«جزويت القاهرة» يتجاوز معاناته بافتتاح قاعة لـ«الفنون المعاصرة»

بعد حريق مسرحه الشهير العام الماضي

الغاليري يقع أعلى ستوديو ناصبيان التاريخي (جزويت القاهرة)
الغاليري يقع أعلى ستوديو ناصبيان التاريخي (جزويت القاهرة)
TT

«جزويت القاهرة» يتجاوز معاناته بافتتاح قاعة لـ«الفنون المعاصرة»

الغاليري يقع أعلى ستوديو ناصبيان التاريخي (جزويت القاهرة)
الغاليري يقع أعلى ستوديو ناصبيان التاريخي (جزويت القاهرة)

ظل شعار «الفن لا يحترق» مصاحباً لحادث حريق مسرح «ناصيبيان» الشهير بجمعية النهضة للعلوم والثقافة (جزويت القاهرة)، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، في لفتة واكبت صدمة حريق واحد من أعرق منصات العرض الفني والسينمائي في مصر، وما تبعها من دعم مدني لمواصلة العمل الثقافي الذي تقدمه الجمعية.
ويعد افتتاح غاليري «جزويت روف غاليري» للفنون البصرية، السبت، إحدى طرق تفعيل هذا الشعار بشكل عملي، وهي ساحة جديدة أسستها الجمعية لتكون مساحة للفنون البصرية وتحمل اسم «جزويت روف»، وهي القاعة التي تقع أعلى سطح مقر الجمعية.

وافتتحت قاعة «جزويت روف غاليري» للفنون البصرية، بحضور عدد كبير من الفنانين والشخصيات العامة، وجاء المعرض الافتتاحي بعنوان «الفنار» وهو معرض جماعي لمجموعة متنوعة من الفنانين البصريين المنتمين لعدة أجيال ومدارس فنية مختلفة، ويستمر المعرض حتى 30 سبتمبر (أيلول) الجاري.
واعتبر الأب وليم سيدهم اليسوعي، رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية، افتتاح الغاليري «حفاظاً على الروح الشابة للمكان رغم الظروف الصعبة التي مر بها، خصوصاً بعد حريق مسرح ستوديو ناصيبيان». مشيراً في كلمته خلال افتتاح المعرض إلى أن «الغاليري هو انفتاح على نوع ثقافي وفني جديد، وهو الفنون البصرية والتشكيلية التي تضاف على الأنواع الفنية التي تقدمها الجمعية عبر سنوات كثيرة، مثل السينما والمسرح والرسوم المتحركة والنشاط الثقافي الحر»، على حد تعبيره.
يطل سطح الجزويت على إحدى أعرق مناطق القاهرة القديمة، وهو حي «الفجالة» وسط العاصمة القاهرة، وعليه تم تأسيس غاليري الذي يرحب بتعاون الفنانين كساحة للإبداع التشكيلي «ظل تأسيس كيان للفنون البصرية داخل جزويت القاهرة حلماً، لا سيما أن جزويت القاهرة لديه قطاعات لدعم السينما والمسرح والرسوم المتحركة، وكنت دائماً ما أحلم بأن يكون هناك قطاع للفنون التشكيلية، وكان هذا الحلم مرهوناً بتجاوز الصعوبات التي خلفتها جائحة كورونا، وحريق مسرح ناصيبيان»، كما يقول هشام أصلان، المسؤول الإعلامي للجزويت في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

وارتبط اسم «الجزويت» منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بحادث تراجيدي بعد حريق غامض تسبب في تدمير مسرحه الشهير «استوديو ناصيبيان»، وهو المسرح الذي يعد أحد أبرز رموز الفن والثقافة في مصر، يقول أصلان: «ما زلنا في مرحلة إعادة بناء المسرح، ونقوم منذ فترة باستخدام أرضه في عروض مسرحية وثقافية بسيطة، لأن عودته لصورته الأولى تحتاج دعما ماليا كبيراً».
ويضيف أصلان أن «فكرة تجهيز قاعة للعرض التشكيلي أعلى سطح ستوديو ناصيبيان كانت ملهمة للعروض البصرية، لا سيما أن السطح يعتلي مبنى الاستوديو، ويطل على حي الفجالة العريق، ومبانيه القديمة المجاورة للجمعية التي كانت تستخدم كبلاتوهات خارجية للتصوير السينمائي، ومن بينها عمارة ظهرت كبلاتوه خارجي لفيلم «في بيتنا رجل»، و«30 يوم في السجن».
ويعتبر الفنان المصري محمود حمدي، مدير «جزويت روف جاليري»، «أن فكرة إقامة غاليري فني في جمعية النهضة، تحقق تقديم العروض الفنية للجمهور العادي»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً «منذ تأسيس الأب ويليام اليوسعي للجمعية، وهي تسعى لتقديم الأنشطة الفنية لمختلف القطاعات البسيطة، مثل السينما التي تصل القاهرة والصعيد، والمسرح الاجتماعي ومسرح الشارع، وتأجير قاعات للبروفات والتحضيرات للفنانين نظير مبالغ بسيطة، بجانب المسرح الذي نأمل في إعادة بنائه من جديد، لذلك فإن تأسيس غاليري مهتم بالفنون التشكيلية في مكان عريق بالقاهرة القديمة، فرصة كبيرة للاستمتاع بالفن، وكذلك لمحبي اقتناء الأعمال الفنية».

وجاء المعرض الافتتاحي بعنوان «الفنار» وهو معرض جماعي لمجموعة متنوعة من الفنانين البصريين المنتمين لعدة أجيال ومدارس فنية مختلفة، وهم: عمر الفيومي، وأحمد مراد، وأكرم الحلوجي، وآية الفلاح، وشادي أديب سلامة، وحسام زكي، وإسراء النجار، ومريم الكسباني، ومحمد عبد الله، ونورهان إبراهيم.
ووفق حمدي فإن «اختيار المعرض الأول للغاليري كان يعتمد على تقديم عدد من الأعمال التي تطرح اتجاهات ومدارس فنية مختلفة، حيث يضم معرض (الفنار) أعمال لعشرة فنانين من مختلف الأجيال الفنية، ما بين أعمال تجهيز، ونحت، وتصوير، وفوتوغرافيا، فهو عرض متنوع وليس متخصص يليق بكونه عرضاً افتتاحيا لغاليري جديد، وقمنا بتوظيف أماكن عرض كل عمل فني لتظهر إمكانيات المكان».
وتستمر حالياً أعمال ترميم مسرح «استوديو ناصيبيان» الذي شهد تصوير عدد من أشهر أفلام السينما المصرية، منها: «باب الحديد»، «شفيقة ومتولي»، «عروس النيل»، «شيء في صدري»، و«الحفيد».



دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
TT

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

تُعد دراما السيرة الذاتية للمشاهير والشخصيات العامة من أهم أنواع الدراما التي يُقبل عليها المشاهد عالمياً، لكن الأزمة الأساسية التي تواجه هذا النوع الدرامي تتعلق بالصراع مع الورثة حول أحقية تقديم العمل من عدمه، وفق متابعين ونقاد.

وفي الآونة الأخيرة، طالعتنا وسائل إعلام بتصريحات على لسان الممثل كريم نجل النجم الراحل محمود عبد العزيز أنه «يرفض تحويل حياة والده إلى عمل درامي».

في حين أن محمود عبد العزيز قدم أحد أشهر مسلسلات السيرة الذاتية وهو «رأفت الهجان» عن قصة عميل المخابرات المصرية الذي عاش في إسرائيل رفعت الجمال، وحقّق العمل الذي بُث الجزء الأول منه لأول مرة عام 1988 نجاحاً ساحقاً في أجزائه الثلاثة.

مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

وعلى الرغم من أن الفنان الراحل أحمد زكي قدم 3 أفلام سيرة ذاتية عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «ناصر 56» عام 1996، والرئيس الراحل أنور السادات «أيام السادات» عام 2001، والمطرب الراحل عبد الحليم حافظ «حليم» عام 2006، بيد أن شقيقته إيمان زكي رفضت رفضاً قاطعاً تقديم قصة حياته في مسلسل.

حق عام بضوابط

قال حسن حافظ الباحث في تاريخ مصر لـ«الشرق الأوسط»: إن «سيرة أي شخصية مشهورة هي ملكية عامة، ومن حق أي مبدع تقديمها في عمل فني». وتابع: «بيد أن هناك بعض المعايير، أهمها الاحتفاظ بالسياق التاريخي للأحداث دون تزييف، مع حق المبدع أن يتعمّق في دوافع الشخصية لفهم القرارات التي اتخذتها، وهنا يكون الورثة أحد مكونات عملية البحث، مع التدقيق في ما يقولونه».

أمر آخر لا بد من أخذه في عين الاعتبار حسب حافظ، وهو أن العمل الدرامي لا يحكي قصة الشخصية العامة كما جرت بالضبط، بل هو مبني في جزء منه على الخيال، بعكس العمل الوثائقي.

ويتفق معه الناقد الفني أمجد مصطفى، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يحق للورثة حتى طلب أموال مقابل السماح بتناول القصة، ولكن من حقهم الاطمئنان لخروج العمل الدرامي دون تشويه للشخصية، فهناك بعض كتاب الأعمال الدرامية الذين يتعمدون إضافة أشياء قد تكون غير حقيقية وربما جارحة من أجل التشويق والإثارة».

ولفت إلى أن ذلك لا يعني أن العمل الدرامي يجب أن يُركّز فقط على الجوانب الإيجابية في حياة الشخصية، فهناك أمور قد لا تفيد في رصد حياة الشخصية، وفق مصطفى.

تخليد للشخصية وشركائها

من أهم السير التي قّدّمت وخلقت حالة في مصر، مسلسل «أم كلثوم» (إنتاج 1999)، وحقق نجاحاً كبيراً، وفق نقاد، ومع ذلك يقول حسن حافظ إن «هذا المسلسل قدم سيرة بيضاء لأم كلثوم، ولم ينخرط مثلاً في صراعاتها مع نجوم عصرها».

في حين يرى أمجد مصطفى أن «مسلسل (أم كلثوم) إلى جانب أنه يخلّد سيرتها، فإنه كذلك يرصد حياة جميع من شاركوا في قصة نجاحها من ملحنين وشعراء، ولكن هذا المسلسل مثلاً تجاهل دور الموسيقار محمد الموجي في حياة أم كلثوم، ومن هنا يجب على كاتب دراما السيرة الذاتية أن يكون أميناً في الرصد».

سيرة أم كلثوم في مسلسل من بطولة صابرين (يوتيوب)

الجدية شرط النجاح

على المستوى العالمي هناك انفتاح لتقديم دراما السيرة الذاتية سواء في أميركا أو أوروبا، مثل مسلسل «كليوباترا» الذي عرضته منصة «نتفليكس» الأميركية في مايو (أيار) 2023 وأثار الجدل لأنه قدم الملكة المصرية الفرعونية ذات بشرة سمراء، وهو ما عدّته السلطات المصرية «تزييفاً للتاريخ»؛ لأن المصادر تؤكد أن كليوباترا كانت بشرتها فاتحة اللون.

في حين أن مسلسل «التاج» (The Crown)، الذي يتناول سيرة الملكة إليزابيث الثانية، حقق نجاحاً كبيراً.

ويُرجع حافظ سبب نجاحه إلى «ما لمسه المشاهد من جدية القائمين عليه لتقديمه في أحسن صورة وأدق تفاصيل».

وشدّد على أن «غياب الجدّية والدقة تسبب في فشل مسلسلات عن سير المشاهير في مصر خلال السنوات الأخيرة، مثل مسلسلات (العندليب) عن سيرة عبد الحليم حافظ، و(السندريلا) عن سيرة سعاد حسني، و(الضاحك الباكي) عن سيرة نجيب الريحاني».

ويرى أمجد مصطفى كذلك أن «فيلم حليم لأنه كان في آخر أيام أحمد زكي وقت مرضه أُنجز بسرعة ولم يكن متّقناً بالقدر اللازم لنجاحه».

تصبح المهمة أسهل حينما تكون للشخصية المشهورة مذكرات كتبتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت، الذي يقول نجله الشاعر محمد بهجت لـ«الشرق الأوسط»: «لم يواجه والدي مشكلات مع الورثة عند كتابة الفيلم لأنه اعتمد على كتاب البحث عن الذات للرئيس السادات، وكذلك بعض كتب الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وأيضاً مذكرات جيهان السادات التي كانت على قيد الحياة وقتها وأثنت على سيناريو الفيلم قبل تصويره حينما عرضه عليها والدي والفنان أحمد زكي».

أحمد زكي في فيلم «أيام السادات» (فيسبوك)

موقف القانون

وعن موقف القانون من دراما السيرة الذاتية يقول المحامي بالنقض محمد إصلاح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وفق المبادئ القانونية المستقرة في القانون المدني المصري فإن مجرد التجسيد لا يرتب حقاً قانونياً للورثة في الاعتراض، ولكن لهم رفع دعوى تعويض إذا أثبتوا أن النشر والتجسيد قد أضرّ بسمعة المتوفى، ولا يستطيعون رفع دعوى منع ما لم يتمكنوا من إثبات تحقّق هذا الضرر للمحكمة من واقع العمل الفني».