شاشات : أستاذ المشكلات

عادل إمام
عادل إمام
TT

شاشات : أستاذ المشكلات

عادل إمام
عادل إمام

إخراجيًا، وبين ما شاهدت حتى الآن، «أستاذ ورئيس قسم» (إم بي سي) هو الأفضل.
يتضمن ذلك سهولة الانتقال بين الأحداث. سلاسة حركة الكاميرا وتوزيع اللقطات وتعدد أنواعها وأحجامها. تقديم الشخصيات ضمن فترات زمنية محددة. ولأن الإخراج مسؤول عن كل شيء، فإن ذلك يتضمن تلقائية الأداءات وسلاسة الحوار وسرعة انتقال العمل بأسره من كونه مادة ما زالت غريبة على المشاهد (في حلقتها الأولى) إلى إشادة تآلف سريع مع كل الشخصيات الواردة.
المخرج هو وائل إحسان الذي سبق له وأن اشتغل سينما وتلفزيون وبنجاح في المضمارين. الكاتب هو يوسف معاطي، من كتّاب المسلسلات الملمّين. والبطولة هي لعادل إمام الذي لا يحتاج لكلمة تعريف واحدة.
الحلقتان الأولى والثانية توفر بحرًا من المعلومات حول الشخصيات. الأولى بالتحديد تطرح سريعًا عدة أزمات تحت عنوان زمني: «ديسمبر (كانون الأول) 2010».
هناك البطالة المنتشرة بين الخريجين وزحام السير والفيضان السكاني وارتفاع نسب الولادة في وقت اقتصادي عصيب.
من هذه العناوين الصغيرة - الكبيرة يقترب «أستاذ ورئيس جامعة» إلى صلب موضوعه. كنا تعرّفنا في المشاهد الأولى على الأستاذ فوزي وهو يتجه ليلاً صوب «كشك» صحف ويشتري جريدة. قبل أن يعود إلى سيارته تحيط به أربع سيارات (لاحقًا أصبحت ثلاثًا) وتختطفه. يتم نقله إلى منطقة صحراوية حيث ينهال عليه الخاطفون ضربًا ويتركونه مدمى.
الأستاذ فوزي هو عادل إمام والكاميرا لا تعود إليه إلا من بعد أن تقدّم شخصيات تدور في مجاله: هناك رئيس الوزراء (تميم عبده) ورئيس الجامعة (عادل أمين) وعدد من الطلاب بينهم متولي (طارق عبد العزيز) الذي سُحبت منه الوظيفة التي وُعد بها حال تخرّجه وأعطيت لابن رئيس الجامعة على الرقم من مستوى مؤهلاته المتدنية. هناك الأستاذ الذي يناصب فوزي العداء (أحمد بدير) وابن رئيس الوزراء (محمد كريم) الذي يحب ابنة صديق رئيس الوزراء وأحد كبار الأغنياء في مصر من بين شخصيات أخرى كثيرة لا يَتعب المسلسل في الانتقال بينها ولا يُتعب مشاهديه خلال ذلك.
فحوى ما عُرض إلى الآن أن رجال «النظام»، كما يقول الأستاذ فوزي عندما يدلي بأقواله للمدعي العام، هو الذين خطفوه وضربوه وذلك بسبب مبادئه الاشتراكية واليسارية. وحين ننتقل إلى بيته نجد على الجدران صورًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأكيدًا على منهجه.
حال خروج الأستاذ فوزي من المستشفى سنراه (في الحلقة الثانية) وهو يستعيد موقعه في الجامعة أمام طلابه الساعين للإضراب والمطالبة باستقالة وزير التعليم. هذا في الوقت الذي تم فيه صدور كتاب جديد يهاجم فيه رئيس الوزراء «بس مش حتلاقوه في السوق لأنهم سحبوه»، كما يقول لطلابه.
هذه المرّة، إذن، أمامنا عادل إمام في دور الأستاذ اليساري. صحيح أنه لا يقول شيئًا يُذكر يبرهن فيه عن مداركه السياسية (قد يفعل ذلك لاحقًا) لكن «أستاذ ورئيس قسم» يثبت ذلك من خلال عناوين الشخصية الأولى.
في الحلقة الثانية سنلحظ بداية اعتماد عادل إمام على ثوابته المعتادة؛ مما يخلق تناقضًا بين المكتوب والمرغوب وبين المنجز.
هناك صفتان لازمتان لديه يا ليته يتخلّى عنهما، لكن لكي يفعل عليه أن يعتمد على شجاعته المعروفة؛ الصفة الأولى إصراره على صبغ شعره باللون الأسود (تواضعًا يمكن أن يسمح لنفسه ببعض الشعر الأبيض)، والثانية إصراره (في كل فيلم ومسلسل) أن يظهر لجمهوره أنه «واد لعبي» ما زال يحب النساء وقادرًا على جذبهن بابتسامته.
ثم هناك بالطبع ميله الدائم (أيضًا) لتصغير شأن وقيمة الشخصيات المحيطة. لا أحد منها يجب أن يكون ذكيًا مثله. حين يلتقي وطلبته يضع فاصلاً بين مكانته ومكانتهم. هو عضو في «الحزب اليساري الجديد» لكنه لا يؤمن بقدرات سكرتيره العام. يريد مساعدة متولي، لكن المسلسل يمنح متولي صفة الفلاح الساذج. ولديه سائق سيارة (محمد عبد الرحمن)، لكن صفات الغباء تواكبه في كل كلمة.
على عادل إمام أن يبدأ تأسيس شخصية جديدة واثقًا من قدراته الخاصة من دون ذلك الميل الدائم صوب تصغير شأن المحيطين به، خصوصًا الرجال الذين هم من صفّه، في كل مشهد يلتقي بهم. عادة درج عليها منذ مطلع نجوميّته.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».