«السوشيال ميديا» وقضايا المناخ... بين التوعية و«المعلومات الزائفة»

صورة أرفقتها هارفارد مع دراستها
صورة أرفقتها هارفارد مع دراستها
TT

«السوشيال ميديا» وقضايا المناخ... بين التوعية و«المعلومات الزائفة»

صورة أرفقتها هارفارد مع دراستها
صورة أرفقتها هارفارد مع دراستها

مع تزايد اهتمام العالم بقضايا المناخ، في ظل استمرار التحذيرات الدولية من مخاطر التغيرات المناخية على كوكب الأرض، يثير الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات متعددة في هذا الشأن، وذلك بين محاولات لاستخدامها وسيلة للتوعية بأضرار التغيرات المناخية، ومساعٍ أخرى توظف هذه المنصات للترويج لـ«معلومات زائفة» من شأنها التقليل من حجم وتأثير المناخ على حياة البشر.
دراسة نشرتها جامعة هارفارد، بالتعاون مع منظمة «غرين بيس» المهتمة بشؤون البيئة، كشفت أخيراً عن أن العلامات التجارية للسيارات وشركات الطيران والوقود الأحفوري في أوروبا تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر «معلومات مضللة» حول البيئة. ووصف جيفري سوبران، المؤلف الرئيسي بالدراسة، وسائل التواصل الاجتماعي بأنها «الأداة الجديدة للخداع المناخي». وأردف أنه «في حين تواجه أوروبا أسوأ موجات ارتفاع درجات الحرارة في تاريخها، التزمت بعض الشركات المسؤولة عن الانحباس الحراري الصمت، بشأن أزمة المناخ؛ بل استخدم بعضهم صوراً وكلمات توحي بأنهم علامات تجارية خضراء، مبتكرة وخيرية».
الدراسة فحصت أكثر من 2000 منشور على نحو 375 حساباً لنحو 12 علامة تجارية لسيارات وشركات طيران ووقود أحفوري، على المنصات الاجتماعية المختلفة. وأظهرت أن واحداً فقط من كل خمسة إعلانات عن السيارات الخضراء التي جرى تحليلها، كان بالفعل يهدف لبيع منتج، أما الباقي فهدف هو تصوير العلامة التجارية باعتبارها علامة صديقة للبيئة. وتابعت الدراسة أن «ثلثي المنشورات كانت تحاول تنظيف سمعة هذه الشركات عبر التركيز على ابتكاراتها الخضراء»، في حين أشار «عدد قليل فقط من المنشورات إلى تغير المناخ بشكل صريح».
حسام الهندي، الصحافي ومدقق المعلومات المصري، أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عدة أنواع من «التضليل» بشأن قضايا المناخ على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها ثلاثة:
النوع الأول مرتبط بفكرة «المؤامرة»، ويقوده رافضو فكرة التغيرات المناخية. وقال إن «وسائل التواصل الاجتماعي سهلت بشكل كبير انتقال المعلومات في التجمعات العالمية المؤمنة بنظرية المؤامرة، والتي تروج معلومات زائفة من قبيل أن بعض الأعاصير والزلازل ما هي إلا أسلحة سرية ابتكرتها دول كبرى». والنوع الثاني، وفقاً للهندي، مرتبط بما وصفه بـ«التضخيم المبالغ فيه لأحداث يومية».
وتابع: «هناك نوع من التضليل اليومي يحدث عبر نشر صور أو فيديوهات زائفة، وتضخيم أخرى حقيقية، وكأنها أحداث لم تقع من قبل، بهدف جذب الزيارات وزيادة التفاعل، والمشاركة». أما النوع الثالث فيرجع لـ«نقص التوعية بأضرار التغير المناخي على كوكب الأرض، وشرح الأزمات التي تحيط بالكوكب، مما يترك المسألة مفتوحة لتكوين تصورات خاطئة».
بدوره، شدّد الصغير محمد الغربي، الإعلامي التونسي المتخصص في قضايا العلم والبيئة، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» على «ضرورة تطوير قدر معين من الشك والتحقق من المصادر عند التعامل مع أي نوع من المحتوى حول المناخ، خاصة أن قضايا المناخ يدور حولها جدل واسع في وسائل التواصل الاجتماعي». وأوضح أن «الجدل المثار بشأن هذه القضية يتركز بين قطبين أساسيين، هما: رافضو فكرة الاحترار العالمي والتغيرات المناخية من ناحية، والمتخوفون من تداعياتها على مستقبل الكوكب من ناحية أخرى». ثم أضاف الغربي أن «كل قطب يدعمه جماعات ضغط تسهم في نشر معلومات منحازة وأحياناً زائفة لدعم وجهات نظرها، لكن في الأخير نجد أنه غالباً ما تحمل الرسائل المناخية أخباراً سيئة... لذلك بالنسبة للبعض من الأسهل تقبل القصص الإخبارية الزائفة من تقبل القصة الحقيقية».
وحقاً، تشير الدراسة إلى «استخدام الشركات لصور الطبيعة لتشكيل تصورات إيجابية عن علاماتها التجارية». وتقول سيلفيا باستوريلي، الناشطة في حملة المناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي، إن «أكثر النتائج المذهلة التي توصلت إليها الدراسة تحدثت عن استخدام جمال الطبيعة بشكل منهجي لمنح العلامات التجارية صورة ذهنية إيجابية تشير إلى أنها شركات خضراء صديقة للبيئة».
وتأتي الدراسة التي نشرتها جامعة هارفارد، تأكيداً لنتائج أبحاث سابقة تحدثت عن الموضوع ذاته من بينها دراسة أعدتها منظمة «أدفانس ديموكراسي» المتخصصة في «المعلومات الزائفة» أكدت أن «كثرة من المشاركات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر للمعلومات الموثقة بشأن المناخ».
ومن جهة أخرى، بالتزامن مع الانتقادات الموجهة لمواقع التواصل الاجتماعي بشأن نشر «معلومات زائفة»، بدأت بعض المنصات اتخاذ خطوات للحد من المعلومات «الخاطئة» حول المناخ، إذ أطلق «فيسبوك» - على سبيل المثال - «مركز الإعلام لعلوم المناخ»، الذي يهدف إلى تزويد جمهور المنصة بمعلومات موثقة حول التغيرات المناخية، بحسب «فيسبوك»، وبالمثل أطلق موقع «بنترسيت» مبادرة للتوعية بمخاطر التغيرات المناخية.
وبينما يشير البعض إلى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتوعية بمخاطر التغيرات المناخية، يعتبر آخرون أن جهود منصات التواصل الاجتماعي في هذا المجال ما زالت محدودة حتى الآن، مشددين على أن مكافحة المعلومات الزائفة تتطلب جهوداً أكبر. ونقل موقع منظمة «غرين بيس» عن أمينة أديبيسي أودوفين، الناشطة البارزة في المنظمة دعوتها إلى «حظر الإعلانات الخاصة بشركات الوقود الأحفوري على مواقع التواصل الاجتماعي، لزيادة فعالية معالجة أزمات المناخ»، لكن خبراء «السوشيال ميديا» يؤكد في هذا الصدد صعوبة السيطرة على سيل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ختاماً يقول الصغير محمد الغربي إن «وسائل التواصل الاجتماعي، كونها تلغي حدود الزمان والمكان وتضم ما يزيد عن 58 في المائة من سكان العالم الذين يتشاركون الأفكار ويتبادلون وجهات نظرهم بشكل يومي، وتلعب دوراً هاماً في التوعية بقضايا المناخ الأساسية وتداعيات الاحترار العالمي وضرورة خفض انبعاثات الغازات المسببة لها... ودور وسائل التواصل الاجتماعي يتجلى بوضوح في المساعدة للحشد لقضايا المناخ، ونشر المعلومات بشأنها». أما حسام الهندي، فيشدد على «أهمية الرد على المعلومات الزائفة حول المناخ من خلال اتفاقات بين متخصصين ومواقع التواصل الاجتماعي». ويضيف: «لا بد من اعتماد أساليب الشرح المبسطة لتوضيح أضرار التغيرات المناخية، وتأثيراتها على الحياة».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.