روجيه فيدرر... حلمٌ لا يتقاعد

عن الأسطورة السويسري الذي قال يوماً «سأكون الأفضل»

روجيه فيدرر (أ.ف.ب)
روجيه فيدرر (أ.ف.ب)
TT

روجيه فيدرر... حلمٌ لا يتقاعد

روجيه فيدرر (أ.ف.ب)
روجيه فيدرر (أ.ف.ب)

دمعُ روجيه فيدرر وهو يغادر الملاعب، أضاف لآلئ إلى قماشته. في لحظات التأثّر القصوى، وعادتها أنها وليدة المنعطفات، يصعب على المرء ضبط نفسه، فينساب كلُّه إلى الشعور العميق بألم طي الصفحة. امتلأت مدرجات ملعب «O2 أرينا» في لندن بمن تحوّلوا شهوداً على التحاق حقبة بالتاريخ. نحو 17 ألفاً بادلوا الأسطورة السويسري غصّة النهايات. وهو إذ أرادها مُطعّمة بالحلاوة، لكون «الحياة تستمر وأنا سعيد، صحتي جيدة»، أخرجَ من الحشد الهاتف باسمه إحساساً بأسى وداع العظماء.
لا تعني الـ24 سنة التي أمضاها في الملعب ولا الـ20 لقباً في البطولات الأربع الكبرى، أنّ فيدرر تجهّز تماماً ليلوّح بالتحية الأخيرة. تذرّع بأنّ الميكروفون هو السبب، فله هيبته ولا يقوى عبره على التحدّث متأثراً. مع ذلك، لملم كلمات صادقة تليق بمراسم وداع جرَّ نفسه ليكون عاطفياً. لم تكن النهاية إعلاناً لهزيمة لحقت به وغريمه الأقرب إلى قلبه، الإسباني رفائيل نادال، بل احتفاء بفرش بساط في عرش اللعبة والتربّع عليه كقسط من راحة.

لم يُردها نهاية بالمعنى الدراماتيكي للفراق، ففيدرر يؤمن بلحظات الزمن. تُمهّد النقاط في خواتيم الجُمل لفسحة بيضاء ملحوقة بأفكار جديدة. أحياناً، تلفّ الوجهة ضبابية، فلا يدري المرء أين يذهب. الأكيد لأيقونة التنس أنّ النقطة على السطر الأخير تشمل فقط الملاعب الشاهدة على المنافسة الضخمة. يشارك الجمهور رغبته في لقائه، وإن تتوه الخطط والكيفية: «أحبّ اللعب في أماكن لم أذهب إليها من قبل». لا يتقاعد الحلم.
ليست أهم ما في الحدث هزيمة فيدرر ونادال أمام الأميركيَّيْن جاك سوك وفرنسيس تيافو في نهائي «كأس ليفر». الأهم هي روح الرجل المصرّة على اندفاعها الإيجابي تجاه الجمال المبلول بتدفق الدمع. هذا وداع يحرّك أسئلة الإنسان المتعلقة بالحتمية والمصير، فلا مفرّ من الانجراف نحو النهاية. مُرّة أو حلوة؛ إنها فلسفة الكون. للأساطير أيضاً أبواب يغلقونها وراءهم. يوضّبون الحقائب للانتقال الأبدي إلى التاريخ.
هتاف الجماهير «هيا فيدرر... هيا فيدرر» في المواجهة الأخيرة، تكرّر على شكل رجاء وهو يلقي كلمته: «لا ترحل. لا تعتزل». بين الحضور في الملعب الشاهد على تتويجه بـ8 ألقاب ويمبلدون، والدته لينيت، فعانقته بالدمع من بعيد. سمعته يشكر التنس ويبوح لها بحبّ علني. «لن أبتعد عنك»، قطع وعداً للشغف مفاده أنه لن يتنازل عن اللعب في المستقبل، إنما خارج بطولات «غراند سلام» ودورات المحترفين.

لا ينكر فضل اللعبة، ولأنه ماهر في التعامل مع الزمن، اقتطف الصخب في عزّه. قوله إنه سعيد لتحقيقه كل هذا، وإلحاقه الحزن بالصفوف الخلفية، يرفعان اللحظة إلى ذروتها حيث المكانة المرموقة المُصفّاة من الاستعراض والاستغلال العاطفي.
كان صغيراً حين حقق لاعبه المفضل الألماني بوريس بيكر أول ألقابه في بطولة ويمبلدون، العام 1985، فألهم الفتى تحويل اهتمامه من كرة القدم إلى عالم المضرب. لا ينسى فيدرر طفولة أمضى منها ساعات طويلة وهو يشاهد مباريات التنس. لقّنته درساً رافقه كظلّه عن «امتلاك الفوز أو الخسارة باليد».
لوهلة، قلّل المدرب في نادي «أولد بويز لكرة المضرب» أدولف كاكوفيسكي من طموحات عالية السقف لتلميذ مجتهد يريد أن يصبح «الأفضل في العالم». وكغيره ممن طنّت العبارة في آذانهم، راح يضحك. ترمق البشرية اليوم لاعباً يُطفئ الضوء على مضربه لينعم باستراحة، وتُصفّق: لقد فعلها.
لم يقل كاكوفيسكي إنّ «روجيه وُلد مع مضرب في يده» إلا بعد التأكد من فرادة الموهبة. الماهرون كثر، لكن فيدرر واحد. حين يُرحّب التاريخ بضيف على صفحاته، فذلك لأنه بَصَم حيث لا يقوى ماء على تعكير البصمة. يُسنَد لقب «المايسترو» باللاعب السويسري لامتلاكه المَلَكة. هي ليست الدروس والنصائح، ولا التدريبات والتعليمات؛ هي الأسلوب واللمسة.
ينحني للعمر ويصغي إليه. الرجل الذي خاض أكثر من 1500 مباراة طوال نحو ربع قرن، وقع ككل آدمي في المصيدة. للأعمار شِباك تهزّها مباغتات قد تكون مُتوقعة. كإصابة في الركبة تستدعي جراحات تُبعد النجم عن الملاعب. إنها مصيدة الزمن عينه الذي يضرب له ألف حساب ويُذعن لشروطه. هو اليوم ينادي، فيُلبّي: «أعرف قدرات جسدي وحدوده. تلقيتُ منه الرسائل. عمري 41 عاماً».
فيدرر مسكون بتقدير النِعم والاعتراف بها. يصافح القدر المُبتسم له ويقرّ بأنه «أحد أكثر الناس حظاً على وجه الأرض». صناعة التاريخ يمتهنها مَن مُنحت لهم موهبة لمّاعة، فيقودون بواسطتها البشرية إلى القمم. لم يتخيّل فيدرر إلى أي مستوى قد يرفع لعبة التنس رغم إصراره على تصدُّر المشهد، ولا إلى أي سنّ سيظل يلعب. في الـ41، تأكد من شيء واحد: «سأفتقد كل ما أعطتني إياه الملاعب. مع ذلك، هناك الكثير للاحتفال به».
يبكي عن جميع النهايات المُحال تلافيها، ويعتزل منافسات المحترفين بعد ليلة قاسية عاطفياً. «أفضل مَن أمسك بالمضرب على الإطلاق»، بتصنيف خبراء، يودّع التنس كما كان دائماً على الملعب: «عظمة على عظمة» روجيه.


مقالات ذات صلة

كأس ديفيز: سينر يقود إيطاليا للحاق بهولندا في النهائي

رياضة عالمية سينر محتفلاً بفوزه في المباراة (رويترز)

كأس ديفيز: سينر يقود إيطاليا للحاق بهولندا في النهائي

لحقت إيطاليا، حاملة اللقب، بهولندا إلى نهائي كأس ديفيز في كرة المضرب، بعد تغلبها على أستراليا -حاملة اللقب 28 مرة- 2-0 في الدور نصف النهائي السبت.

«الشرق الأوسط» (ملقة)
رياضة عالمية نوفاك ديوكوفيتش يضم أندي موراي لجهازه التدريبي (أ.ف.ب)

ديوكوفيتش يعلن انضمام موراي إلى جهازه التدريبي

أعلن نجم كرة المضرب الصربي، نوفاك ديوكوفيتش، السبت، أن منافسه البريطاني المعتزل آندي موراي سينضم إلى جهازه التدريبي.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
رياضة عالمية تأهلت هولندا بفضل انتصار بوتيك فان دي زاندسخولب وتالون غريكسبور (رويترز)

هولندا تهزم ألمانيا… وتتأهل لنهائي كأس ديفيز لأول مرة

حققت هولندا إنجازا تاريخيا بالتأهل لنهائي كأس ديفيز للتنس لأول مرة في تاريخها بتغلبها 2-صفر على ألمانيا في قبل النهائي اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (ملقة)
رياضة عالمية الثلاثي النيجيري اتهم بالفساد على صعيد التلاعب بنتائج المباريات (الشرق الأوسط)

فساد وتسهيل مراهنات يوقف 3 لاعبي تنس

أعلنت وحدة نزاهة رياضة التنس اليوم (الجمعة) إيقاف 3 لاعبين نيجيريين، يوجدون خارج المصنفين الألف الأوائل، الذين ارتبطوا بشبكة تلاعب بالمباريات في بلجيكا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية تمتع يانيك سينر بموسم لا يُنسى (د.ب.أ)

سينر يُسكت كل الأصوات في عام حافل

تمتع يانيك سينر بموسم لا يُنسى، بعد فوزه بأول لقبين له في البطولات الأربع الكبرى، وإنهاء العام في صدارة التصنيف العالمي للاعبي التنس المحترفين.

«الشرق الأوسط» (روما)

بعد مئويته الأولى... هالاند يتطلع إلى المزيد في مسيرته الحالمة مع مانشستر سيتي

هالاند يفتتح التسجيل في شباك تشيلسي (أ.ب)
هالاند يفتتح التسجيل في شباك تشيلسي (أ.ب)
TT

بعد مئويته الأولى... هالاند يتطلع إلى المزيد في مسيرته الحالمة مع مانشستر سيتي

هالاند يفتتح التسجيل في شباك تشيلسي (أ.ب)
هالاند يفتتح التسجيل في شباك تشيلسي (أ.ب)

وصل النجم النرويجي الدولي إيرلينغ هالاند إلى 100 مباراة في مسيرته مع فريق مانشستر سيتي، حيث احتفل بمباراته المئوية خلال فوز الفريق السماوي 2 - صفر على مضيفه تشيلسي، الأحد، في المرحلة الافتتاحية لبطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

وكان المهاجم النرويجي بمثابة اكتشاف مذهل منذ وصوله إلى ملعب «الاتحاد» قادماً من بوروسيا دورتموند الألماني في صيف عام 2022، حيث حصل على الحذاء الذهبي للدوري الإنجليزي الممتاز كأفضل هداف بالبطولة العريقة في موسميه حتى الآن. واحتفل هالاند بمباراته الـ100 مع كتيبة المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا على أفضل وجه، عقب تسجيله أول أهداف مانشستر سيتي في الموسم الجديد بالدوري الإنجليزي في شباك تشيلسي على ملعب «ستامفورد بريدج»، ليصل إلى 91 هدفاً مع فريقه حتى الآن بمختلف المسابقات. هذا يعني أنه في بداية موسمه الثالث مع سيتي، سجل 21 لاعباً فقط أهدافاً للنادي أكثر من اللاعب البالغ من العمر 24 عاماً، حسبما أفاد الموقع الإلكتروني الرسمي لمانشستر سيتي.

وعلى طول الطريق، حطم هالاند كثيراً من الأرقام القياسية للنادي والدوري الإنجليزي الممتاز، حيث وضع نفسه أحد أعظم الهدافين الذين شهدتهم هذه البطولة العريقة على الإطلاق. ونتيجة لذلك، توج هالاند بكثير من الألقاب خلال مشواره القصير مع سيتي، حيث حصل على جائزة لاعب الموسم في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولاعب العام من رابطة كتاب كرة القدم، ولاعب العام من رابطة اللاعبين المحترفين، ووصيف الكرة الذهبية، وأفضل لاعب في جوائز «غلوب سوكر».

كان هالاند بمثابة اكتشاف مذهل منذ وصوله إلى مانشستر (أ.ف.ب)

وخلال موسمه الأول مع سيتي، أحرز هالاند 52 هدفاً في 53 مباراة في عام 2022 - 2023، وهو أكبر عدد من الأهداف سجله لاعب بالدوري الإنجليزي الممتاز خلال موسم واحد بجميع البطولات. ومع إحرازه 36 هدفاً، حطم هالاند الرقم القياسي المشترك للأسطورتين آلان شيرر وآندي كول، البالغ 34 هدفاً لكل منهما كأكبر عدد من الأهداف المسجلة في موسم واحد بالدوري الإنجليزي الممتاز. وفي طريقه لتحقيق هذا العدد من الأهداف في البطولة، سجل النجم النرويجي الشاب 6 ثلاثيات - مثل كل اللاعبين الآخرين في الدوري الإنجليزي الممتاز مجتمعين آنذاك. وخلال موسمه الأول مع الفريق، كان هالاند أيضاً أول لاعب في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز يسجل «هاتريك» في 3 مباريات متتالية على ملعبه، وأول لاعب في تاريخ المسابقة أيضاً يسجل في كل من مبارياته الأربع الأولى خارج قواعده. وكان تسجيله 22 هدفاً على أرضه رقماً قياسياً لأكبر عدد من الأهداف المسجلة في ملعب «الاتحاد» خلال موسم واحد، كما أن أهدافه الـ12 ب دوري أبطال أوروبا هي أكبر عدد يحرزه لاعب في سيتي خلال موسم واحد من المسابقة.

أما في موسمه الثاني بالملاعب البريطانية (2023 - 2024)، فرغم غيابه نحو شهرين من الموسم بسبب الإصابة، فإن هالاند سجل 38 هدفاً في 45 مباراة، بمعدل هدف واحد كل 98.55 دقيقة بكل المنافسات، وفقاً لموقع مانشستر سيتي الإلكتروني الرسمي. واحتفظ هالاند بلقب هداف الدوري الإنجليزي للموسم الثاني على التوالي، عقب إحرازه 27 هدفاً في 31 مباراة... وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما سجل هدفاً في تعادل مانشستر سيتي 1 - 1 مع ليفربول، حطم هالاند رقماً قياسياً آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز، بعدما أصبح أسرع لاعب في تاريخ المسابقة يسجل 50 هدفاً، بعد خوضه 48 مباراة فقط بالبطولة.

وتفوق هالاند على النجم المعتزل آندي كول، صاحب الرقم القياسي السابق، الذي احتاج لخوض 65 لقاء لتسجيل هذا العدد من الأهداف في البطولة. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، وخلال فوز سيتي على لايبزيغ، أصبح اللاعب البالغ من العمر 23 عاماً في ذلك الوقت أسرع وأصغر لاعب على الإطلاق يسجل 40 هدفاً في دوري أبطال أوروبا، حيث انتقل إلى قائمة أفضل 20 هدافاً على الإطلاق بالمسابقة.

كما سجل هالاند 5 أهداف في مباراة واحدة للمرة الثانية في مسيرته مع سيتي في موسم 2023 - 2024، وذلك خلال الفوز على لوتون تاون في كأس الاتحاد الإنجليزي. ومع انطلاق الموسم الجديد الآن، من يدري ما المستويات التي يمكن أن يصل إليها هالاند خلال الأشهر الـ12 المقبلة؟