{البو ناهض}.. قرية عراقية تمنع التدخين وأبواق السيارات والحديث في الدين

قوانين لافتة .. أهلها مقتنعون بأن تجربتها قابلة للتكرار في مناطق أخرى

في بيت الضيافة في القرية.. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال (أ.ف.ب)  -  قائمة الممنوعات
في بيت الضيافة في القرية.. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال (أ.ف.ب) - قائمة الممنوعات
TT

{البو ناهض}.. قرية عراقية تمنع التدخين وأبواق السيارات والحديث في الدين

في بيت الضيافة في القرية.. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال (أ.ف.ب)  -  قائمة الممنوعات
في بيت الضيافة في القرية.. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال (أ.ف.ب) - قائمة الممنوعات

يعد التدخين وإطلاق العنان لأبواق السيارات والجدل في المسائل السياسية جزءا لا يتجزأ من يوميات العراقيين. إلا أن إحدى قرى جنوب العراق قررت منع هذه العادات، وتقديم صورة صحية مشرقة مناقضة.
يقول كاظم حسون لوكالة الصحافة الفرنسية: «التدخين مضر جدا لكم»، وهو واقف إلى جانب إشارة حمراء وبيضاء لمنع التدخين عند مدخل قريته البو ناهض الواقعة على ضفاف نهر في الأراضي الخصبة لجنوب العراق».
ويقود حسون عملية التحول في القرية وقوانينها غير المألوفة، مستكملا أسسا وضعها والده جبر حسون قبل أعوام.
ويعد منع التدخين في القرية خطوة جريئة، في بلد ليس مستغربا فيه أن يدخن الناس في المصاعد ومحطات الوقود، وحتى أروقة المستشفيات.
في العراق أيضا، منع تنظيم داعش التدخين في المناطق التي يسيطر عليها منذ نحو عام. إلا أن هذا هو الأمر الوحيد الذي تتشارك به القرية مع مناطق سيطرة التنظيم الذي ارتكب فظاعات بذريعة الدين.
ويقول حسون: «غير الدين كل شي في هذا البلد، لذا أحد قوانيننا هو منع التحدث بالدين. الدين يجب أن يكون في قلبك، بينك وبين الله».
واجه العراق موجات دامية من العنف الطائفي خلال الأعوام الماضية. وفي حين بقيت المناطق الجنوبية في منأى إلى حد كبير عن هجمات المتطرفين، فإن الكثير من أبنائها تطوعوا للقتال إلى جانب القوات الأمنية ضد تنظيم داعش، وقضى كثيرون منهم في الميدان.
ويقول فرحان حسين علي، وهو طبيب وأستاذ جامعي، إن والد حسون الذي كان أبرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في «سن» قوانينها اللافتة.
ويقول خلال جلسة على سجادة حمراء في مضيف البو ناهض: «في زمن (الرئيس الأسبق) صدام (حسين)، كان الناس صامتين. لكن بعد سقوط النظام (2003)، عاود الجميع التحدث في السياسة».
ويوضح أن جبر حسون، والد كاظم، الذي «لم يكن يرغب في حصول أي نقاشات وأقر المنع للحفاظ على السلم في مجتمعنا». إلا أن كاظم طور أفكار والده، ويشرف حاليا على محاولة جعل القرية أشبه بمكان نموذجي، يمتنع فيه الناس عما يضرهم.
وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال، واستخدام أبواق السيارات، على الرغم من أن أي عقوبة لا تُفرض على المخالفين.
ويؤكد كاظم (46 عاما) أن مشروعه هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، أكثر منها مجتمعا مغلقا ذا قوانين غريبة.
ويقول: «أريد أن يصبح هذا الشارع شبيها لقطعة من أوروبا».
يضيف وهو يشير بيده إلى صف من أشجار النخيل المزروعة حديثا بجانب الطريق: «في الخامس من يونيو (حزيران) قمنا بزرع 300 شجرة»، سائلا: «كم من الأماكن الأخرى في العراق أحيت يوم البيئة العالمي في 2015؟»، في إشارة إلى المناسبة السنوية التي تحييها الأمم المتحدة.
ويعتبر حسون أن إحياء يوم البيئة «كان ناجحا. قد يبدو الأمر غير مهم، لكن يمكن أن أكون من قرية صغيرة وجزءا من العالم في الوقت نفسه».
يتابع: «لا يقل لي أحد أن قريتي لا تحدث فارقا».
وانعكست خطوات حسون إيجابا على سكان القرية، ومنهم مصطفى جبر (28 عاما)، الرياضي والمدرب البالغ من العمر 28 عاما، والذي وجد ضالته عندما بدأ حسون بتنظيم منافسات رياضة بدنية محلية.
ويقول حسون: «رياضة الجري ليست موجودة في ثقافتنا. عندما أخرج من المنزل لإجراء تماريني اليومية، يتوقف الناس حتى الذين لا أعرفهم، ويعرضون عليّ أن يقلوني بسيارتهم».
حتى جبر اعتقد بداية أن الفكرة غريبة، إلا أن حسون أقنعه بالركض معه ومع شبان آخرين. وفي فترة قصيرة ظهرت مهارات جبر الرياضية.
وحاز الشاب جوائز في منافسات عراقية للجري وركوب الدراجات الهوائية، كما أن مجموعة الشبان الذين يزاولون رياضة الجري مساء في القرية تكبر.
ويقول جبر الذي فرغ لتوه من ممارسة السباحة اليومية: «هذه القرية لها خصوصية، لأنك تحصل على دعم لا تجده في أي مكان آخر في العراق».
في وقت سابق من هذه السنة، شارك ثلاثة آلاف شخص في سباق سنوي يقام في القرية، ويشمل الركض لمسافات مختلفة بحسب الفئات العمرية.
ويقول حسون الذي عاد قبل ثلاثة أعوام من الإمارات العربية المتحدة حيث أمضى قرابة عقدين من الزمن: «فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من المهتمين بالصحة والبيئة»، مشيرا إلى أنه ينوي تنظيم سباق ماراثون في القرية، والبحث عن سبل لإشراك النساء بشكل أكبر في تطوير القرية.
ويوضح: «الناس محافظون هنا.. اعتادوا التفكير بأن على النساء تمضية الوقت في المنزل. لقد كسرنا حواجز عدة، إلا أن هذا الحاجز سيتطلب وقتا».
أحد الحلول التي ينوي حسون اختبارها هو «مركز ثقافي» في طور البناء، حيث سيتاح للإناث اللقاء مرتين أسبوعيا، والمشاركة في ندوات واستعارة كتب ستكون عن «الأدب والفلسفة والتاريخ. بالتأكيد لا كتب دينية».
ويتابع: «بالتأكيد سيكون ثمة كتب لشعر (الأديب الفرنسي شارل) بودلير. هو السبب الذي دفعني إلى تعلم اللغة الفرنسية في صغري».
وفي حين أن تعداد سكان القرية لا يتجاوز 700 نسمة، فإن ناسها مقتنعون بأن تجربتها قابلة للتكرار في مناطق أخرى بالعراق. ويقول فرحان حسين علي: «إذا ما قارنت قريتنا بقرى أخرى مجاورة، تجد أن المشكلات قليلة هنا.. نأمل في تحذو قرى أخرى حذونا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».