متطرفون يهود يحرقون كنيسة تاريخية على شاطئ طبرية

وراء الجريمة مستوطنون من الضفة الغربية أطلقت الشرطة الإسرائيلية سراحهم

راهبة تقف وسط كنيسة «خبز وسمك» الواقعة على شط بحيرة طبرية والتي تعرضت لحريق أمس (رويترز)
راهبة تقف وسط كنيسة «خبز وسمك» الواقعة على شط بحيرة طبرية والتي تعرضت لحريق أمس (رويترز)
TT

متطرفون يهود يحرقون كنيسة تاريخية على شاطئ طبرية

راهبة تقف وسط كنيسة «خبز وسمك» الواقعة على شط بحيرة طبرية والتي تعرضت لحريق أمس (رويترز)
راهبة تقف وسط كنيسة «خبز وسمك» الواقعة على شط بحيرة طبرية والتي تعرضت لحريق أمس (رويترز)

شب حريق يشتبه في أنه متعمد، فجر أمس، في كنيسة الطابغة الأثرية على ضفاف بحيرة طبرية، مخلفا أضرارا جسيمة. وعندما حاول الرهبان والراهبات والمارون صدفة من المكان إخماد الحريق، أصيب اثنان منهم بحالات اختناق متوسطة. وقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية 16 فتى ومعلمهم من المستوطنين في الضفة الغربية، كانوا يتجولون في المكان، وحققت معهم في الجريمة. لكنها عادت وأطلقت سراحهم بعد ساعات. وقد عثر في المكان على كتابات بالعبرية تنادي بالقضاء على «الوثنيين»، مما يركز الشكوك على قوى اليمين المتطرف اليهودية وراء الجريمة.
وقالت لوبا السمري المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية، إن من بين الموقوفين عشرة من مستعمرة «يتسهار» الواقعة قرب نابلس، والتي تعد معقلا للمتطرفين، وتورط بعض سكانها في حوادث أخرى على خلفية اعتداءات إرهابية كهذه. وكانت صرحت سابقا بأن طواقم الإطفاء قامت بإخماد الحريق الهائل في الكنيسة التابعة للكنيسة الكاثوليكية، والمعروفة باسم «كنيسة الخبز والسمك»، تيمنا بمعجزة السيد المسيح المذكورة في الإنجيل، التي بموجبها قام بتكثير الخبز لإطعام الفقراء. وتقع الكنيسة قرب كفار ناحوم على ضفاف بحيرة طبرية شمالي إسرائيل. وقال مستشار الكنيسة الكاثوليكية وديع أبو نصار، إن «الحريق متعمد، نحن نتعامل مع مدلولات الكتابة الموجودة التي تصف المسيحيين بأنهم عبدة الأوثان. وهذه شعارات يرفعها متطرفون يهود. لكن الشرطة ما تزال تحقق، ونحن لا نستطيع اتهام أحد حاليا». وأضاف: «إن سائحة (19 عاما) ورجلا مسنا يعمل على خدمة الكنيسة (79 عاما)، أصيبا جراء استنشاق دخان الحريق».
ودان رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة إحراق الكنيسة، وقال: «إن جريمة إحراق الكنيسة في طبرية ليست عمل مجموعة صغيرة من المتطرفين، بل جريمة كراهية تنضم إلى عشرات الحوادث المماثلة لتدفيع الثمن وهي ظاهرة آخذة في الاتساع، وهي نتائج تحريض الحكومة وسياستها العنصرية والإقصائية». وأضاف عودة، أنه «على الشرطة إلقاء القبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة». ورأى عودة «أن الحل الجذري يجب أن يأتي من أعلى الهرم، الحكومة العنصرية والتي تحرض على الأقلية القومية العربية في البلاد، وتخيف الجمهور من هذه الأقلية. هي حكومة غير شرعية ويجب أن ترحل».
واستنكرت الحركة الإسلامية وجمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية الاعتداء واعتبرته «عملا فاشيا إرهابيا جبانا أقدمت عليه خفافيش الظلام من قطعان اليمين المتطرف وزعرانه». وقالت: إن ما توحي به الكتابة بالعبرية هو «تهديد بالقتل لكل من هو غير يهودي والذين نعتوا (بعبدة أوثان)». وتابعت: «لقد جاءت هذه الفعلة متزامنة مع بداية شهر رمضان المبارك، لتبعث برسالة بشعة من مجموعة لا تأبه ولا تراعي حرمة دور العبادة الإسلامية والمسيحية، فلا يفرّق حقدهم بين مسجد أو كنيسة». وحملت المسؤولية كاملة عن هذه الجريمة لكل الجهات التنفيذية والقانونية على تقصيرها في حماية دور العبادة والمقدسات، ودعت كل دعاة حرية العبادة لشجب واستنكار هذه الأعمال الإجرامية. وأكدت: «سنقف صفا واحدا مسلمين ومسيحيين كأبناء شعب واحد أمام إرهاب المتطرفين، وأمام عنصرية وفاشية حكومة إسرائيل وتهاونها المستمر في ملاحقة هؤلاء العنصريين الإرهابيين». من جهتها أدانت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيان صحافي إقدام متطرفين يهود على حرق كنيسة «الخبز والسمك». كما أدانت «بشدة تصاعد أعمال العنف وجرائم الكراهية المنظمة التي يمارسها متطرفون يهود ضد المقدسات الدينية المسيحية والإسلامية» ووصفت هذه الممارسات بأنها «حرب طائفية التي تحدث بحماية وتوجيه من حكومة التطرف الإسرائيلية».
يذكر أن هذا ليس الاعتداء الأول على هذه الكنيسة. فقد تعرضت لهجوم سابق في أبريل (نيسان) 2014. حيث قامت مجموعة من المراهقين اليهود المتدينين بتحطيم الصلبان والاعتداء الجسدي على رجال الدين المسيحيين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.