الحوثيون يتحدثون عن «تقدم» في جنيف.. ويريدون حوارًا مباشرًا مع السعودية

الأمم المتحدة فشلت في تنظيم الجلسات.. وحزب الرئيس السابق: سنتعامل مع القرار الأممي 2216 بإيجابية رغم عيوبه

رئيس وفد الحوثيين في جنيف حمزة الحوثي لدى التقاطه الحذاء الذي ألقته عليه ناشطة يمنية جنوبية اثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
رئيس وفد الحوثيين في جنيف حمزة الحوثي لدى التقاطه الحذاء الذي ألقته عليه ناشطة يمنية جنوبية اثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يتحدثون عن «تقدم» في جنيف.. ويريدون حوارًا مباشرًا مع السعودية

رئيس وفد الحوثيين في جنيف حمزة الحوثي لدى التقاطه الحذاء الذي ألقته عليه ناشطة يمنية جنوبية اثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
رئيس وفد الحوثيين في جنيف حمزة الحوثي لدى التقاطه الحذاء الذي ألقته عليه ناشطة يمنية جنوبية اثناء المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)

يبدو أن الأمم المتحدة الراعية للمشاورات الحالية لحل الأزمة اليمنية في جنيف فشلت في تنظيم الجلسات بالطريقة التي حددتها سابقًا، أي بين الطرف الممثل للحكومة والطرف الممثل لحركة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي ومكونات أخرى، في غرفتين منفصلتين داخل مقر المنظمة الدولية المخصص للشؤون الإنسانية. لكن عمومًا جرت لقاءات بين المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد وممثلي الوفد الحكومي وأيضا مع ممثلي فريق «الحوثي - صالح» وبات الكثيرون يتعاملون معها على أنها هي «المشاورات».
الأمر اللافت هو الفوضى التي شابت هذه العملية، إذ إن الأمم المتحدة فشلت في إعداد برنامج عمل واضح للوفدين، وحتى للإعلاميين الذين تم تركهم في مبني المنظمة الدولية دون أي بيانات رسمية أو شروحات لما تم التوصل إليه.
وأمس، تواصلت هذه المشاورات في أماكن غير معلنة، وتحدث وفد «الحوثي - صالح» للصحافيين عن بوادر «تقدم» يشمل الهدنة، وقد يعلن عنه «خلال ساعات». وقال حمزة الحوثي، الممثل عن حركة أنصار الله الحوثية خلال مؤتمر صحافي ارتجالي: «كان هناك لقاءان خلال اليومين الماضيين مع المبعوث الأممي، وحدث تقدم في بعض الأفكار، ونأمل أن يكون هناك توافق حول بعض الأسس التي تؤدي وتفضي إلى إحياء العملية السياسية خلال المرحة المقبلة». وأضاف: «نحن نقول إن هذه المشاورات شاملة ويجب أن تفضي إلى حل متكامل وشامل، أي حل سياسي وعسكري وأمني». ولما سئل عن المستوى الذي وصلته المشاورات بالضبط قال حمزة الحوثي: «المشاورات القائمة اليوم تتركز بشكل رئيسي حول الاتفاق على بعض المبادئ وبعض الأسس التي تفضي إلى بداية التباحث بين المكونات السياسية اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل ومتكامل».
بدوره، قال ياسر العواضي، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في نفس المؤتمر الصحافي: «نحن الآن في مشاورات مع المبعوث الأممي والمكونات السياسية وهناك تقدم ستشهدونه خلال الساعات القادمة». وأضاف: «نحن مستعدون (للتوصل) إلى اتفاق شامل على حكومة انتقالية تتسلم ليس فقط مدينتي عدن وتعز وإنما تتسلم المحافظات الـ22 للجمهورية اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء وصعدة»، معقل الحوثيين. وتابع أنه بموجب الاتفاق المأمول «تنسحب جميع الميليشيات والمجموعات المسلحة من كل المدن اليمنية بسلطة شرعية يتم التوافق عليها». وبشأن الهدنة الإنسانية المقترحة قال العواضي: «نحن مستعدون لوقف إطلاق نار كامل، وأعتقد أن الهدنة سيعلن عنها من طرف واحد».
ويعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الحوثي والعواضي أول من أمس من نوعه داخل مقر الأمم المتحدة. وكان وزير الخارجية اليمني رياض ياسين رئيس الوفد الحكومي المشارك في المشاورات قد انتقد الليلة قبل الماضية وفد «الحوثي - صالح» بأنه منذ وصوله جنيف «ظل ماكثًا في الفندق (الذي نزل فيه) يطلق الشائعات» و«لم يأت قط» إلى مبنى الأمم المتحدة. ولدى سؤاله من قبل «الشرق الأوسط» حول تعليقه على هذه النقطة قال العواضي: «إلى هذه اللحظة لم تصلنا دعوة للقدوم إلى مقر الأمم المتحدة».
ويبدو أن المبعوث الأممي لم يدعُ وفد «الحوثي - صالح» إلى مبنى الأمم المتحدة لأن هذا الفريق كان طرح خلال الأيام الماضية ما يشبه شروطًا لا تتوافق مع ما اتفق عليه بشأن المشاورات، ومن ذلك مطالبته بمشاركة 23 موفدًا وليس 7 مثلما اتفق خلال التحضيرات للعملية، وأيضا مطالبته بإجراء المشاورات داخل غرفة واحدة وليس في غرفتين منفصلتين مثلما أعلنت الأمم المتحدة سابقًا وأعدت لذلك الغرفتين بالفعل.
وعلق حمزة الحوثي على هذه الشروط قائلاً: «نحن نؤكد أن المشاورات هي بين المكونات السياسية اليمنية المتعددة المتنوعة وكل مكون له وجهة نظره الخاصة ورؤيته الخاصة، وبالتالي من غير الصحيح ومن غير السليم اختزال هذه المكونات جميعا في صفين أو جهتين أو جبهتين».
ويطرح فريق «الحوثي - صالح» منذ البداية فكرة إجراء المشاورات بين «مكونات سياسية»، رافضًا فكرة الحوار بين الحكومة الشرعية من جهة والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى. وشدد العواضي على هذه النقطة، بل تطرق إلى نقطة أبعد عندما عرض الحوار مع السعودية. فقال القيادي في حزب الرئيس السابق صالح إن أعضاء الطرف الآخر «إذا جاءوا ممثلين لمكونات سياسية يمنية فسنتشاور معهم، أما إذا جاءوا يمثلون الرياض فهذا موضوع آخر». ولما سئل عما كان فريقه راغبًا ومستعدًا لمحادثات مع وفد سعودي مباشرة، قال العواضي: «نعم، نحن مستعدون أن نجلس مباشرة كطرف يمني على طاولة واحدة، والسعودية ودول التحالف تأتي على طرف واحد. ليس لدينا مشكلة مع هذا».
الأمر اللافت الآخر تمثل في الموقف «الجديد» من فريق «الحوثي - صالح» تجاه القرار 2216 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في أبريل (نيسان) الماضي ويدعو الحوثيين للانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة وإطلاق سراح من يحتجزونهم. وقال العواضي لما سألته «الشرق الأوسط» أمس حول موقف حزبه من القرار الأممي: «القرار 2216 سنتعامل معه بإيجابية، ولكنه يحتاج إلى آليات (بسبب) العيوب والأخطاء التي فيه». وكان الوفد الحكومي يصر على أنه قدم إلى جنيف لهدف وحيد يتمثل في مناقشة آليات تطبيق القرار 2216. يذكر أن الأطراف المعنية باجتماعات جنيف وافقت أول من أمس على تمديد المشاورات يومين إضافيين، أي حتى اليوم الجمعة، وذلك بعد اجتماعات جديدة مع سفراء مجموعة الـ16 التي تضم الدول الراعية للمبادرة الخليجية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.