التعليم والأدب في المؤتمر السنوي لأكاديمية الشباب العربي الألماني

خمسة من أعضاء الهيئة: فيرينا ليبر وكالمان غرافي وجيني أوسترلي وبلال الأرفه لي وأحمد دباز (من اليسار إلى اليمين)
خمسة من أعضاء الهيئة: فيرينا ليبر وكالمان غرافي وجيني أوسترلي وبلال الأرفه لي وأحمد دباز (من اليسار إلى اليمين)
TT

التعليم والأدب في المؤتمر السنوي لأكاديمية الشباب العربي الألماني

خمسة من أعضاء الهيئة: فيرينا ليبر وكالمان غرافي وجيني أوسترلي وبلال الأرفه لي وأحمد دباز (من اليسار إلى اليمين)
خمسة من أعضاء الهيئة: فيرينا ليبر وكالمان غرافي وجيني أوسترلي وبلال الأرفه لي وأحمد دباز (من اليسار إلى اليمين)

ما الخطوات التي يجب اتخاذها لإنقاذ الآثار السورية المهددة؟ ما العوامل التي قد تحافظ على سلامة الغذاء في الأراضي الجافة المفتقرة للماء؟ كيف يتمّ تلقّي التكنولوجيا المثيرة للجدل في التعامل مع الوقود الحيوي، ومعالجة مياه الصرف الصحي، أو الاستفادة من الإشعاع الشمسي في المجتمعات العربية والألمانية؟ كيف يعاد تقييم الأثر الثقافي والسياسي للاجئين وكيف يمكن التعامل مع أزمات اللاجئين؟ كيف يمكن مد جسور بين المسابقات العلمية والتكنولوجية العربية والألمانية الموجهة للناشئين من أجل تنمية وتطوير جيل جديد من العلماء ذوي الخبرات العالمية؟
هذه بعض القضايا التي طرحها أعضاء أكاديمية الشباب العربي الألماني للعلوم والإنسانيات (AGYA) في لقاءاتهم ومجموعات عملهم خلال المؤتمر السنوي للأكاديمية الذي انعقد أخيرا في ألمانيا. وتعتبر مجموعات العمل الخمس (التعليم في العالم العربي وألمانيا؛ التراث والتحدي المشتركين؛ الطاقة والماء والبيئة؛ الإبداع والتحول) القوى الدافعة للأجندة العلمية لهذه الأكاديمية العلمية الثنائية الناشئة.
وقد هدف المؤتمر لـ25 عضوا عربيا و25 عضوا ألمانيا لتبادل الأفكار وجها لوجه قصد تطوير واقتراح مشاريع مشتركة في إطار اختصاصاتهم المتشابكة واتخاذ قرارات تخصّ هيكلية الأكاديمية مثل انتخاب لجنة توجيهية جديدة للأكاديمية والتصويت على دستور لها.
وتضمّ اللجنة التوجيهية الجديدة للأكاديمية ستة أعضاء مناصفة بين العرب والألمان. وكان من اللافت بروز اثنين من الأعضاء الإناث: الدكتورة مها الهنداوي (الدوحة) والبروفسورة فيرينا ليبر (برلين) واللتان انتخبتا رئيستين مشتركتين للأكاديمية، كما يلاحظ تنوع مجالات الاختصاص العلمي في اللجنة التوجيهية، مما يعكس تنوع الاهتمامات البحثية لأعضاء الأكاديمية في التعليم والأدب العربي ومصر القديمة إلى البيوتكنولوجيا وعلوم الكومبيوتر. وتضم اللجنة التوجيهية الجديدة البروفسور بلال الأرفه لي (بيروت) والدكتور أحمد دباز (تونس) والدكتورة جيني أوسترلي (هيدلبرغ) والبروفسور كالمان غرافي (دوسلدورف).
وتهدف أكاديمية الشباب العربي الألماني إلى تكوين مجموعة من العلماء والباحثين المتفوّقين العرب والألمان والذين هم في بداية مشوارهم الأكاديمي (3 - 10 سنوات بعد الحصول على شهادة الدكتوراه)، ودعم مشاريعهم المشتركة والمبتكرة، وأفكارهم الجديدة في مختلف ميادين البحث العلمي والسياسات العلمية والتعليم.
الموقع الإلكتروني للأكاديمية:
www.agya.info.



رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
TT

رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة

يحتفظ مركز مليحة للآثار في إمارة الشارقة بمجموعة من اللقى البرونزية، منها مجسمات منمنمة تمثّل رأس ثور يتميّز بأنف طويل صيغ على شكل خرطوم. تعود هذه الرؤوس في الواقع إلى أوان شعائرية جنائزية، على ما تؤكّد المواقع الأثرية التي خرجت منها، وتتبع كما يبدو تقليداً فنياً محلياً ظهرت شواهده في موقع مليحة، كما في نواح أثرية أخرى تتّصل به في شكل وثيق.

يعرض مركز مليحة للآثار نموذجين من هذه الرؤوس، وصل أحدهما بشكل كامل، فيما فقد الآخر طرفي قرنيه. يتماثل هذان الرأسان بشكل كبير، ويتبنيان في تكوينهما أسلوباً تحويرياً مبتكراً، يجسّد طرازاً خاصاً لا نجد ما يماثله في أقاليم جنوب الجزيرة العربية المتعددة، حيث حضر الثور في سائر الميادين الفنية بشكل كبير على مر العصور، وتعدّدت أنواعه وقوالبه، وشكّلت نماذج ثابتة بلغت نواحي أخرى من جزيرة العرب الشاسعة. ظهر رأس الثور بشكل مستقل، وحضر في عدد كبير من الشواهد الأثرية، منها العاجي، والحجري، والبرونزي. تعدّدت وظائف هذه الرؤوس، كما تعدّدت أحجامها، فمنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير. وتُظهر الأبحاث أنها تعود إلى حقبة زمنية تمتد من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرون الميلادية الأولى.

في المقابل، يصعب تحديد تاريخ رؤوس ثيران مليحة، والأكيد أنها تعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الميلادي الأول، حسب كبار عملاء الآثار الذين واكبوا اكتشافها في تسعينات القرن الماضي. تتبنّى هذه الرؤوس قالباً جامعاً واحداً يتميّز بتكوينه المخروطي وبملامحه المحدّدة بشكل هندسي، وهي من الحجم المنمنم، ويبلغ طول كل منها نحو 5 سنتمترات. الأنف طويل، وهو أشبه بخرطوم تحدّ طرفه الناتئ فجوة دائرية فارغة. تزيّن هذا الأنف شبكة من الخطوط العمودية المستقيمة الغائرة نُقشت على القسم الأعلى منه. العينان دائريتان. تأخذ الحدقة شكل دائرة كبيرة تحوي دائرة أصغر حجماً تمثّل البؤبؤ، ويظهر في وسط هذا البؤبؤ ثقب دائري غائر. الأذنان مبسوطتان أفقياً، والقرنان مقوّسان وممدّدان عمودياً. أعلى الرأس مزيّن بشبكة من الزخارف التجريدية المحززة ترتسم حول الجبين وتمتدّ بين العينين وتبلغ حدود الأنف.

يشكّل هذا الرأس في الواقع فوهة لإناء، وتشكّل هذه الفوهة مصبّاً تخرج منه السوائل المحفوظة في هذا الإناء، والمثال الأشهر قطعة عُرضت ضمن معرض مخصّص لآثار الشارقة استضافته جامعة أتونوما في متحف مدريد الوطني للآثار خلال عام 2016. يعود هذا الإناء إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد وصل بشكل مهشّم، واستعاد شكله التكويني الأوّل بعد عملية ترميم طويلة ودقيقة. تتكوّن هذه القطعة الأثرية من وعاء صغير ثُبّت عند طرفه الأعلى مصبّ على شكل رأس ثور طوله 4.6 سنتمترات. عُرف هذا الطراز تحديداً في هذه الناحية من شمال شرق شبه الجزيرة العربية التي تقع في جنوب غرب قارة آسيا، وتطلّ على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي.

عُثر على هذه الآنية إلى جانب أوان أخرى تتبع تقاليد فنية متعدّدة، في مقبرة من مقابر مليحة الأثرية التي تتبع اليوم إمارة الشارقة، كما عُثر على أوان مشابهة في مقابر أخرى تقع في المملكة الأثريّة المندثرة التي شكّلت مليحة في الماضي حاضرة من حواضرها. ظهر هذا النسق من الأواني الجنائزية في مدينة الدّور الأثرية التي تقع اليوم في إمارة أم القيوين، على مقربة من الطريق الحديث الذي يربط بين رأس الخيمة والشارقة، وهي على الأرجح مدينة عُمانا التي حضنت أهم ميناء في الخليج خلال القرن الأول الميلادي. كما ظهر في منطقة دبا التي تتبع إمارة الفجيرة، وفي مناطق أخرى تتبع في زمننا سلطنة عُمان، منها منطقة سلوت في ولاية بهلاء، في محافظة الداخلية، ومنطقة سمد في ولاية المضيبي، شمال المحافظة الشرقية.

اتّخذت فوهة هذه الأنية شكل رأس ثور في أغلب الأحيان، كما اتخذت في بعض الأحيان شكل صدر حصان. إلى جانب هذين الشكلين، ظهر السفنكس برأس آدمي وجسم بهيمي، في قطعة مصدرها منطقة سلوت. شكّلت هذه الأواني في الأصل جزءاً من آنية شعائرية طقسية، في زمن ازدهرت فيه التجارة مع عوالم الشرق الأدنى والبحر الأبيض المتوسط والهند. والمعروف أن أواني الشراب التي تنتهي بمصبات ذات أشكال حيوانية، برزت بشكل خاص في العالم الإيراني القديم، حيث شكّلت سمة مفضلة في الطقوس والولائم. افتتن اليونانيون باكراً بهذه الفنون وتأثّروا بها، كما شهد شيخ المؤرخين الإغريق، هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وعمدوا إلى صناعة أوان مشابهة مزجت بين تقاليدهم وتقاليد أعدائهم، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع الفنية الإرثية.

من ناحية أخرى، دخلت هذه التقاليد العالم الشرقي الواسع، وبلغت ساحل الخليج العربي، حيث ساهمت في ولادة تقاليد فنية جديدة حملت طابعاً محلياً خاصاً. تجلّى هذا الطابع في ميدان الفنون الجنائزية بنوع خاص، كما تظهر هذه المجموعة من الأواني التي خرجت كلها من مقابر جمعت بين تقاليد متعدّدة. استخدمت هذه الأواني في شعائر طقسية جنائزية خاصة بالتأكيد، غير أن معالم هذه الشعائر المأتمية تبقى غامضة في غياب أي نصوص كتابية خاصة بها.