مخاوف من تحول عدن لمدينة معزولة مع ارتفاع عدد الوفيات ونقص الإمدادات الإنسانية

10 آلاف إصابة بـ«الضنك» و700 ألف نازح في الأيام الأولى من رمضان

قذيفة «كاتيوشا» أطلقها الحوثيون عشوائيا في عدن أمس («الشرق الأوسط»)
قذيفة «كاتيوشا» أطلقها الحوثيون عشوائيا في عدن أمس («الشرق الأوسط»)
TT

مخاوف من تحول عدن لمدينة معزولة مع ارتفاع عدد الوفيات ونقص الإمدادات الإنسانية

قذيفة «كاتيوشا» أطلقها الحوثيون عشوائيا في عدن أمس («الشرق الأوسط»)
قذيفة «كاتيوشا» أطلقها الحوثيون عشوائيا في عدن أمس («الشرق الأوسط»)

أعلنت جمعيات خيرية ومختصون بالصحة، أن مديريات كريتر، والمعلا، والتواهي وخور مكسر، في عدن جنوب اليمن، أصبحت من المناطق الأكثر خطورة على حياة المدنيين مع ارتفاع حالات الإصابة بحمى الوادي المتصدع إلى أكثر من 8 آلاف حالة، فيما توفي من الوباء نفسه قرابة 586، ليصل معدل الوفاة في هذه المناطق لنحو 11 حالة وفاة يوميا بسبب نقص الإمكانات وتدني الخدمات وانقطاع التيار الكهرباء في المديريات الأربع لأكثر من 30 يوما.
وحذرت الجمعيات الخيرية من أن تصبح عدن خلال الأيام المقبلة مع نقص المؤن الغذائية، والمستلزمات الطبية والعلاجية، وارتفاع عدد النازحين إلى أكثر من 700 ألف مدني، من أصل 1.2 مليون إجمالي تعداد السكان، مدينة معزولة عن العالم، إضافة إلى ارتفاع رقعة الحرب التي ستسهم في ارتفاع عدد المصابين، بخلاف الحالات الإنسانية التي وصلت إلى 7 آلاف حالة تحتاج إلى إخلاء طبي سريع إلى الدول المجاورة.
ميدانيا، قصفت ميليشيات الحوثيين فجر أمس الأربعاء، عدة مديريات بقذائف الكاتيوشا بشكل عشوائي، وأسفر القصف عن مقتل العشرات من سكان أحياء الشمال، في حين نجحت المقاومة من صد هجومين على المناطق الآمنة وحققت انتصارًا مهمًا في المسيمير ودمرت عددا من آليات الحوثيين وتمكنت من أسر أعداد من الميليشيا أثناء محاولتهم الفرار نحو لحج، وتحفظت المقاومة على كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والذخيرة، فيما وقعت اشتباكات مسلحة بين الحوثيين، وجنود للأمن المركزي الموالي للمخلوع علي صالح في كريتر سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى.
في المقابل، شنّ أفراد من الحوثيين مدعومين من الحرس الجمهوري الموالي لعلي صالح، حملات دهم وتفتيش لمنازل الناشطين والمقاومين في المديريات المحتلة، وعمد الحوثيون إلى تدمير كثير من تلك المنازل، وحرق محتويات المتبقي منها، كما أوقفت ميليشيا الحوثيين عددًا من أقارب الناشطين والمقاومين ويجرون تحقيقات معهم، فيما لم يعرف مصيرهم حتى الآن ومواقع وجودهم.
وقال علي الحبشي، رئيس ائتلاف الإغاثة في عدن، لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع الإنساني في العاصمة المؤقتة لليمن، تدهور كليا في جميع جوانب الحياة؛ من الخدمات الأساسية إلى الصحة والغذاء؛ إذ سجلت المدينة ارتفاعا مضطردا في حالات الإصابة بحمى الوادي المتصدع لتصل إلى أكثر من 8 آلاف حالة، وهو رقم مخيف لمدينة تعاني نقصا في المستلزمات الأساسية الطبية، وهذا الخطر ينتشر وبشكل كبير في أهم المديريات وهي: كريتر، والتواهي، والمعلا، وخور مكسر، وهذه المديريات مهددة بأن تصبح منطقة وبائية وأن تنعزل عن العالم في الأيام المقبلة.
ولفت الحبشي إلى أن ارتفاع معدل الوفاة الناتج عن الأمراض الوبائية في جميع دول العالم يشكل هاجسا وخطرا يهدد هذه الدول، «فكيف إن كان الوضع مأساويا كما هي الحال في اليمن الذي يعيش حربًا، وتصل حالات الوفاة من الأمراض الوبائية إلى أكثر من 11 حالة يوميًا في مدينة لا تزيد مساحتها على ألف كيلومتر مربع، ووصل عدد حالات الوفاة، حسب آخر إحصائية، نحو 586 مدنيا فارقوا الحياة».
وأرجع رئيس ائتلاف الإغاثة، هذا التدهور الصحي لعدة أسباب؛ «في مقدمتها تدني الخدمة الصحية وقلة المستلزمات والكوادر الطبية، إضافة إلى أن أربع مديريات من أصل 8 مديريات تعيش أسوأ مرحلة في توفير البيئة النظيفة، مع ارتفاع منسوب المياه غير الصالحة، وانقطاع التيار الكهرباء لفترة طويلة عن تلك المديريات، والنقص الشديد في المواد الغذائية؛ إذ تحتاج المدينة إلى مئات الآلاف من السلال الغذائية لتغطية كل الأسر النازحة التي لا يمكن أن نغطيهم مع ارتفاع عدد النازحين إلى أكثر من 700 ألف مدني أصبحوا خارج ديارهم، الأمر الذي يحتاج لعمل آخر لتوفير المسكن المناسب والطعام».
وأكد الحبشي أن «الائتلاف، وبالتنسيق مع كل الجهات الحكومية وغير الرسمية، يعمل على إعادة الحياة في المديريات المنكوبة والتي تحتاج إلى عمل فوري من خلال إعادة التيار الكهرباء في المقام الأول الذي سيساعدنا في تهيئة البيئة وتجفيف المياه الراكدة التي بسببها انتشرت الأوبئة، إضافة إلى التواصل مع المنظمات الدولية في توفير المواد الأساسية من الأغذية والمساعدات الطبية، وقد استجابت الأمم المتحدة بسرعة بإرسال سفينة تصل (اليوم) الخميس إلى ميناء عدن محملة بنحو 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية».
ويبدو أن الوضع الصحي في المدينة متدهور، الذي معه دعت المنظمات الخيرية إلى ضرورة إرسال سفينة إجلاء طبية لتقديم المساعدات؛ إذ يحتاج أكثر من 7 آلاف مصاب للإخلاء الطبي وتلقي العلاج في مستشفيات أكثر تجهيزا من تلك التي بالداخل، والموجودة في الدول القريبة من اليمن، إضافة إلى نقص الكادر الطبي الذي تعاني منه المدينة بعد أن تعرضت كواد طبية لتهديدات بالقتل من قبل الحوثيين في مواقع مختلفة من المدينة.
من جهته، قال أبو محمد العدني، عضو المقاومة الشعبية والمتحدث باسم الجبهات، إن «جماعة الحوثيين قاموا بقصف عشوائي فجر الأربعاء على عدد من المواقع، وكان مصدره الطريق الواصل بين عدن ولحج وبالقرب من المدينة الخضراء، بعد أن قامت قوات التحالف وبشكل متواصل يومي الثلاثاء والأربعاء بقصف ميليشيا الحوثيين وحليفهم علي صالح في منطقة لبوزة، التي شهدت مواجهات أخرى على الأرض في منطقة النخيلة بين الحوثيين والعميد ثابت جواس رئيس الأمن المركزي بمحافظة عدن الموالي للشرعية».
وأردف العدني أن «الخسائر المتتالية في صوف الحوثيين دفعتهم وبشكل دائم إلى اقتحام مساكن المقاومة في المديريات التي يسيطرون عليها، وقاموا بأعمال غير أخلاقية بحرق عدد من تلك المنازل وأسر أقارب المقاومين»، موضحا أن «المقاومة تعمل على فك أسر المدنيين»، داعيا المقاومة في عدن «لسرعة إعلان قيادة موحدة لكل الجبهات، بالإضافة إلى صدق الوعود بإرسال جنود من أبناء الجنوب عبر البحر وتعزيز الجبهات لمواجهة الحوثيين وحليفهم علي صالح».
وحول ما يتناقل عن وجود قيادات من خارج عدن في القوة المزمع إرسالها لمساندة المقاومة، أكد العدني أن «هذه الشائعات تطلقها جماعة الحوثيين لنشر البلبلة بين صفوف المقاومة، كي توجد صراعات داخلية وخلافات حول هذه القيادات»، مشددا على أن «القيادات القادمة هم من أبناء الجنوب ولديهم القدرة العسكرية في تقديم الدعم اللازم»، داعيا إلى أن «يرتفع أداء الحكومة الشرعية في تقديم الدعم الذي يتوافق مع حجم المعاناة العسكرية للمقاومة في الجبهات».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.