مع الملك الجديد... ما مصير المؤسسات الفنية في بريطانيا؟

وفاة الملكة وإعادة توزيع الأدوار تركا «النظام الملكي» في طي النسيان

تشارلز أمير ويلز آنذاك يحيي راقصة في مدرسة الباليه الملكية عام 2019 (المصدر: غاريث فولر)
تشارلز أمير ويلز آنذاك يحيي راقصة في مدرسة الباليه الملكية عام 2019 (المصدر: غاريث فولر)
TT

مع الملك الجديد... ما مصير المؤسسات الفنية في بريطانيا؟

تشارلز أمير ويلز آنذاك يحيي راقصة في مدرسة الباليه الملكية عام 2019 (المصدر: غاريث فولر)
تشارلز أمير ويلز آنذاك يحيي راقصة في مدرسة الباليه الملكية عام 2019 (المصدر: غاريث فولر)

كانت جاسمين ألين، مديرة «متحف الزجاج الملون» في مدينة إيلي بإنجلترا، تستعد لإرسال خطاب إلى الأمير تشارلز خلال الشهر الحالي، تسأله ما إذا كان يريد مد علاقته بالمتحف المتخصص أم لا؛ ثم توفيت الملكة.
الجدير بالذكر أن تشارلز راعي المتحف منذ عام 1997 وهو دور شرفي، لكن ارتباط اسمه به ساعد في جمع المال، وتعزيز مكانته في وسائل الإعلام على حد قول ألين. وكان الأمير يمر به بين الفينة والأخرى. وتضيف: «نحن مؤسسة صغيرة، لذا الحصول على راعٍ من العائلة الملكية أمر مهم. إن أداءنا يفوق حجمنا وإمكانياتنا كثيراً».
انتهت مدة أحدث الاتفاقات بشأن الدور الراعي الذي يقوم به الأمير تشارلز، خلال الصيف الحالي، وكانت ألين تأمل أن يجدده، لكن بعد أن أصبح ملكاً، فلن ترسل له الخطاب، حسب قولها.
وقد قال تشارلز في خطاب متلفز خلال الأسبوع الماضي: «لن يكون من المتاح منح جزء كبير من وقتي وطاقتي إلى المؤسسات الخيرية، وهي أمور أهتم بها كثيراً». موضحاً أن العمل المهم «سيظل في أيدٍ أمينة لآخرين»، في إشارة ضمنية إلى تولي أفراد في العائلة المالكة لهذه المهام رغم قول متحدث باسم العائلة المالكة، إن مثل تلك القرارات ستُؤخذ في وقت لاحق بعد انتهاء فترة الحداد على الملكة. وقالت ألين إن متحفها سينتظر إشعاراً من مكتب الملك بشأن خططه، لكنها قالت أيضاً إنها أدركت أنها قد تنضم قريباً إلى عشرات المؤسسات الثقافية البريطانية الأخرى التي تبحث عن راعٍ جديد.
وكانت الملكة، حتى لحظة موتها، راعية لما يزيد على 50 مؤسسة من بينها فرقة «الباليه الملكية»، و«أوركسترا لندن سيمفوني»، إلى جانب مؤسسات أخرى أقل شهرة مثل البطولة المفتوحة للفرقة النحاسية البريطانية. وكان ابنها راعياً أو رئيساً لأكثر من مائة مؤسسة أكثرها معنية بالعمارة والحرف التقليدية مثل «الزجاج الملون».
ربما يتسبب البحث عن رعاة في انقلاب مفاجئ للمؤسسات الفنون، لكنه في الوقت نفسه يجذب الانتباه إلى نظام الرعاية الملكية الذي يمتد لقرون من الزمان. ما هو هذا النظام تحديداً، وما أهميته بالنسبة إلى الحياة الثقافية في بريطانيا، وماذا سيحدث الآن للمؤسسات التي تفقد رعاتها؟
ما الذي يقوم به الراعي؟
الراعي هو شخص يعير اسمه ويكرّس وقته في كثير من الأحيان، إلى مؤسسة ليكون بمثابة حامل لعلمها، كما توضح إيلين هاموند، مؤلفة كتاب «رعاة ورؤساء وشخصيات»، وهو دليل للمنظمات غير الهادفة للربح، التي تأمل بالعمل مع متطوعين رفيعي المستوى. يتباين مستوى الانخراط في تلك المؤسسات بشكل كبير على حد قول هاموند. كذلك ذكر متحدث باسم الأوبرا الملكية في رسالة بريد إلكتروني أن تشارلز، راعي الأوبرا الملكية، قد حضر عروضاً مرات كثيرة خلال العام «بصفة رسمية وغير رسمية». وقال مايكل إيكين، الرئيس التنفيذي لـ«أوركسترا ليفربول الفيلهارمونية»، إن راعيته وهي الملكة، لم تكن تزور الأوركسترا بانتظام، وأكثر المرات كانت في مناسبات مهمة مثل الذكرى الـ150 لها. وتقول العائلة المالكة على موقعها الإلكتروني، يعود تاريخ هذه الممارسات إلى بداية القرن الـ18 عندما أصبح الملك جورج الثاني، راعي «جمعية خبراء الآثار».
كثيراً ما أصبح أفراد في العائلة المالكة رعاة لمؤسسات ثقافية عندما يثير المجال اهتمامهم. فالأميرة مارغريت، شقيقة الملكة التي توفيت عام 2002. تحب الرقص وكانت أول رئيس لفرقة «الباليه الملكية»، وهو دور مشابه لدور راعٍ، لكنه يتضمن مشاركات منتظمة بدرجة أكبر. ولدى كاميلا، زوجة الملك، أدوار ثقافية، ففي مارس (آذار) عندما كانت الملكة تقلّص مناصبها الرسمية لأسباب صحية، لعبت كاميلا دور راعي «المسرح القومي» في لندن. وكاثرين، أميرة ويلز الجديدة، هي راعية متحف «فيكتوريا وألبرت» في لندن، وكثيراً ما كانت تُصور خلال جولاتها داخل معارضه.
هل وجود صفة «ملكي» في اسم مؤسسة ما، يعني أن لديها راعياً ملكياً؟
لا، فكلمة «ملكي» موجودة في الكثير من المسارح منذ بداية القرن الـ18 حين قررت الحكومة البريطانية أن المؤسسة التي لديها ترخيص يُعرف باسم الامتياز الملكي، هي فقط التي يُسمح لها بأداء عروض على خشبة المسرح بشكل شرعي، على حد قول بريانا روبرتسون كيركلاند، عالمة موسيقى في المعهد الملكي الأسكوتلندي، التي درست تاريخ المسرح. ويعد كل من المسرحين الملكيين «بلايموث» و«نيوكاسل»، مثالين على المسارح «الملكية»، التي لا تحظى براعي من العائلة المالكة.
كذلك مُنحت كلمة «ملكي» إلى مؤسسات أخرى، مثل فرقة «الباليه الملكية» أو شركة «شكسبير الملكية»، مع منحها الامتياز الملكي، وهو اعتراف بأهمية المؤسسة على حد قول روبرتسون كيركلاند. وكانت فرقة «الباليه الملكية» تُعرف باسم «سادلرز ويلز باليه» قبل حصولها على الامتياز الملكي.
هل الراعي الملكي يساعد في جمع الأموال للمؤسسة؟
لا تتضمن الرعاية الملكية الحصول على أي أموال من العائلة المالكة، لكن الحصول على راعٍ من العائلة المالكة، أو لقب «ملكي»: «يساعد حتماً في عملية جمع الأموال للمؤسسة»، وفي الحصول على فرص لجولات خارجية كما أوضح إيكين. مضيفاً، أن رعاية الملكة لا تمنح الأوركسترا أي فرصة لتنظيم فعاليات لجمع الأموال في قصر باكينغهام، لكنه أشار إلى دعوته لحضور جنازة الملكة الأسبوع المقبل. كذلك أفادت هاموند بأنها لا تعلم بوجود أي دراسة أكاديمية تثبت أن الحصول على راعٍ من العائلة المالكة قد ساعد في جمع الأموال للمؤسسة، لكنها أضافت: «مع ذلك سيحدث هذا بالبداهة».
هل هناك أي مخاطر خاصة بالحصول على راعٍ من العائلة المالكة؟
أوضحت هاموند أن هناك بعض الأخطار والمآزق التي تصاحب الحصول على أي راعٍ سواء كان من العائلة المالكة أم لا. عندما حدث الطلاق بين تشارلز وديانا عام 1996. كان على المؤسسات أن تقرر ما إذا كانا لا يزالان راعيين مناسبين أم لا، على حد قول هاموند. كذلك كان يُنظر إلى الأمير أندرو باعتباره خطراً محتملاً بسبب علاقته بجيفري إبستاين، المهووس بالجنس والشخص سيء السمعة، وبسبب مواجهته دعوى قضائية على خلفية اتهامات بارتكاب انتهاكات جنسية. وسُوّي موقف الأمير في القضية في فبراير (شباط).
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. استقال أندرو من منصبه راعياً للباليه الإنجليزي الوطني، وكذلك أعلنت «الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية»، أنها قد أنهت علاقتها به. وقد سلّم أدوار الرعاية الباقية التي كان يقوم بها إلى الملكة خلال العام الحالي.
ماذا سيحدث لأدوار الرعاية التي كانت تتولاها الملكة، ولأدوار الرعاية التي كان يقوم بها تشارلز بعدما توّج ملكاً؟
قالت هاموند إنها كانت تتوقع أن يتولى تشارلز أو أفراد آخرين في العائلة المالكة أدوار الملكة، وأن يُعاد توزيع أدوار تشارلز بين أفراد آخرين في العائلة المالكة بالنظر إلى زيادة عبء وحجم العمل والمتطلبات التي تحتاج إلى اهتمامه. مع ذلك تنتظر آلاف المؤسسات الثقافية والجمعيات الخيرية التي تحظى برعاة من العائلة المالكة في بريطانيا، معرفة ما سيحدث لها بشكل مؤكد.
وقالت ألين، مديرة متحف «الزجاج الملون»، إن أي فرد من أفراد العائلة المالكة هو «الراعي الأعلى»، مضيفة أن مشكلة مؤسسة مثل تلك التي تديرها هي «عدم توفر» أفراد العائلة المالكة، وعدم اهتمامهم جميعاً بالزجاج الملون مثلما كان تشارلز مهتماً.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

شؤون إقليمية الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية (رويترز)

الملكة إليزابيث كانت تعتقد أن كل إسرائيلي «إما إرهابي أو ابن إرهابي»

كشف الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، عن توتر العلاقات التي جمعت إسرائيل بالملكة إليزابيث الثانية خلال فترة حكمها الطويلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب يلتقي الأمير وليام في غرفة الصالون الأصفر بمقر إقامة سفراء المملكة المتحدة في باريس (أ.ف.ب)

ترمب: الأمير ويليام أبلغني أن الملك تشارلز «يكافح بشدة» بعد إصابته بالسرطان

صرّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بأن محادثات جرت مؤخراً مع وليام، أمير ويلز، ألقت الضوء مجدداً على صحة الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق وصول الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا لاستقبال السلك الدبلوماسي في القصر (أ.ب)

هاري يخيب آمال تشارلز بتصريحاته عن طفليه

تحدث الأمير هاري عن تجربته في تربية طفليه، آرتشي وليلبيت، مع زوجته ميغان ماركل في الولايات المتحدة، ما يبدو أنه خيَّب آمال والده، الملك تشارلز الثالث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

الأمير هاري يسخر من إشاعات الطلاق

سخر الأمير هاري، دوق أوف ساسكس، من الإشاعات المتكررة حول حياته الشخصية وزواجه من ميغان ماركل. جاء ذلك خلال مشاركته في قمة «DealBook» السنوية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كيت أميرة ويلز (د.ب.أ)

الأميرة كيت: الحب أعظم هدية

قالت أميرة ويلز البريطانية كيت ميدلتون إن الحب هو أعظم هدية يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض، في رسالة إلى الضيوف الذين سيحضرون قداس ترانيم عيد الميلاد السنوي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مهرّب» أرشيف التعذيب السوري يكشف لـ «الشرق الأوسط» هويته

أسامة عثمان... أو «سامي» خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» في باريس (الشرق الأوسط)
أسامة عثمان... أو «سامي» خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» في باريس (الشرق الأوسط)
TT

«مهرّب» أرشيف التعذيب السوري يكشف لـ «الشرق الأوسط» هويته

أسامة عثمان... أو «سامي» خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» في باريس (الشرق الأوسط)
أسامة عثمان... أو «سامي» خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» في باريس (الشرق الأوسط)

«انتصرت دماؤكم وسقط الأسد». بهذه العبارة توجّه الناشط الحقوقي السوري أسامة عثمان، إلى ضحايا القمع والتعذيب خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد، كاشفاً للمرة الأولى، بالصوت والصورة، عن أنَّه هو «سامي» الذي ارتبط اسمه كالتوأم مع قريبه «قيصر» في تهريب عشرات آلاف صور قتلى التعذيب في سجون سوريا.

صار «أرشيف التعذيب» فيما بعد «دليل إدانة» ضد حكم الأسد أمام محاكم دولية وتسبب في فرض الأميركيين عقوبات «قانون قيصر» على سوريا.

تنشر «الشرق الأوسط» مقابلة حصرية مع «سامي»، عبّر فيها عن مدى فرحته بالتغيير الذي حصل في سوريا مع سيطرة المعارضة على دمشق، مشدداً على ضرورة «المحاسبة». وحذّر من تبعات «الدخول العشوائي للمواطنين إلى السجون وأماكن الاحتجاز»، مشيراً إلى أنَّ ذلك «أدَّى إلى إتلاف أو فقدان وثائق وسجلات رسمية مهمة للغاية تكشف عن انتهاكات منذ عشرات السنين».

وأعرب عن قلقه أيضاً من استمرار موظفي النّظام في العمل، مما يمكّنهم من «طمس الملفات في كل فروع وملحقات حزب البعث العربي الاشتراكي التي يعلم جميع السوريين أنَّها كانت مؤسسات أمنية بامتياز».

وشرح سبب اختياره العمل السري على مدى سنوات باسم «سامي»، قائلاً: «طبيعة العمل وطبيعة الملف الذي خرجنا به من سوريا... كانت سبباً في أن أحرص على إخفاء هويتي وهوية الكثير من أعضاء الفريق. اليوم نحن، الحمد لله، في وضع آخر تماماً. نحن في مكان آخر. في سوريا أخرى جديدة».

كان «سامي» و«قيصر» قد بدآ التعاون في جمع وثائق التعذيب في مايو (أيار) 2011، بعد فترة وجيزة من بدء الثورة ضد الأسد. كان «قيصر» مصوّر قتلى التعذيب في سجون النظام، يهرب الصور عبر ذاكرة رقمية محمولة «يو إس بي» ويعطيها لـ«سامي». نجح الرجلان في تهريب «أرشيف التعذيب» إلى خارج سوريا، وصارت شهادتهما دليلاً ضد النظام أمام أكثر من محفل دولي.