نظم الذكاء الصناعي تتنبأ بوقوع الجرائم

نظم الذكاء الصناعي تتنبأ بوقوع الجرائم
TT

نظم الذكاء الصناعي تتنبأ بوقوع الجرائم

نظم الذكاء الصناعي تتنبأ بوقوع الجرائم

هناك تاريخ طويل لاستخدامات نظم الذكاء الصناعي في التنبؤ بالجرائم، ابتدأ أولاً بدفع تلك النظم لرجال الشرطة باتجاه اتهام أصحاب البشرة الملوّنة بالجرائم، ولكن ذلك لم يمنع الباحثين من الاستمرار في محاولة تطوير أدوات خاصّة للتنبؤ بالجريمة.

التنبؤ بالجريمة
في عالم فيلم «تقرير الأقلية» (2002) تكاد تكون الجريمة معدومة لأنّ العرّافين يتوقّعون موعد حدوث جرائم القتل، ما يتيح للشرطة التدخّل واعتقال «الذين يوشكون على ارتكاب الجريمة».
ويلاحق الباحثون منذ زمن طويل الإمكانية غير الأكيدة للتنبؤ بالجريمة قبل حصولها. وقد كشف فريق من جامعة شيكاغو الشهر الفائت النقاب عن خوارزمية جديدة قادرة على تنبؤ الجريمة بدقّة تصل إلى 90 في المائة.
تحدّد الخوارزمية مواقع في المدن الكبرى، تواجه، وفقاً لحساباتها، خطراً مرتفعاً من جرائم قتل وسرقة ستقع في الأسبوع التالي. يستطيع البرنامج أيضاً تقييم تفاوت نشاط الشرطة بين الأحياء في ثمانية مدن أساسية في الولايات المتحدة منها شيكاغو، ولوس أنجليس، وفيلادلفيا.
ولكنّ استخدام الذكاء الصناعي لتوجيه أجهزة إنفاذ القانون يثير حنق الكثير من علماء العدالة الاجتماعية والجريمة، الذين يتخوّفون من تاريخ طويل راكمه هذا النوع من التقنيات في توجيه الشرطة خطأً باتجاه الجاليات الأفريقية واللاتينية، لا سيّما أنّ أحد الباحثين المشاركين في الدراسة الجديدة اعترف بأنّ قدرة الخوارزمية على التنبؤ بالجريمة محدودة.وقد رأى إيشانو تشاتوبادياي، أستاذ محاضر في جامعة شيكاغو والباحث الرئيسي في الدراسة، أنّ «الماضي لا يقول لنا شيئاً عن المستقبل. ولكن السؤال هو: ما درجة تأثير الماضي على المستقبل؟ وما المدى الحقيقي لعفوية وعشوائية الأحداث؟ هذه هي التفاصيل التي تحدّ قدرتنا على التنبؤ»
في السنوات الخمس عشرة الماضية، بدأ أكبر أقسام الشرطة في الولايات المتحدة كنيويورك ولوس أنجليس وشيكاغو، بدراسة وسائل تتيح لها استخدام الذكاء الصناعي ليس فقط لتحليل الجريمة، بل للتنبؤ بها أيضاً. لجأت هذه الأقسام في معظم الأحيان إلى شركات تحليل البيانات كـ«بريد بول» و«بلانتير»، اللتين تطوّران برمجيات تستخدمها أجهزة إنفاذ القانون في توقّع الجريمة.
تعتمد أدوات التنبؤ التي تستخدمها الشرطة على تغذية الخوارزميات بالبيانات –كتقارير الجرائم، وسجلات الاعتقال، وصور لوحات السيارات. يدرّب المختصون هذه الخوارزميات على البحث عن أنماط تتوقع مكان وزمان وقوع نوع محدّد من الجرائم التي ستحصل في المستقبل.

أداء وتحيّز
ولكنّ جودة أداء الخوارزمية مرتبطة بجودة البيانات التي تتغذّى بها، الأمر الذي يشكّل تحدياً كبيراً للنّاس في الولايات المتّحدة، كما يشرح فنسنت ساوثرلاند، مدير مركز العرق واللامساواة والقانون في جامعة نيويورك.
ويشدّد ساوثرلاند على أنّ التاريخ يشهد أنّ بيانات الشرطة الأميركية منحازة وغير محايدة. يميل عناصر الشرطة غالباً إلى اعتقال أو إدانة أشخاص من أحياء فقيرة يغلب عليها أصحاب البشرة الملوّنة، إلّا أنّ هذه الحقيقة لا تعكس بالضرورة مكان حصول الجريمة، بل المواقع التي يمضي فيها عناصر الشرطة معظم أوقاتهم.
يضيف ساوثرلاند أنّ «الشرطة الأميركية تملك بيانات ملوّثة أو موسومة ببعض الانحياز – وهذا الانحياز سيظهر في الطرف المقابل من التحليل. بمعنى آخر، ستحصلون من هذا التحليل على نتائج تشبه ما وضعتموه في الأساس».
تسببت برمجيات التوقّع التي تستخدمها الشرطة في مشكلات كثيرة في العالم الحقيقي. فقد عمد مركز شرطة لوس أنجليس عام 2019 إلى تعليق العمل ببرنامج «ليزر» للتنبؤ الذي استخدم بيانات التاريخ الجنائي لتوقع البقع الساخنة للجرائم، بالإضافة إلى برنامج «بلانتير» الذي يحدّد نسبة الخطر التي يشكّلها الأشخاص، بعد أن أظهر تحقيق داخلي أنّه تسبب في تعريض أشخاص من أصحاب البشرة السوداء والعرق اللاتيني لمراقبة غير محقّة من الشرطة.
واستخدمت شرطة شيكاغو برمجيات تنبؤية من تطوير «معهد إلينوي للتقنية» لوضع لائحة بالأشخاص الذين تزيد أرجحية تورّطهم بجرائم عنيفة، ولكنّ البرنامج توقّف عن العمل عام 2020.
من جهته، رأى جون س. هوليوود، باحث أوّل في مؤسسة «راند للأبحاث والتطوير» التي ساعدت قسم شرطة شيكاغو في التحقيق باستخدام خوارزميات تنبؤية، أنّ الخوارزميات التي تستخدمها الشرطة «ليست كرة بلّورية» وأنّه من الأفضل النظر للوضع بشمولية... ما الأمور التي تحصل في مجالات معيّنة في المجتمع وتؤدي إلى حصول الجرائم حالياً؟».
من جهته، أقرّ تشاتوبادياي بأن أفراد فريقه طوّروا البرنامج وهم على دراية بتاريخ الخوارزميات المضطرب، كما يقول برانشو فيرما، الخبير الإعلامي في التقنية في واشنطن.

برنامج ذكي
وخلال صناعتهم للخوارزمية، قسّم فريق تشاتوبادياي المدن الكبرى لمربّعات بمساحة 1000 قدم مربع (93 متراً مربعاً)، واستخدموا لتدريبه بيانات الجريمة في المدينة من مدّة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. تتوقّع هذه الخوارزمية ارتفاع أو انخفاض خطر حصول جريمة في أحد الأقسام وفي وقت معيّن خلال مهلة أسبوع.
للحدّ من احتمال الانحياز، حذف الفريق بعض أنواع البيانات كالاعتقالات لحيازة الماريغوانا، ومخالفات المرور، والجرائم الطفيفة، لأنّ الأبحاث أظهرت أنّ أصحاب البشرة السوداء واللاتينيين يُستهدفون غالباً في هذا النوع من الجرائم. عوضاً عن ذلك، عمدوا إلى تزويد الخوارزمية ببيانات حول جرائم القتل، والاعتداءات الجسدية والجرائم التي تطال الأملاك كسرقة الشقق والدراجات النارية.
ولكنّه قال إن الهدف الرئيسي من الدراسة هو استخدام الخوارزمية للتحقيق بانحياز الشرطة. فقد قارن فريقه بيانات الاعتقال من أحياء بمستويات اجتماعية واقتصادية متنوعة، ووجدوا أنّ الجرائم التي وقعت في أغنى الأحياء أدّت إلى مزيد من الاعتقالات، بينما لم يكن للجريمة نفس التأثير في الأحياء الفقيرة، ما أظهر تناقضاً في إنفاذ القانون.
في المقابل، رأى أرفيند نارايانان، أستاذ محاضر في علوم الكومبيوتر في جامعة برينستون، أنّ البيان الصحافي والمقالات التي تناولت الدراسة لم تركّز بالدرجة الكافية على مسعى الدراسة للتحقيق في انحيازات الشرطة في إنفاذ القانون، بل بالغت في التركيز على ادعاءات دقّة الخوارزميات.
وأضاف أنّ «الدقّة مرّة واحدة في الأدوات التنبؤية في أعمال الشرطة ليست كافية على الإطلاق لتقييم فاعلية الأداة. الجريمة نادرة، وهذا يرجّح أنّ معظم تنبؤات الجرائم كانت نتائج إيجابية خاطئة».
يلفت علماء العدالة الجنائية وخبراء الشرطة والتقنية إلى أنّ دقّة الخوارزمية لا تعني عدم استخدامها من أجهزة إنفاذ القانون لاستهداف أصحاب البشرة الملوّنة وأولئك الذين يعيشون في أحياء فقيرة بمراقبة غير مبررة.
وافق جون س. هوليوود، من مؤسسة «راند للأبحاث والتطوير» هذا الرأي، ورأى أنّ تقليل معدّل الجريمة حقاً يتطلّب من أقسام الشرطة التعاون مع الاختصاصيين الاجتماعيين والمجموعات المحلية لمعالجة مشكلات التعليم والإسكان والانخراط المدني.
وأخيراً، وصف هوليوود الخوارزميات «بالأشياء البرّاقة واللماعة التي تؤدي غالباً إلى التشتيت».



الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».