«حِراك سياسي» مصري تحت مظلة «الحوار الوطني»

مؤشرات «إيجابية» لعودة معارضين... وعفو عن محبوسين

جانب من إحدى جلسات الحوار الوطني في مصر (الصفحة الرسمية للحوار على فيسبوك)
جانب من إحدى جلسات الحوار الوطني في مصر (الصفحة الرسمية للحوار على فيسبوك)
TT

«حِراك سياسي» مصري تحت مظلة «الحوار الوطني»

جانب من إحدى جلسات الحوار الوطني في مصر (الصفحة الرسمية للحوار على فيسبوك)
جانب من إحدى جلسات الحوار الوطني في مصر (الصفحة الرسمية للحوار على فيسبوك)

شهدت مصر على مدار الأسابيع الأخيرة، ما وصف من جانب سياسيين بأنه «مؤشرات إيجابية»، على حالة من «الحراك السياسي»، لعل أكبر ملامحها تجسد في دعوة وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإجراء حوار سياسي، ترافقت مع تشكيل لجنة للعفو الرئاسي عن محبوسين، تمكنت بدورها من الإفراج عن عدد من المحبوسين في قضايا «رأي»، وتزامنت مع عودة معارضين إلى القاهرة بعد سنوات من الغياب، وسط حديث عن احتمال عودة المزيد.
وأعلن الناشط السياسي المصري وائل غنيم، الجمعة، عودته إلى القاهرة بعد فترة طويلة قضاها في الولايات المتحدة الأميركية. وكتب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» «وصلت مصر في زيارة عائلية لأسرتي، وسعيد بالوجود وسط أهلي وأصدقائي وأحبابي». مرفقا المنشور بصورة لبطاقة تسجيل الوصول في مطار القاهرة الدولي.
وكان غنيم واحدا من رموز الحركة الشبابية في عام 2011، قبل أن يغادر مصر ويغيب عن دائرة الضوء لفترة، ليعود بعد فترة انقطاع طويلة، بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها الأوضاع في مصر. وهو ما اعتذر عنه في مايو (أيار) عبر منشور على فيسبوك، واصفا تصرفاته بأنها «غير مسؤولة». وقال: «أعتذر بخصوص كل ما قمت به من سوء تقدير وقلة قيمة لنفسي وإضرار بوعي كثير من شباب بلادي». مضيفا «لدي خبرة لا بأس بها في مجالات عملية هي تحت أمر بلدي».
وتعليقاً على عودة غنيم كتب طارق العوضي، المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسي، تغريدة على حسابه الشخصي على «تويتر»، قال فيها «حمدا لله على السلامة يا وائل... وانتظروا مزيداً من العائدين قريباً... وطن يتسع للجميع»، لكن العوضي رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد تعليق على هذا الموضوع».
بدوره، اعتبر نجاد البرعي، المحامي والناشط الحقوقي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عودة غنيم «إشارة إيجابية»، وقال في منشور على صفحته الشخصية على «فيسبوك»، إن «عودة غنيم إلى مصر بعد عودة الدكتور عمرو حمزاوي مؤشر جيد على أن ملف المصريين في الخارج سيجد طريقه إلى الحل».
وعاد حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى مصر في يوليو (تموز) الماضي، للمشاركة في جلسات الحوار الوطني، وقال في تصريحات تلفزيونية إن «الدولة المصرية حققت إنجازات اقتصادية واجتماعية عديدة وكثيرة خلال السنوات الماضية»، مشيرا إلى أن «هناك حالة انفتاح سياسي من خلال الحوار الوطني»، وأن «المعارضة من الخارج وهم، لن يصلح ولا ينصلح بها حال البلاد».
وأقر جورج إسحاق، عضو المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، على «وجود مؤشرات إيجابية وحالة حراك سياسي في مصر»، إلا أنه طالب «بالمزيد». وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: إنه «بالفعل هناك حراك سياسي لا يمكن إنكاره، يتجسد من خلال الدعوة لحوار سياسي وطني، في بلد لم يشهد مثل هذا الحوار على مدار 8 سنوات مضت»، لكنه عاد وشدد على ضرورة أن «يترافق هذا الحراك السياسي مع مساحة أكبر من الحرية في وسائل الإعلام تمكن من عرض الآراء المتنوعة، ومع مزيد من قرارات العفو عن السجناء السياسيين».
حالة الحراك السياسي تلك تترافق مع ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة تشهدها مصر مؤخرا، في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية، وجائحة (كوفيد - 19)، ودعا السيسي للحوار الوطني من أجل التحضير لما وصفه بالجمهورية الجديدة. مؤكدا أن الحوار «يجب أن يضم جميع الفصائل السياسية باستثناء واحدة»، في إشارة إلى تنظيم «الإخوان».
ومساء الجمعة وبعد أكثر من سبع ساعات من المناقشات، أعلن مجلس أمناء الحوار الوطني، في ختام سادس جلساته، اختيار 44 شخصية ليكونوا مقررين ومساعدين للجان الفرعية لمحاور الحوار الثلاثة، وهي: (السياسي، الاقتصادي، والمجتمعي)، كما أعلن عن اختيار حسام بدراوي، مستشاراً للحوار الوطني لعرض «رؤية مصر 2030».
وهو الأمر الذي رحب به بدراوي، السياسي وعضو مجلس الشورى السابق، وقال في منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك، إن «الحوار الوطني مظلته الرئيسية سياسية دستورية، ويقف على عمودين، العدالة الناجزة والتنمية الإنسانية المستدامة التي تهدف إليها (رؤية مصر 2030)». واصفا الأسماء التي تم اختيارها لإدارة لجانه بأنها «تمثل خبرات وثقلا اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا».
وربما يكون الحوار السياسي وسيلة لمواجهة حالة «القلق والتشاؤم» التي أشار إليها عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق، خلال حوار تلفزيوني مساء الجمعة مع المنسق العام للحوار الوطني، بقوله إن «هناك قلقا عاما وحالة تشاؤم في مصر... وعلينا أن نعالج حالة الاكتئاب السائدة في الجو فورا». مؤكدا «أهمية التحلي بالشفافية، وفتح نقاش جيد وموضوعي». ومضيفا أن «الجمهورية الجديدة يجب أن تُبنى على أساس الحكم الرشيد».
ومن المقرر أن تبدأ المناقشات الفعلية لموضوعات الحوار الوطني قريبا، بعد الانتهاء من الجلسات الإجرائية لتقسيم محاور الحوار، وتحديد مقرري لجانه، وقال البرعي، في تصريحات تلفزيونية، إن «مصر على أعتاب مرحلة جديدة». مضيفا أن «الرئيس انتهى من عملية التأسيس للجمهورية الجديدة، لندخل الآن في مرحلة ترتيب الأولويات السياسية حول المطلوب في هذه الجمهورية والمشكلات التي يجب التصدي لها». متوقعا «بدء عهد جديد يتضمن مشاركة حقيقية لكل القوى السياسية لوضع خطة للمستقبل».
وشهد يوم الجمعة إطلاق سراح 33 شخصا، ضمن قائمة جديدة، أعلنت عنها «لجنة العفو الرئاسي»، في استكمال لقرارات مماثلة على مدار الشهور الأخيرة، تم بموجبها الإفراج عن عشرات المحبوسين على ذمة قضايا «رأي وتعبير»، بالتوازي مع جلسات «الحوار الوطني».
وقال ضياء رشوان، منسق عام الحوار الوطني، إن «قرار النيابة العامة بإخلاء سبيل 33 شخصا من المحبوسين احتياطيا، يعتبر بمثابة دعم للحوار الوطني»، مشيرا في تصريحات على هامش برنامج «مصر الجديدة» الذي يقدمه، ردود الفعل «الإيجابية» على القرار من جانب رموز المعارضة، مستشهدا بمنشورات لرموز من حزب التحالف الشعبي، والدستور، وحمدين صباحي، المرشح السابق للرئاسة، والذي وصفه رشوان بأنه «رمز سياسي لحزب الكرامة والتيار الشعبي».
وأثنى صباحي على قرارات العفو، وقال في منشور على صفحته على «فيسبوك» إن «القرار يجدد الأمل في استئناف السير على الطريق الصعب نحو هدف نبيل هو أن تكون مصر كما يليق بها وطنا بلا سجين رأي واحد».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».