إعلان التعبئة العسكرية في روسيا يطلق احتجاجات واسعة ويثير مخاوف دول الجوار

مضت روسيا قدماً اليوم (الخميس)، في أكبر عملية تجنيد لها منذ الحرب العالمية الثانية. وأشار أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعبئة 300 ألف جندي روسي آخر للقتال إلى تصعيد كبير للحرب.
وقال الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف اليوم، إن «أي أسلحة في ترسانة موسكو، بما في ذلك الأسلحة النووية الاستراتيجية، يمكن أن تُستخدم للدفاع عن الأراضي التي تنضم لروسيا من أوكرانيا».
وزاد ميدفيديف، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أن الاستفتاءات التي تنظمها السلطات التي عيّنتها روسيا في عدة مناطق أوكرانية، «لا عودة عنها إلى الوراء». وتابع: «ستقبل روسيا ضم جمهوريتي (دونيتسك ولوغانسك) في دونباس وأراضٍ أخرى». وأوضح أن القوات المسلحة الروسية ستعزز حماية جميع الأراضي بشكل كبير، مضيفاً: «أعلنت روسيا أنها يمكن أن تستخدم لتحقيق هذه الحماية قدرات التعبئة وأي أسلحة روسية أيضاً، بما في ذلك الأسلحة النووية الاستراتيجية».
ومن المتوقع على نطاق واسع أن تسفر الاستفتاءات، التي من المقرر إجراؤها اعتباراً من غد (الجمعة) في الأجزاء التي تسيطر عليها روسيا بأقاليم دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا وجزء من إقليم ميكولايف في أوكرانيا، عن نتائج تؤيد بأغلبية ساحقة الانضمام إلى روسيا.
ووصفت كييف وحلفاؤها الغربيون الاستفتاءات، التي أُعلن عن تنظيمها قبل أيام قليلة تحت السيطرة العسكرية الروسية، بأنها «صورية» و«لا أساس قانونياً لها».
وبعد مرور يوم واحد على إعلان التعبئة العسكرية في البلاد لدعم العمليات في مناطق الجنوب والشرق الأوكراني، بدا أن التداعيات الداخلية اتخذت أبعاداً غير متوقعة، خصوصاً على صعيد تصاعد موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بالتزامن مع تسجيل محاولات «فرار جماعي» لعشرات الألوف من الشبان في سن التنجيد إلى بلدان مجاورة، ما أثار قلقاً لدى حرس الحدود في هذه المناطق.
وسعى الكرملين إلى التخفيف من وقع التداعيات عبر تأكيد أن قرار التعبئة العسكرية لن يؤثر على سير العمليات العسكرية في أوكرانيا، وقال ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، إن وضع العملية العسكرية الخاصة بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية في روسيا «لم يتغير»، موضحاً أن قرار بوتين «لا يعني تحول العمليات الجارية إلى حرب شاملة».

ولفت بيسكوف إلى أن الحكومة تعد نشرة تعليمات حول من يحق لهم الحصول على تأجيل أو إعفاء من التعبئة الجزئية.
وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، قد قال إنه بموجب المرسوم الرئاسي يجري استدعاء ما مجموعه 300 ألف جندي احتياطي.
وقلل بيسكوف من أهمية تقارير غربية تحدثت على عمليات «الفرار الجماعي» ووصفها بأنها «مبالغ فيها» وتهدف إلى تشويه صورة روسيا.
وشهدت المدن الروسية خلال اليوم الأخير، موجة احتجاجات واسعة أعادت التذكير بموجات الاحتجاج التي أعقبت اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي.
وأفادت تقارير بأنه أُلقي القبض على أكثر من ألف شخص في روسيا، وذلك خلال مظاهرات في مختلف أرجاء البلاد.
ونقلت وكالات أنباء غربية عن مشاركين في الاحتجاجات أنهم «نزلوا إلى الشوارع للتعبير عن خوف» واشتكى آخرون من أن «هناك من يقرر مستقبلنا بدلاً منا».
وقال المتظاهر فاسيلي فيدوروف، وهو طالب وضع شعار السلام على صدره: «الجميع خائفون، أنا أؤيد السلام ولا أريد أن أُرغم على إطلاق النار. لكن الخروج إلى الشارع الآن يقابله خطر كبير».
وقال متظاهر آخر يدعى أليكسي (60 عاماً)، رفض كشف اسمه الكامل: «جئت للمشاركة في المظاهرة، لكن يبدو أنهم اعتقلوا الجميع. هذا النظام أدان نفسه ويدمِّر شبابه».
في الوقت ذاته، أظهرت بيانات شركات الطيران ووكالات السفر المنشورة (الأربعاء)، أن الرحلات الجوية المغادرة من روسيا أصبحت محجوزة بشكل شبه كامل هذا الأسبوع، الأمر الذي يوحي بخروج جماعي للأشخاص غير الراغبين في المشاركة في الحرب.
أظهرت بيانات «غوغل تريندس» ارتفاعاً حاداً في عمليات البحث على «أفياسيل»، وهو الموقع الأكثر شعبية في روسيا لشراء تذاكر الرحلات الجوية.
ونفدت تذاكر الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى إسطنبول في تركيا ويريفان في أرمينيا، وهما وجهتان تسمحان للروس بالدخول من دون تأشيرة، وفقاً لبيانات شركة «أفياسيل».
ولم تعد هناك أماكن متوافرة في بعض الرحلات غير المباشرة أيضاً، مثل الرحلات من موسكو إلى تبليسي العاصمة الجورجية، مع وصول تكلفة أرخص الرحلات الجوية من موسكو إلى دبي إلى أكثر من 300 ألف روبل (خمسة آلاف دولار) وهو خمسة أضعاف متوسط الأجور الشهرية تقريباً.
ونشرت مجلة «نيوزويك» اليوم، تقريراً موسعاً حول طابور سيارات يتجاوز ستة أميال (10 كيلومترات) على الحدود بين روسيا وجورجيا، نقلاً عن برنامج خرائط. بالإضافة إلى تسجيل زحمة سير خانقة على المعابر البرية من روسيا باتجاه جورجيا وفنلندا.
ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن متحدثين في دول حوض البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، قولها إنها ليست مستعدة لتقديم اللجوء تلقائياً للروس الفارين من التعبئة العسكرية. وكانت تلك الدول قد أغلقت حدودها أمام معظم الروس في وقت سابق هذا الأسبوع.
في لاتفيا، قال وزير الخارجية إيدغارز رينكيفيكس، اليوم، إن بلاده لن تصدر تأشيرات لأسباب إنسانية أو تأشيرات أخرى للروس الذين يسعون لتجنب التعبئة، مرجعاً ذلك لأسباب أمنية. وأضاف: «يجب ألا نستسلم لابتزاز بوتين ويجب أن ندعم أوكرانيا بقدر ما نستطيع. روسيا تشكل اليوم خطراً على أوروبا والسلام العالمي مثلما كانت ألمانيا النازية في القرن الماضي».
في غضون ذلك، قال وزير الدفاع الليتواني، أرفيداس أنوساوسكاس، اليوم، إن مسألة التجنيد الإجباري في الجيش لا تكفي كسبب لحصول الروس على حق اللجوء.
وقال إنوساوسكاس لـ«أسوشييتد برس»: «اللجوء السياسي يُمنح لأولئك الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب معتقداتهم أو لأسباب أخرى مماثلة».
من جانبه، وصف وزير الداخلية الإستوني، لوري لانيميتس، الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه «مسؤولية جماعية للمواطنين الروس»، وقال إن السماح بالفرار من الخدمة العسكرية المحتملة ينتهك عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تستهدف موسكو. وأضاف أن «الخطوة التي اتخذها بوتين تعزز العقوبات التي فرضناها حتى الآن لأنه من المأمول أن تزيد من السخط بين السكان».
من جهته، كشف حرس الحدود الفنلندي في ساعة مبكرة من صباح اليوم، أن حركة المرور على الحدود الشرقية مع روسيا «كثيفة». وقال رئيس الشؤون الدولية بحرس الحدود الفنلندي، ماتي بيتكانيتي: «من الواضح أن الأرقام ترتفع».
وتابع: «إنه رقم استثنائي»، مضيفاً أن الوضع تحت السيطرة وحرس الحدود مستعدون عند 9 نقاط تفتيش.
فيما قال وزير الدفاع الفنلندي، أنتي كاكونين، إن فنلندا تراقب عن كثب الوضع في روسيا المجاورة بعد أمر الرئيس بوتين بالتعبئة العسكرية. وأضاف: «فيما يتعلق بمحيط فنلندا، يمكنني القول إن الوضع العسكري مستقر وهادئ... قواتنا الدفاعية مستعدة جيداً والوضع مراقَب عن كثب».