دراسة: علاج موضعي مُحتمل لـ«جدري القردة»

يعتمد على تركيبة أدوية متداولة حالياً

علاج محتمل لـ«جدري القردة» يلوح في الأفق (المصدر: public domain)
علاج محتمل لـ«جدري القردة» يلوح في الأفق (المصدر: public domain)
TT

دراسة: علاج موضعي مُحتمل لـ«جدري القردة»

علاج محتمل لـ«جدري القردة» يلوح في الأفق (المصدر: public domain)
علاج محتمل لـ«جدري القردة» يلوح في الأفق (المصدر: public domain)

اكتشف العلماء في معهد «رينسيلار» للعلوم التطبيقية بأميركا، من خلال البحث والاختبار الجزيئي الحيوي، علاجاً موضعياً محتملاً لـ«جدري القردة».
والعلاج الجديد الذي تم الإعلان عنه في العدد الأخير من دورية «موليكليس»، هو نتاج سنوات الدراسة التي قضاها الباحثون في التحقيق بهياكل الفيروسات مثل عائلة «الجدري، وزيكا، وحمى الضنك، والهربس، وفيروسات (كورونا)، والتهاب الكبد».
وتكون لدى الباحثين خبرة سابقة في تفاعل البروتينات الفيروسية والسكريات، وقادت هذه الخبرة إلى بعض الأدوية الموجودة بالأسواق، وباستغلال تلك الخبرة، وهذه الأدوية، تمكن الباحثون من الاكتشاف السريع للعلاج المحتمل لـ«جدري القردة»، والذي سيكون موضعياً.
ولا تزال تجارب العلاج الجديد في المراحل الأولى، ومع ذلك، يعتقد الباحثون أنه نظراً لأن الأدوية المستخدمة فيه تمت الموافقة عليها من قِبل إدارة الأغذية والعقاقير، «فسيكون هناك مسار سريع للاختبارات السريرية والموافقة المحتملة كعلاج لـ(جدري القردة)».
ويقول فومينغ تشانغ، كبير الباحثين بالدراسة في تقرير نشره (الجمعة) الموقع الإلكتروني لمعهد «رينسيلار» للعلوم التطبيقية، «في السنوات الثلاث الماضية، اتخذت الأمراض الفيروسية أهمية جديدة وتركيزاً على البحث والتطوير مع جائحة (كوفيد - 19)، وخلال هذه السنوات نظرنا في معهد (رينسيلار) للعلوم التطبيقية، في بنية الفيروسات وتفاعل البروتينات الفيروسية المختلفة مع أهدافها الخلوية البشرية، وقادتنا هذه التجربة إلى اكتشافنا لهذا العلاج الموضعي المحتمل».
وأظهرت الدراسات السابقة أن «كبريتات الهيباران» على سطح الخلية، مهمة لعدوى فيروس الوقس (VACV)، وهو أحد فيروسات عائلة الجدري. ووجدت هذا الدراسات أن بروتين ((A27 في الفيروس، يتوسط في ارتباطه بـ«كبريتات الهيباران» على سطح الخلية، كما وجدت نفس الدراسات بعض أنواع «الغليكوزامينوجليكان» ترتبط هي الأخرى بالبروتينات الموجودة في فيروسات عائلة الجدري.
و«الغليكوزامينوجليكان»، المعروف أيضاً باسم عديدات السكاريد المخاطية، هي هياكل كربوهيدراتية، لها وظيفة الجزيئات الحيوية الهيكلية التي يمكن العثور عليها بشكل أساسي في النسيج الضام، وأنسجة العظام، وبين الخلايا والأنسجة الظهارية.
وفي الدراسة الجديدة، أظهر الباحثون أن «بروتين ((A29. في فيروس (جدري القردة)، وهو شبيه ببروتين ((A27 في فيروس الوقس، يرتبط هو الآخر بـ(الغليكوزامينوجليكان) و(كبريتات الهيباران)».
وتعتبر الشحنات السالبة على «الغليكوزامينوجليكان» مهمة لتفاعلها مع بروتين جدري القردة (A29). ووجدوا أن مكونات مثل «عديد سلفات البنتوزان» و«عديد السكاريد المخاطي»، الموجودة في بعض الأدوية، تثبط هذا التفاعل. وخلصوا إلى أن «هذا الفهم التفصيلي للتفاعلات الجزيئية التي ينطوي عليها هذا المرض، سيؤدي إلى تسريع تطوير العلاجات والأدوية لـ(جدري القردة)».
ولا يوجد علاج مؤكد لعدوى فيروس «جدري القردة» في الوقت الحالي، وللسيطرة على تفشي مرض «جدري القردة»، يتم استخدام لقاح الجدري والأدوية المضادة للفيروسات والجلوبيولين المناعي.



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».