرونة سريعة التحضير بنسبة 32.3 في المائة، لتصل إلى 590.2 مليون دولار، مع ارتفاع صادرات منتجات الأرز المصنعة بنسبة 41.4 في المائة إلى 136.9 مليون دولار، حسبما أظهرت البيانات.

وأرجعت الوزارة النمو في صادرات المعكرونة سريعة التحضير إلى انتشار محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الذي يعرض تحديات تناول المنتجات الحارة، بالإضافة إلى إنتاج المصدرين لمنتجات مخصصة.

وقالت الوزارة إن منتجات الأرز الكورية الجنوبية ازدادت شعبيتها أيضاً، حيث جذبت منتجات «كيمباب» المجمدة، وهي لفائف أرز بالأعشاب البحرية المجففة، اهتماماً كبيراً في السوق الأميركية كخيار غذائي صحي، حسبما ذكرت الوزارة.

وبحسب الوجهة، ارتفعت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 17 في المائة، لتصل إلى 736 مليون دولار، مدفوعة بزيادة الطلب بسبب تحسن إنفاق المستهلكين واستقرار سوق العمل وتراجع التضخم.

كما ارتفعت الصادرات إلى الصين بنسبة 3.1 في المائة إلى 702 مليون دولار، وقد استخدم المصدرون المنصات الإلكترونية والمؤثرين للترويج للمواد الغذائية الكورية الجنوبية.

وعلى النقيض من ذلك، انخفضت الصادرات لليابان بنسبة 7 في المائة خلال الفترة إلى 671.3 مليون دولار، وفقاً للوزارة، بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين اليابانيين.