اليمنيون يستدعون التعابير الساخرة للتهكم من احتفالات الحوثيين

وسط استمرار توقف الرواتب وتدهور الخدمات وتصاعد الجبايات

عنصر حوثي يقوم بجمع الأموال التي أجبر السكان على دفعها لتمويل احتفالات الميليشيات (تويتر)
عنصر حوثي يقوم بجمع الأموال التي أجبر السكان على دفعها لتمويل احتفالات الميليشيات (تويتر)
TT

اليمنيون يستدعون التعابير الساخرة للتهكم من احتفالات الحوثيين

عنصر حوثي يقوم بجمع الأموال التي أجبر السكان على دفعها لتمويل احتفالات الميليشيات (تويتر)
عنصر حوثي يقوم بجمع الأموال التي أجبر السكان على دفعها لتمويل احتفالات الميليشيات (تويتر)

«من شدة الإعجاز، حتى الماء أخضر لونه في صنعاء»، يقول أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ساخرا من صورة نشرها لنافورة مياه يتدفق منها سائل أخضر، في وقت صبغت فيه الميليشيات الحوثية أغلب المظاهر في صنعاء باللون الأخضر استعداداً للاحتفال بالمولد النبوي، الذي حولته إلى مناسبة طائفية وموسماً للجبايات، ويواجه اليمنيون ذلك بالتهكم والسخرية.
تعلق طالبة في كلية الإعلام في جامعة صنعاء التي توجد النافورة فيها: «قضيت اليوم ساعة كاملة أدور حول المعجزة، ولم أستطع من الخجل أن ألتقط لنفسي صورة جوارها، فرد عليها أحد زملائها: فوّتِ على نفسك البركة».
ويكاد الاحتفال بالمولد النبوي لدى ميليشيا الحوثي يتزامن هذا العام مع الذكرى الثامنة لانقلابهم على السلطة الشرعية والتوافق الوطني في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014، وهما مناسبتان تستغلهما الميليشيات لفرض مظاهر احتفالية قسرية على مناطق سيطرتها، وإجبار المواطنين على المساهمة فيها بمختلف الأشكال، بما في ذلك دفع الإتاوات من مداخيلهم أو مدخراتهم.
يصرخ أحد الموظفين الحكوميين: «خدعونا واحتفلوا بأعيادهم وحرمونا من نصف الراتب الذي نتقاضاه كل ستة أشهر، هذه المرة لم نتقاضَ هذا (النصف راتب)؛ صادروه لصالح مظاهر الزينة الاحتفالية، واكتفوا بتوزيع حلوى رديئة علينا من الهليكوبتر»، في إشارة إلى المروحيات التي حلقت فوق العاصمة صنعاء الأربعاء وألقت بعض الحلويات بمناسبة ذكرى الانقلاب.
ونشر موظف حكومي صورة لكيس من الحلوى أسقطته المروحية بجواره معلقاً على ذلك بسخرية: «هذه الحلوى تم نهبها من تاجر مسكين ليلقيها علينا الحوثيون من السماء كأنهم يستعرضون علينا كرمهم، فليردوا للناس ما نهبوه منهم، لا نريد حلوى منهوبة، نريد رواتبنا، نريد وقود السيارات، نريد حقوقنا التي ينهبونها يوميا».
لكن ربة منزل منعت أطفالها من تناول الحلوى التي أسقطتها المروحية، متخوفة من أن يكون فيها ما يضر بصحتهم، فهي لا تثق بالحوثيين، ولا تظن أنهم يقدمون هدايا مجانية، فلربما تكون الحلوى منتهية الصلاحية، أو مصنوعة من مواد سامة، إضافة إلى أنها ليست حلالا، لأن الميليشيات أجبرت التجار على التبرع بها بالقوة.
يستنكر أحد الشباب العاملين في تجارة الإلكترونيات من إجراءات الجباية لصالح هذه الاحتفالات، الأمر الذي كلفه مدخوله لأكثر من أسبوع: «الأسبوع الفائت جاء أفراد حوثيون لأخذ مساهمة مالية مني للاحتفال بذكرى 21 سبتمبر، ومطلع هذا الأسبوع جاء آخرون لأخذ مساهمة للاحتفال بالمولد النبوي وطلبوا مني تعليق زينة خضراء على باب المحل».
ويضيف متحسراً: «نصحتني زوجتي بإغلاق المحل خلال هذه الفترة، لأن المبيعات تراجعت كثيراً بسبب تجويع الميليشيات للمواطنين، لكني لم أستجب لها ولو كنتُ فعلتُ كان أفضل، فقد دفعت للحوثيين أكثر مما حققت من مبيعات، وأخشى أن يعودوا للتأكد من أني اشتريت الزينة التي طلبوا مني تعليقها على باب المحل».
ويسخر الأهالي من الأزمات المتلاحقة في المواد الأساسية والوقود التي تفتعلها الميليشيات بين الحين والآخر، وذلك بعد ثماني سنين من انقلابها بزعم مكافحة الفساد، وإجبار الحكومة على تخفيض أسعار الوقود والمواد الأساسية.
ونبه باحث اقتصادي مقيم في العاصمة صنعاء، أن الميليشيات لجأت هذا العام إلى أساليب جديدة لتحقيق إيرادات إضافية للجبايات والإتاوات، ومن ذلك إلزام المحلات التجارية وحتى المواطنين وملاك السيارات بشراء الزينة الخضراء بمبالغ كبيرة، بعد أن كلفت تجاراً تابعين لها باستيراد وتصنيع هذه الزينة.
وبحسب الباحث الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» مفضلا عدم ذكر اسمه حفاظا على سلامته؛ فإن الميليشيات تتعمد قبل كل مناسبة احتفالية أو موسم جباية لتمويل معاركها وحشودها، افتعال الأزمات في الوقود أو المواد الأساسية والغذائية، من أجل تحصيل أكبر قدر من الإيرادات، ومنذ أسبوعين افتعلت أزمة الوقود، ورفعت أسعاره، وباعته في السوق السوداء.
ونوه إلى أن التجار يدفعون الإتاوات للميليشيات بطرق مختلفة؛ فهم يستوردون بضائعهم من الخارج أو يستقدمونها عبر المناطق المحررة، وبعد أن استحدثت الميليشيات جمارك على مداخل المناطق التي تسيطر عليها؛ أصبحت البضائع تصل هذه المناطق مجمركة مرتين؛ الأولى في الموانئ المحررة، والثانية لدى جمرك الميليشيات غير القانوني.
وتنفذ الميليشيات منذ ما يقارب الشهر عروضاً «عسكرية» لميليشياتها بمناسبة ذكرى انقلابها على السلطة الشرعية والتوافق الوطني، إلا أن مراقبين وسياسيين يرون في هذه الاحتفالات والعروض استفزازاً للسلطة الشرعية والمجتمع الدولي الذي يرعى الهدنة الإنسانية السارية منذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وأنها تعد خرقا واضحا للهدنة.
ويرى الناشط الاجتماعي عبد العزيز حيدر أن الحوثيين يخوضون من خلال هذه الاحتفالات والعروض العسكرية حربا موازية لحربهم العسكرية ضد المجتمع اليمني، وهي حرب نفسية كما يقول؛ لتكريس وجودهم وهيمنتهم وفرض حضورهم ذهنيا؛ بما يزرع اليأس في نفوس اليمنيين من إمكانية إنهاء الانقلاب وتبعاته.
ويحذر حيدر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من أن الميليشيات لا تتساهل أو تتسامح مع السخرية من مظاهر احتفالاتها وخطابها، فخلال الأيام الماضية اعتدت على أطفال حاولوا طمس شعاراتها في حي صنعاء القديمة، وهددت رجلا طلب من أفرادها عدم صبغ باب منزل بالطلاء الأخضر وأجبرته على طلائه بيده.
ووصف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يوم 21 سبتمبر 2014 الذي اجتاحت فيه ‎ميليشيات الحوثي العاصمة ‎صنعاء بأكبر انتكاسة في تاريخ ‎اليمن، مثمناً دور التحالف العربي بقيادة ‎السعودية  في الحيلولة دون تحويل اليمن إلى ولاية إيرانية، وإحلال الثقافة الإيرانية الفارسية محل الهوية الوطنية والثقافة العربية الأصيلة.
وكتب الوزير الإرياني سلسلة تغريدات على «تويتر» حول ما أنتجه الانقلاب الحوثي من حرب وأزمات ومآسٍ وتشظٍ وانقسام، وزرع الفوضى في كل مناطق سيطرته، وممارسته أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان كماً ونوعاً، واستهدافه تدمير حياة الأطفال وتجنيد عشرات الآلاف منهم، وزرع ملايين الألغام، ومحاولة إذلال المجتمع اليمني.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.