استدعاء بهجة الطفولة برؤية كويتية في القاهرة

عبر أول معرض فردي للفنانة غادة الكندري بمصر

الفنانة الكويتية غادة الكندري
الفنانة الكويتية غادة الكندري
TT

استدعاء بهجة الطفولة برؤية كويتية في القاهرة

الفنانة الكويتية غادة الكندري
الفنانة الكويتية غادة الكندري

ما الذي يدفع المرء إلى استدعاء طفولته من حين إلى آخر؟ ولماذا تنعكس بقوة في إبداعات كثير من الفنانين كما لو أنه قد كُتب عليهم أن تلازمهم سنواتهم الأولى طوال حياتهم، وأن تتحول إلى عنصر متأصل في إنتاجهم الفني؟ هكذا يجد المشاهد نفسه يطرح العديد من الأسئلة «النوستالجية» عند الوقوف أمام أعمال الفنانة الكويتية غادة الكندري في معرضها الشخصي الأول بالقاهرة، بغاليري «مصر».
«في نهاية اليوم... نظل جميعاً أطفالاً» هذا هو العنوان الذي اختارته الفنانة لمعرضها، وهو أيضاً الإجابة على تلك الأسئلة التي تطرحها لوحاتها على المتلقي! فعند التنقل بينها ندرك لكم تبقى الطفولة داخلنا مهما حاولنا إخفاءها عن أنفسنا وعن الآخرين، لتظهر بقوة في نهاية يومنا حين نختلي بأنفسنا ونتخلى عن كل المظاهر والآراء الكاذبة والشكليات المفتعلة والقواعد «البروتوكولية» لنصبح نحن بكل ذكرياتنا ومشاعرنا وأفكارنا التي شكلتها الطفولة وكبرت معنا من دون أن تفارقنا.

ترسم الكندري أعمالها برؤية فنية ذاتية وأسلوب تشكيلي خاص تروي عبره الحنين إلى شخوص رحلوا ولم تستطع ذاكرتها نسيانهم لكنهم تحولوا إلى محور رئيسي في لوحاتها لتصبح استعادتها للطفولة بمثابة ارتداد إلى عالم جميل صاغت فيه أحلامها وأفكارها برؤى حالمة، جعلتها أكثر انفتاحاً على الحياة وحنيناً لناس وأمكنة حميمية التجذر في الماضي والانفلات من سطوة الواقع، لتثبت أن الفنان لطبيعته الانفعالية الحساسة من أكثر الناس قدرة على استدعاء الماضي، وتوظيفه في أعماله الفنية للتعبير عن الرغبات الساكنة، والأحلام النازفة.
تقول غادة الكندري لـ«الشرق الأوسط»: «عندما أرسم أستعيد طفولتي، تطل بقوة من داخلي غادة الطفلة بضحكتها وأحلامها وعفويتها، فأجدها تسيطر على وجداني وتفكيري، ويتملكني الإحساس ببراءة الطفولة»، ولا تتوقف علاقة فنها بطفولتها وحدها إنما تقترب كذلك من الصغار المحيطين بها، تتابع: «أستلهم بعض أعمالي من رسوم الأطفال، وشخصياتهم وألوانهم المبهجة، على سبيل المثال في إحدى لوحاتي استعنت بخطوط أبناء أخي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و8 الرابعة أعوام»، وتتابع: «في لوحاتي يلتقي المشاهد بأفراد من عائلتي وأصدقائي وأشخاص آخرين التقيت بهم في حياتي، وأستطيع التأكيد على أنه بعد مرور 50 عاماً من عمري لم يتغير الكثير في مشواري، فثمة رابط قوي بين أعمالي وطفولتي، وما زلت أرسم بنفس الألم والعاطفة والشغف وما زلت شديدة الولع بالألوان والبهجة والمرح، كما لو كنت تلك الطفلة التي لم تغادرني».

للفيلسوف الفرنسي (غاستون باشلار) مقولة شهيرة هي: «إن تأملات الإنسان الشاردة، تتجه إلى مرحلة الطفولة، حيث جمال الصور المحبوبة، المحفوظة»، ومن اللافت أن الفنانة في معرضها الجديد المستمر حتى 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قد قادتها تأملاتها إلى مجموعة من الحكايات البصرية التخيلية، حيث انغمست في طفولتها السعيدة عبر قدرات تمازجت فيها التعبيرية الدرامية بالتجريدية، وغلبت عليها بساطة الأسلوب وتكثيف الفطرة الإنسانية.

تتنوع أعمال الكندري بالمعرض والتي تبلغ نحو 80 عملاً ما بين التجريدية والتكعيبية والتفكيك، وتتنقل ما بين لوحات أكريليك كبيرة تسمح لها وللمشاهد بالاقتراب من مشاعرها الخاصة وبين رسومات صغيرة بالقلم والحبر، تبدو كدفتر أحوال للواقع الذي تعيشه، إلى جانب مجموعة من أعمال التجهيز في الفراغ ونماذج من فن «كتاب الفنان» والرسم على الزجاج.
تقول: «منذ بداية مشواري الفني لم يكن يشغلني إلى أي مدرسة فنية يكون انتمائي، فلا أميل إلى تصنيف أعمالي، لكنني كنت وما زلت أرسم فقط وأشعر بالسعادة بلحظات عملي وبنتاجها، وما تسفر عنه هذه اللحظات كذلك من لوحات تنطوي على خطوط وشخوص وألوان».
يستوقف زائر المعرض بعض اللوحات التي تظهر وكأنها تصاميم لأزياء تتمتع ببهجة الألوان والتفاصيل، وهو ما تبرره الفنانة قائلة: «أحب عالم (الفاشون) والموضة وكنت أتمنى دراسة تصميم الأزياء إلا أن والدي فضل التحاقي بكلية الإعلام، فحققت له رغبته، ولا أنكر أن هذا قد أضاف لي كثيراً على المستوى الشخصي، إلا أن حلمي القديم لم ينتهِ ويطل من حين إلى آخر في أعمالي».
وتتابع: «أرسم تصميمات مختلفة ذات أشكال هندسية متعددة مليئة بالألوان الصادحة الزاهية، رغم أنني أرتدي اللون الأسود دوماً، وقد يكون ذلك نوعاً من الخروج من نفسي لأقبع على مسطح اللوحات».
وتتابع: «ولأنني للأسف لا أجيد الحياكة فإنني أحب رسم مساحات واسعة من الأزياء، وأضعها على جسدي قبل أن تأخذ مكانها بين البراويز وتُعلق على الحائط، فأجعلها تلف جسمي، لتحيط بي من كل مكان وألمس كل جزء فيها فأشعر وكأنما ألمس حلمي القديم بدراسة فن الأزياء».
أقامت الكندري العديد من المعارض الفردية في الكويت، وشاركت في معارض جماعية عدة محلياً ودولياً، ومنها معرض «الثقافة العربية في المهجر» ومعرض «الفنانات النساء بالكويت»، في معهد العالم العربي في باريس عام 2006.


مقالات ذات صلة

إطلالة على مظاهر الحكم في زمن المماليك والأسرة العلوية بمصر

يوميات الشرق إطلالة على مظاهر الحكم في زمن المماليك والأسرة العلوية بمصر

إطلالة على مظاهر الحكم في زمن المماليك والأسرة العلوية بمصر

عبر ما يزيد على أربعين قطعة، تتنوع بين التماثيل التوضيحية والنياشين الأثرية والصور والأزياء القديمة لرجال الشرطة في مصر، يرسم معرض «نظرة على الأزياء منذ عصر المماليك حتى عصر أسرة محمد علي باشا» المقام حالياً داخل متحف الشرطة القومي بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالعاصمة المصرية القاهرة صورة بانورامية لما كانت عليه ملابس رجال الأمن في مصر خلال تلك العصور. يشرح المعرض الكثير من مظاهر الحكم في عدة عصور، ويوضح رتب رجال الشرطة وملابسهم بداية من العصر المملوكي، ومروراً بالعثماني وحتى عصر محمد علي باشا، وهذا ما تعبر عنه التماثيل الثلاثة الموجودة على يسار القطع المعروضة، حيث حرص المنظمون على وضع «إشارة توض

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق حضور عربي «لافت» في «مهرجان الإسماعيلية»

حضور عربي «لافت» في «مهرجان الإسماعيلية»

انطلقت الدورة الرابعة والعشرون لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة في مصر، (مساء الثلاثاء) بمشاركة أكثر من 100 فيلم من 50 دولة، من بينها ألمانيا «ضيف الشرف»، التي يعرض لها 8 أفلام، من بينها 4 أفلام في عرضها الأول ضمن المسابقات الرسمية، كما تحظى هذه الدورة (من 14 إلى 20 مارس «آذار» الحالي) بمشاركات عربية «لافتة» عبر أفلام من المملكة العربية السعودية، والسودان، وسوريا، والعراق، والجزائر، والمغرب، ولبنان، وفلسطين إلى جانب مصر، كما تشارك شخصيات عربية في لجان التحكيم، من بينها الناقد السعودي أحمد العياد الذي يشارك في مسابقة النقاد «فيبرسي»، والناقدة الجزائرية نبيلة رزايق التي تشارك في لج

انتصار دردير (الإسماعيلية)
يوميات الشرق معرض للذكاء الصناعي في سان فرانسيسكو تحت شعار «آسف لقتل معظم البشريّة»

معرض للذكاء الصناعي في سان فرانسيسكو تحت شعار «آسف لقتل معظم البشريّة»

تعلن شاشة موصولة بنظام ذكاء صناعي عن جملة «آسف لقتل معظم البشريّة»، متوجهة إلى زائر يدخل «متحف سوء الاصطفاف» أو (Misalignment Museum)، وهو معرض جديد مخصص لهذه التقنية المثيرة للجدل في سان فرانسيسكو، قلب الثورة التكنولوجية. والكمبيوتر مبرمج للتعرف على ثلاث خصائص لأي فرد يدخل في نطاق رؤيته والإفصاح عنها، مباغتاً الزائرين الذين يجدونه مقلقاً وطريفاً في آن، على غرار معظم الأعمال المعروضة. وأوضحت مديرة المعرض أودري كيم وهي تضحك: «مفهوم المتحف هو أننّا في عالم ما بعد نهاية العالم، حيث قضى الذكاء الصناعي على معظم البشر، ثمّ أدرك أن هذا أمر سيئ فاستحدث ما يشبه نصباً تذكاريّاً لهم، ومن هنا شعار المعرض

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق بعض المعروضات في متحف إيمحتب

مصر لتطوير متحف إيمحتب الأثري في سقارة

بهدف «تحسين التجربة السياحية»، تُنفذ مصر، ممثلة في وزارة السياحة والآثار، مشروعات لتطوير ورفع كفاءة متحف إيمحتب الأثري في سقارة. وقال العميد مهندس هشام سمير، مساعد وزير السياحة والآثار المصري لمشروعات الآثار والمتاحف والمشرف العام على قطاع المشروعات في المجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي (السبت)، إنه «يجري حالياً تنفيذ أعمال التنسيق العام لموقع المتحف، بعد الانتهاء من أعمال الدراسات الإنشائية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق من أعمال الفنانة مريم حتحوت بمعرضها الحالي (حتحوت)

لماذا ألهم الحمار تشكيليين مصريين؟

بألوان دافئة وخطوط معاصرة تقدم الفنانة مريم حتحوت رؤية فلسفية واجتماعية للحمار من خلال 30 لوحة في معرضها المقام حالياً بغاليري «ديمي» بالقاهرة، بعنوان «تنويعات على الحمار»، تتضمن جميع اللوحات معالجات بصرية تثير تعاطف المتلقي معه، وتجعله يشعر بالألفة تجاهه. وتُعَدُّ لوحات حتحوت في المعرض حلقة من سلسلة أعمال ومعارض وفعاليات تشكيلية مصرية كثيرة احتفت بهذا الحيوان على مدى سنوات طويلة، لم تقتصر على الفنانين الذين تصدوا لتناول الريف المصري؛ فالحمار لم يكن مجرد عنصر بارز من عناصر البيئة لمن أراد استلهامها في تجربته الإبداعية، إنما امتد تجسيده ليمثل جزءاً أساسياً في بعض الأعمال. وكان الفنان المصري الر

نادية عبد الحليم (القاهرة)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.