الأكراد وحلفائهم ينتزعون مدينة استراتيجية من «داعش»

ناشط في الرقة: مقاتلو التنظيم انسحبوا في الليل بعد تحضرهم للمواجهة

أطفال سوريون يلهون على دبابة مدمرة جنوب كوباني/ عين العرب (إ.ب.أ)
أطفال سوريون يلهون على دبابة مدمرة جنوب كوباني/ عين العرب (إ.ب.أ)
TT

الأكراد وحلفائهم ينتزعون مدينة استراتيجية من «داعش»

أطفال سوريون يلهون على دبابة مدمرة جنوب كوباني/ عين العرب (إ.ب.أ)
أطفال سوريون يلهون على دبابة مدمرة جنوب كوباني/ عين العرب (إ.ب.أ)

تضاعف شعور تنظيم داعش بالخطر الوجودي في معقله في مدينة الرقة أمس، بعد سيطرة القوات الكردية وحلفائها من قوات الجيش السوري الحر غرفة عمليات (بركان الفرات) على مدينة عين عيسى واللواء 93. بالريف الشمالي للرقة، فدعا التنظيم الأكراد الذين يقطنون مدينة الرقة إلى اجتماع أمس، فيما أطلق حملة اعتقالات بحق الشبان العرب الذين كانوا يقاتلون في السابق في صفوف «الجيش السوري الحر».
وقال أحد مؤسسي تجمّع «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن تصعيد «داعش» تجاه المقاتلين السابقين في الجيش السوري الحر في مواقع سيطرته: «ناتج عن كون قوات لواء ثوار الرقة التابعة للجيش السوري الحر، تصدرت القوة المهاجمة إلى عين عيسى، إلى جانب قوات كردية، بينما كان المقاتلون الأكراد في الخط الخلفي، يساندون القوات المهاجمة بالقصف التمهيدي والإسناد الناري». وأشار إلى أن دفع قوات «الحر» إلى مقدم الهجوم: «جاء بناء على تنسيق بين القوات المشاركة في الحرب ضد داعش، نظرًا إلى أن أغلبية سكان عين عيسى غير كردية، وذلك منعًا لأي حساسية عرقية في المدينة».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن وحدات حماية الشعب الكردي، مدعومة بفصائل مقاتلة وبطائرات التحالف الدولي، سيطرت بشكل كامل على مدينة عين عيسى بالريف الشمالي للرقة، ومناطق أخرى محاذية لها بعد اشتباكات مع «داعش». وإذ لفت إلى انسحاب «قوات داعش» من المنطقة، بعد زرع عدد كبير من الألغام والعبوات في المدينة، أشار إلى أن الوحدات الكردية «تهدف بشكل أساسي للسيطرة على طريق حلب – الحسكة». وأوضح المرصد أنه بسقوط المدينة، فإن خطوط الدفاع الأولى لتنظيم داعش ستكون على مشارف مدينة الرقة.
وجاءت تلك السيطرة بعد ساعات قليلة على سيطرة القوات الكردية وحلفائها على اللواء 93، على بعد 56 كيلومترا شمال الرقة، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية كانت تحت سيطرة قوات النظام السوري، قبل أن يتمكن تنظيم داعش من السيطرة عليها صيف عام 2014. ويقع اللواء 93 ومدينة عين عيسى على طريق رئيسي بالنسبة إلى الأكراد و«داعش» في آن معا، إذ يربط مناطق سيطرة الأكراد في محافظتي حلب (شمال) والحسكة (شمال شرق) بمناطق سيطرتهم في محافظة الرقة. كما يربط الطريق معقل المتشددين في الرقة بمناطق سيطرتهم في محافظتي حلب والحسكة.
وقال أبو محمد الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»، بأن معركة عين عيسى لم تشبه معارك تل أبيض التي كانت فيها القوات الكردية في صدارة المهاجمين، مؤكدًا أنه في معركة عين عيسى «كان العدد الأكبر من المقاتلين في القوة الهجومية، تابعين للواء ثوار الرقة التابع بدوره للجيش الحر، ولم يتقدم في السابق للمشاركة في معارك تل أبيض لأنه كان مرابضًا في أطراف مدينة عين عيسى».
وإذ أشار إلى أن مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي تولوا الإسناد الناري، قال: إن إيكال مهمة الهجوم إلى «الحر» ناتج عن معرفتهم بالمنطقة والعرب الموجودين فيها إضافة إلى البدو، لافتًا أيضًا إلى «حذر من قبل الأكراد بالتعامل مع المنطقة، نظرًا إلى أن عين عيسى، كانت تسكنها غالبية عربية، كما في منطقة سلوك التي تحاذيها».
لكن قياديا في قوات حماية الشعب الكردي، نفى الإقرار بتقسيم مشابه. وقال حقي كوباني لـ«الشرق الأوسط» إن المقاتلين العرب والأكراد يقاتلون معا تحت مظلة «غرفة عمليات بركان الفرات»، ولا يفرقون بين عربي وكردي، وكلهم يقاتلون صفًا واحدًا في جميع المعارك، مؤكدًا أن المعركة شاركت فيها «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» و«لواء ثوار الرقة». وقال: إن الادعاءات حول التفرقة العنصرية أو القومية أو العرقية «هي باطلة ونرفضها، لأننا كلنا سوريون ونشارك في معركة دحر الإرهاب عن المناطق السورية».
وقال الرقاوي: «انسحاب داعش كان مريبًا.. ورغم أن طائرات التحالف لم تنفذ غارات بالكمية التي نفذتها في معركة السيطرة على تل أبيض، فإن مقاتلي التنظيم نفذوا انسحابات في الليل، بعدما كانوا يتحضرون للمواجهة».
وقال حقي كوباني لـ«الشرق الأوسط» بأن المقاتلين الأكراد وحلفاءهم «يخططون لاستعادة مدينة الرقة»، وقال: «أكبر المعاقل كان تل أبيض، واستطعنا أن ننهي داعش منه، وبالتالي إقفال أكبر خطوط الإمداد له من الأراضي التركية»، مشيرًا إلى أن «الارتباك الذي يعانيه داعش سنستفيد منه لاستعادة السيطرة على مدينة الرقة، وسنحقق فوزنا وفوز كافة أبناء الشعب السوري».
ويعد التقدم نحو الرقة هو هدف المعارك، كون المدينة تعد معقل التنظيم وعاصمته في سوريا. واستبق «داعش» معركة المدينة، بدعوة الأكراد فيها إلى اجتماع عقد مساء أمس الثلاثاء، كما قال الرقاوي، بموازاة إطلاق حملة اعتقالات ضد المقاتلين السابقين في الجيش السوري الحر منذ الخميس الماضي، وبدأت من حي الرميلة في المدينة، قبل أن تنتشر الحواجز في سائر شوارعها. وقال الرقاوي بأن «داعش»: «بدأ يشعر بقلق وجوديّ، ويحاول أن يقوم بأي خطوة لحماية نفسه والحفاظ على وجوده، وتأليب الناس ضد الأكراد، مثل تخويف السكان من الأكراد، بقوله إن الأكراد سيذبحون الناس، بينما هو يحميهم».
ويعد التقدم إلى عين عيسى، الثاني من نوعه في غضون أسبوع في محافظة الرقة بعد سيطرة المقاتلين الأكراد وحلفائهم على مدينة تل أبيض الاستراتيجية على الحدود مع تركيا، وحرمانهم المتشددين من طريق إمداد حيوية كانوا يستخدمونها لنقل المقاتلين والسلع والسلاح.
وأشار المتحدث باسم الوحدات الكردية إلى تنسيق «ممتاز» بين المقاتلين الأكراد والتحالف الدولي في مواجهة المتشددين، لكنه كرر الإشارة إلى مطالبة الأكراد بالحصول على أسلحة أفضل تمكنهم من طرد التنظيم. وامتنع خليل عن الكشف عن موقع المواجهة المقبلة، لكنه استبعد شن هجوم على مدينة الرقة في المدى القصير. وأضاف أن معركة الرقة «أبعد بكثير فهي محصنة جيدًا ونحتاج إلى قوات ضخمة وأسلحة».
وكان التنظيم يسيطر على كامل محافظة الرقة منذ نحو سنة، لكنه خسر في الأشهر الأخيرة أكثر من خمسين قرية وبلدة في الريف الشمالي لصالح الأكراد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم