الحكومة المحلية في البصرة تتحدى سياسات الحكومة الاتحادية

رفضت ما تخشى أنه توجه في بغداد لـ«رهن نفط» المحافظة

الحكومة المحلية في البصرة تتحدى سياسات الحكومة الاتحادية
TT

الحكومة المحلية في البصرة تتحدى سياسات الحكومة الاتحادية

الحكومة المحلية في البصرة تتحدى سياسات الحكومة الاتحادية

في الوقت الذي أعلن فيه وزير المالية العراقي هوشيار زيباري عزم الحكومة الاتحادية تدبير أموال طارئة من خلال مبيعات لاحتياطي نفط البصرة، شنت الحكومة المحلية في المدينة ووزير بصري سابق هجومًا على سياسة الدولة تجاه إدارة ثروات البلد.
وقال زيباري في تصريحات إن «الحكومة العراقية تعتزم تدبير أموال طارئة من خلال مبيعات من احتياطي نفط البصرة، وذلك من خلال نظام الدفع مقدمًا». وأضاف أنه «لم تتحدد بعد تفاصيل كميات وقيمة هذه المبيعات التي تعرف في صناعة النفط بـ(التمويل المسبق)، لكن العراق يحتاج إلى سيولة لتمويل حملته العسكرية ضد (داعش)، وللتعويض عن العائدات التي خسرها بسبب هبوط أسعار النفط العالمية».
وردا على تصريحات زيباري، قال الوزير البصري الأسبق القاضي وائل عبد اللطيف، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «إدارة ثروات العراق، ومنها النفط والغاز، هي جزء من السياسة الفاشلة على المستوى المدني والعسكري والاقتصادي للبلد، وأن جولات التراخيص التي عقدتها الحكومة العراقية (الجولات الأولى والثانية والثالثة والرابعة) دون أن توفر إمكانية تصدير ما تم الاتفاق عليه مع الشركات النفطية هي التي أوقعت البلد في هذه الأزمة». وتابع: «لقد نبهنا ولأكثر من مرة، وقلنا: لسنا بحاجة إلى جولات التراخيص وما ينتج من نفطنا يكفينا مع ارتفاع للأسعار بشكل كبير، وهذه الالتزامات هي عودة على رهن النفط إلى الشركات الأجنبية».
وتابع عبد اللطيف: «حتى يخرجوا من الأزمة المالية الحالية يدخلون البلد في أزمة جديدة، ونحن نحذر وننبه وسنخرج في مظاهرة تبدأ ولن تنتهي في حال الإقدام على هكذا مشروع، وليبدأوا برهن حقول نفط كردستان وحقل عكاز في الأنبار قبل أن يأتوا إلى حقول نفط البصرة المستمرة والداعمة لخزينة العراق، فلم يبق في العراق إلا شركة نفط الجنوب، فإذا أرادوا أن يرهنوها للشركات الأجنبية فهذا يعني أن العملية السياسية والاقتصادية والأمنية قد انتهت».
من جهته، قال رئيس لجنة النفط والطاقة في مجلس محافظة البصرة علي شداد الفارس في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن: «أهل البصرة تحملوا أهوالا وكوارث بسبب أخطاء الحكومات المركزية المتوالية في الحكم على العراق، حيث قدمت الكثير من التضحيات ولحد هذه اللحظة هي تقدم وتتحمل وزر سياسة المركزية وسياسة الوزارات التي لا تتشاور ولا تتحاور مع الحكومات المحلية». وأضاف: «ما جاء على لسان وزير المالية العراقي هوشيار زيباري عن توجه الحكومة المركزية بالدفع المقدم أو خطط اقتراض وتوفير الضمانات السيادية من المؤسسات المالية الدولية وإصدار سندات كل ذلك بضمان نفط محافظة البصرة نسجل تحفظنا عليه، ونقول: ما هي الصلاحية التي يمتلكها زيباري برهن نفط البصرة؟!». وتابع أن «رهن نفط البصرة يحمل أهالي المدينة ديونًا لم يكن لهم دور فيها، لذا نحن في الحكومة المحلية سنناقش تصريحات وزير المالية في الجلسة المقبلة لمجلس المحافظة، وسندعو ممثلي المحافظة في مجلس النواب العراقي وكل الفعاليات والمنظمات في المدينة إلى تبني إعلان حكومي شعبي يحذر الحكومة المركزية من اتخاذ قرارات دون التشاور مع أهل البصرة، وسنبلغ المؤسسات المالية الوطنية والعالمية منذ اليوم الذي تتبنى فيه الحكومة الاتحادية مشروعًا كهذا بأن هناك قرارا من حكومة البصرة بشقيها التنفيذي والتشريعي ينص على أن البصرة لن تكون مسؤولة أو ملزمة بالقروض والسندات المالية التي تعتمد على ضمانات برهن نفطها».



تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
TT

تطلّع يمني لإنهاء الانقسام المصرفي ومخاوف من تعنت الحوثيين

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)
مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

بعيداً عن تعثر مسار التسوية في اليمن بسبب هجمات الحوثيين البحرية، أشاع الإعلان الأممي اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين حول المصارف والطيران أجواءً من الأمل لدى قطاع عريض من اليمنيين، مثلما زرع حالة من الإحباط لدى مناهضي الجماعة المدعومة من إيران.

ومع إعلان غروندبرغ اتفاق خفض التصعيد بين الحكومة والحوثيين بشأن التعامل مع البنوك التجارية وشركة «الخطوط الجوية اليمنية»، فإن المبعوث لم يحدد موعداً لبدء هذه المحادثات ولا مكان انعقادها، واكتفى بالقول إن الطرفين اتفقا على البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خريطة الطريق.

غروندبرغ يسعى إلى تحقيق أي اختراق في مسار السلام اليمني بعد إعاقة الحوثيين خريطة الطريق (الأمم المتحدة)

بدت آراء يمنيين في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي متباينة في كل مضامين اتفاق التهدئة، باستثناء تمنياتهم بنجاح محادثات الملف الاقتصادي لأن من شأنها أن تعالج وفق تقديرهم جذور الأزمة الاقتصادية والانقسام المالي وانقطاع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين منذ ثمانية أعوام.

في المقابل، ناقضت تقارير يمنية نفسها، مثل ما ورد في تقرير لمركز صنعاء للدراسات كتبه نيد والي، ففي حين حاول توجيه السبب الأساسي للاتفاق نحو ضغوطات من دول في التحالف على الحكومة لصالح الحوثيين، عاد واقتبس من المبعوث الأممي قوله في رسالة لمجلس القيادة: «الانقسام الاقتصادي والمالي الذي تشهده البلاد ستترتب عليه تبعات خطيرة وربما مدمرة، وعزل البنوك وشركات الصرافة عن النظام المالي العالمي سيؤثر سلباً على الأعمال التجارية وعلى تدفق التحويلات المالية».

وكتب الباحث في التقرير نفسه: «عانى الاقتصاد اليمني من الشلل نتيجة عقد من الصراع، وأي ضغوط إضافية لن تجلب سوى أوضاع إنسانية وخيمة، ليس أقلها تعطيل القدرة على تقديم المساعدات. يتم تداول عملتين في الأسواق المالية اليمنية بسعري صرف متباينين، ورغم أن الانقسام الدائم في النظام المصرفي ومؤسسات الدولة قد يصبح أمراً لا مفر منه في نهاية المطاف، لا ينبغي التشكيك بأن تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون وخيمة وأليمة بصورة استثنائية».

وقالت مصادر غربية لـ«الشرق الأوسط»: «إن السعودية دعمت خريطة الطريق ومشروع إنهاء الأزمة اليمنية، والخلافات والعراقيل ليست طريقة للوصول إلى السلام في كل الأحوال».

ومن خلال تعليقات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر استمزاج يمنيين في قطاعات تجارية وتربوية، تتجنب المعلمة نجاة التي اكتفت بذكر اسمها الأول الخوض في الجدال المتواصل بين المؤيدين والمعارضين لاتفاق التهدئة وتعتقد أن الذهاب للمحادثات الاقتصادية بنيات صادقة ونجاحها هو البشرى الحقيقية لمئات الآلاف من الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين حرموا من رواتبهم منذ نهاية العام 2016، ولكل سكان البلاد الذين يدفعون ثمن الانقسام المالي والمواجهة الاقتصادية.

وتتمنى المعلمة على ممثلي الجانبين الحكومي والحوثيين استشعار المعاناة الكبيرة للملايين من اليمنيين الذين يقاسون نتيجة الظروف الاقتصادية وتوقف المرتبات ووجود عملتين محليتين، والحرص على التوافق والخروج باتفاق على استئناف تصدير النفط والغاز ووضع آلية مرضية لصرف المرتبات، وإنهاء الانقسام المالي لأن ذلك في تقديرها سيكون المنفذ الحقيقي للسلام.

الرواتب وتوحيد العملة

يقول الموظف الحكومي رضوان عبد الله إن الأهم لديه، ومعه كثيرون، هو صرف الرواتب وإنهاء انقسام العملة، لأنهم فقدوا مصدر دخلهم الوحيد ويعيشون على المساعدات والتي توقفت منذ ستة أشهر وأصبحوا يواجهون المجاعة وغير قادرين على إلحاق بناتهم وأبنائهم في المدارس لأنهم لا يمتلكون الرسوم التي فرضها الحوثيون ولا قيمة الكتب الدراسية ومستلزمات المدارس ولا المصروف اليومي.

تعنّت الحوثيين أفشل جولات متعددة من أجل السلام في اليمن (إعلام محلي)

ويؤيده في ذلك الموظف المتقاعد عبد الحميد أحمد، إذ يقول إن الناس تريد السلام ولم يعد أحد يريد الحرب وإن السكان في مناطق سيطرة الحوثيين يواجهون مجاعة فعلية. ويزيد بالقول إن صرف المرتبات وتوحيد العملة أهم من أي اتفاق سياسي ويطلب من الحكومة والحوثيين ترحيل خلافاتهم السياسية إلى ما بعد الاتفاق الاقتصادي.

ولا يختلف الأمر لدى السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية والذين يعبر أغلبيتهم عن سخطهم من الموافقة على إلغاء الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في حق البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يرى عادل محمد أن إنهاء انقسام العملة واستئناف تصدير النفط سيؤدي إلى وقف تراجع سعر الريال مقابل الدولار الأميركي وسيوقف الارتفاع الكبير في أسعار السلع لأن ذلك أضر بالكثير من السكان لأن المرتبات بسبب التضخم لم تعد تكفي لشيء.

ويتفق مع هذه الرؤية الموظف في القطاع التجاري سامي محمود ويقول إن توحيد العملة واستئناف تصدير النفط سيكون له مردود إيجابي على الناس وموازنة الدولة، لأنه سيحد من انهيار الريال اليمني (حالياً الدولار بنحو 1990 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة) كما أن الموظفين والعمال الذين تعيش أسرهم في مناطق سيطرة الحوثيين سيكونون قادرين على إرسال مساعدات شهرية، لكن في ظل الانقسام وفرض الحوثيين سعراً مختلفاً فإن ما يرسلونه يساوي نصف رواتبهم.

مصلحة مشتركة

يرى الصحافي رشيد الحداد المقيم في مناطق سيطرة الحوثيين أن التوصل إلى اتفاق في هذا الملف فيه مصلحة مشتركة وإعادة تصدير النفط والغاز سيسهم في عودة أحد مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة، كما أن استئناف صرف مرتبات الموظفين سوف يسهم في الحد من معاناة مئات الآلاف من الموظفين.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين تتهددهم المجاعة (الأمم المتحدة)

ويشدد الحداد على ضرورة أن يتوجه ممثلو الجانبين إلى هذه المحادثات بصدق ومسؤولية لمفاوضات تحسم هذا الملف، ورأى أن أي اختراق يحدث في هذا الجانب سيعزز بناء الثقة وسيقود نحو تفاهمات أخرى، و سيكون له انعكاسات إيجابية على حياة كل اليمنيين.

لكن الجانب الحكومي لا يظهر الكثير من التفاؤل ويعتقد اثنان من المسؤولين سألتهم «الشرق الأوسط» أن الحوثيين غير جادين ويريدون تحقيق مكاسب اقتصادية فقط من خلال هذه الجولة، لأنهم يريدون الحصول على رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم لامتصاص النقمة الشعبية الواسعة، ويرغبون في الحصول على حصة من عائدات تصدير النفط، دون أن يكون هناك مقابل أو تقديم تنازلات فعليه تخدم مسار السلام، فيما يتعلق بتوحيد العملة والبنك المركزي.

ووفق ما أكده المسؤولان فإن الجانب الحكومي الذي قدم الكثير من التنازلات من أجل السكان في مناطق سيطرة الحوثيين بحكم مسؤوليته عن الجميع، سيشارك بإيجابية في المحادثات الاقتصادية وسيكون حريصاً على إنجاحها والتوصل إلى اتفاقات بشأنها استناداً إلى مضامين خريطة طريق السلام التي كانت حصيلة جهود وساطة قادتها السعودية وعُمان طوال العام الماضي وحتى الآن.