تفشي حمي الوادي المتصدع... ضريبة هطول الأمطار الغزيرة

حمى الوادي المتصدع في موريتانيا تزيد بعد هطول الأمطار
حمى الوادي المتصدع في موريتانيا تزيد بعد هطول الأمطار
TT

تفشي حمي الوادي المتصدع... ضريبة هطول الأمطار الغزيرة

حمى الوادي المتصدع في موريتانيا تزيد بعد هطول الأمطار
حمى الوادي المتصدع في موريتانيا تزيد بعد هطول الأمطار

قبل نحو 37 عاماً، نشرت منظمة الصحة العالمية دراسة، أرست فيها بشكل واضح رابطاً بين الهطول الغزير للأمطار وتفشي حمى الوادي المتصدع في كينيا، وقالت وقتها إن كينيا شهدت تفشياً للمرض، نحو 4 مرات، على مدار الـ30 عاماً التي سبقت نشر الدراسة عام 1985، وكان هطول الأمطار سمة من سمات هذه الفترات الوبائية.
ومنذ ذلك الحين، أثبتت دراسات لاحقة الأمر نفسه، من خلال تفشيات حدثت في السعودية واليمن، ويتكرر الأمر ذاته مع التفشي الحالي للفيروس في موريتانيا، وهو الأمر الذي صار أكثر تواتراً خلال السنوات الماضية، بسبب ما يشهده العالم من تغيرات مناخية، وفق خبراء.
وتعيش موريتانيا، منذ أسابيع، فيضانات وأمطاراً غزيرة، أعقبها الإعلان عن إصابات بحمى الوادي المتصدع، وهو ما تكرر أيضاً في أعوام 1987 و1998 و2003 و2010 و2012 و2015، و2020 وفق بيان أصدرته منظمة الصحة العالمية عقب التفشي السابق عام 2020.
وأعلنت وزارة الصحة الموريتانية، الاثنين الماضي، وفاة 6 أشخاص جراء إصابتهم بحمى نزفية، وهي أحد الأعراض الخطيرة لحمى الوادي المتصدع، لترتفع الوفيات جراء هذا الوباء إلى 10 أشخاص.
وحمى الوادي المتصدع تم تحديدها لأول مرة في عام 1931 أثناء تحري وباء اندلع بين الأغنام في إحدى المزارع في الوادي المتصدع بكينيا، ومنذ ذلك الحين حصلت على اسمها من موقع اكتشافها، وهي مرض فيروسي ينتقل بواسطة البعوض ويصيب كلاً من الإنسان والحيوان.
وعقب الهطول الغزير للأمطار في موسم الصيف، يتسبب غياب شبكة الصرف التي تسمح بتصريف المياه في تجمعها في بعض المنخفضات، ما يوفر بيئة خصبة لانتشار البعوض الناقل للمرض.
وكانت دراسة أميركية حديثة أجراها كاميلو مورا، عالم البيانات بجامعة هاواي، ونشرت في 8 أغسطس (آب) بدورية «نيتشر كلايمت تشانج» قد أشارت أيضاً إلى هذا الخطر المتمثل في ركود المياه بعد الأمطار الغزيرة، ما يؤدي إلى زيادة مناطق تكاثر ونمو البعوض ومجموعة مسببات الأمراض التي ينقلها، ومنها حمى الوادي المتصدع.
وذكرت الدراسة أنه على مدى عقود قليلة، أدت المخاطر المناخية المختلفة الناجمة عن الانبعاث المستمر للغازات الدفيئة إلى تفاقم أكثر من 100 من الأمراض المعدية، فضلاً عن ضعف القدرات على التعامل معها، ومنها حمى الوادي المتصدع والأمراض الأخرى التي ينقلها البعوض، الذي تمنحه الأمطار الغزيرة فرصة البقاء والانتشار.
ويقول محمد الحديدي، الأستاذ ببرنامج العلوم الطبية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، إن «هذا التأثير غير المباشر للتغيرات المناخية على انتشار المرض، أدخل تنبؤات الطقس في توقعات الخبراء بشأن الفاشيات».
ويوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستخدام بيانات التنبؤ بالطقس والمناخ التي توفرها الوكالات المعنية بالطقس، يمكن التنبؤ مبكراً بحمى الوادي المتصدع، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمكافحة المرض».
بدوره يقول شيوري كوداما، استشاري الوقاية من الأخطار المعدية والتأهب لها في المكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة «الصحة العالمية» لـ«الشرق الأوسط» إن «زيادة الوعي بعوامل الخطر المتعلقة بعدوى حمى الوادي المتصدِع وكذلك التدابير الوقائية الأخرى، مثل مكافحة النواقل والحماية من لدغات البعوض، هو المفتاح لتقليل العدوى والوفيات البشرية».
ويشير كوداما إلى ضرورة «توخي الحذر الشديد عند التعامل مع الحيوانات المريضة أو المرضى من البشر وعينات المختبر».
ونظرا لأن تفشي حمى الوادي المتصدِع في الحيوانات يسبق الحالات البشرية، يشدد كوداما، على «ضرورة إنشاء نظام نشط لمراقبة صحة الحيوان لتوفير الإنذار المبكر لسلطات الصحة الحيوانية والعامة، ويمكن للتحصين الروتيني للحيوانات في المناطق الموبوءة أن يمنع الأوبئة الحيوانية لحمى الوادي المتصدِع».
ويحذر كوداما من «حملات التطعيم أثناء تفشي حمى الوادي المتصدع لأنها قد تزيد من انتقال العدوى بين القطيع، لذلك فإن الحجر الصحي للماشية، وحظر الذبح ربما تكون أكثر التدابير فاعلية ضد انتشار المرض خلال مرحلتي ما قبل تفشي المرض وتفشي المرض».
ووفق منظمة الصحة العالمية، يُعتبر رش مبيدات اليرقات في أماكن توالد البعوض الوسيلة الأكثر فاعلية في مكافحة نواقل المرض، وذلك إذا أمكن تحديد أماكن التوالد بوضوح، وكانت هذه الأماكن محدودة الحجم والنطاق.
وتابعت المنظمة في الصفحة الخاصة بالمرض على موقعها الإلكتروني قائلة: «لكن في أوقات الفيضانات، عادة ما يكون عدد وحجم أماكن توالد البعوض كبيراً، ما يجعل تدابير رشّ مبيدات اليرقات غير مجدية».
وأوضحت المنظمة في موقعها أن معظم الحالات البشرية التي تصاب بهذا المرض تكون خفيفة نسبياً، وتصاب نسبة مئوية قليلة من المرضى بأعراض أشد وخامة، منها مرض عيني (0.5 – 2 في المائة من المرضى)، أو التهاب السحايا والدماغ (أقل من 1 في المائة)، أو حمى نزفية (أقل من 1 في المائة).
وتـتراوح مدة حضانة الفيروس (الفتـرة من العدوى حتى بداية ظهور الأعراض) من يومين إلى 6 أيام، ويعاني المصابون بالعدوى إما من أعراض يتعذر اكتشافها، وإما من شكل خفيف من المرض يكون على شكل حمى شبيهة بالإنفلونزا، وآلام في العضلات، وآلام في المفاصل، وصداع.
وعادة ما تستمر أعراض حمى الوادي المتصدع مدة 4 أيام إلى 7 أيام، لتبدأ بعدها الاستجابة المناعية نتيجة ظهور الأجسام المضادة، ويختفي الفيروس تدريجياً من الدم.
وبينما يمكن اتقاء فاشيات المرض بين الحيوانات عن طريق تنفيذ برنامج مستمر لتطعيمها، لا يوجد تطعيم تجاري متاح للبشر.
وتم تطوير لقاح يعتمد على تقنية «الفيروس المعطل» للاستخدام البشري، غير أن هذا اللقاح غير مرخص به وغير متاح على النطاق التجاري حتى الآن، وقد استخدم في المختبر لحماية العاملين البيطريين والمختبريين المعرضين بشدة لمخاطر العدوى بالحمى.


مقالات ذات صلة

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».