صدقية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على المحك

هل ينجح في إيجاد مقاربة مناسبة لمزاعم ارتكاب روسيا والصين انتهاكات جسيمة؟

المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، في المؤتمر الصحافي الأخير لها في منصبها في جنيف في 25 أغسطس (آب) (رويترز)
المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، في المؤتمر الصحافي الأخير لها في منصبها في جنيف في 25 أغسطس (آب) (رويترز)
TT

صدقية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على المحك

المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، في المؤتمر الصحافي الأخير لها في منصبها في جنيف في 25 أغسطس (آب) (رويترز)
المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، في المؤتمر الصحافي الأخير لها في منصبها في جنيف في 25 أغسطس (آب) (رويترز)

يبدو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي تم تشكيله من أجل التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، عاجزاً عن إيجاد سبل لمقاربة مزاعم ارتكاب روسيا والصين انتهاكات حقوقية جسيمة.
فالمجلس، الذي يفتتح غداً الاثنين دورة تستمر شهراً في مقره في جنيف، غالباً ما يقوم بالتحقيق والتحرك لحماية حقوق الإنسان داخل الدول. إلا أن مهمته تصبح أكثر دقة وصعوبة عندما تكون الدول المتهمة من بين الأقوى عالمياً، أو من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وغالباً ما تفادى أعضاء مجلس حقوق الإنسان مواجهة هذين البلدين النافذين بشكل مباشر، إلا أن تقريراً أممياً يتحدث عن ارتكاب الصين جرائم محتملة ضد الإنسانية طالت أقلية الأويغور في إقليم شينجيانغ، والحديث عن قمع متزايد في روسيا، يثيران دعوات متزايدة للتحرك.
ويُخشى من أن محاولة فاشلة لمحاسبة أي منهما ستعكس تغيراً في موازين القوى وتؤدي إلى إضعاف المجلس. وقال دبلوماسي أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الطريقة التي يُعد بها المجلس رده ستؤثر على قدرته على مواجهة الأوضاع الأكثر جدية لسنوات مقبلة». ورأى أن مسألة «عالمية حقوق الإنسان والرؤية لدور المجلس هما على المحك».
نظام عالمي جديد؟
باتت الصين تحت المجهر بشكل متزايد بعد إصدار المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، الأسبوع الماضي، تقريراً طال انتظاره بشأن جرائم محتملة ضد الإنسانية ارتكبتها بكين. ودعم التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، اتهامات سبق أن وجهها ناشطون إلى الصين بارتكاب انتهاكات في شينجيانغ، حيث يقولون إنه تم احتجاز أكثر من مليون شخص من الأويغور وأقليات مسلمة أخرى.
وانتقدت بكين التقرير، معتبرة أنه «غير قانوني إطلاقاً وغير صالح»، ووصفته بأنه «مزيج من المعلومات المضللة وأداة في خدمة استراتيجية الولايات المتحدة والغرب» في مواجهة صعود الصين عالمياً.
وسيكون النمساوي فولكر تورك، الذي عين هذا الأسبوع مفوضاً سامياً للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمام مهمة حرجة لمتابعة ما خلصت إليه باشليه... إلا أن التقرير تحدث أيضاً عن دور مطلوب من مجلس حقوق الإنسان. وفي خضم مشاورات دبلوماسية مكثفة، يسود انطباع بوجود تفاهم على أن الامتناع عن اتخاذ أي إجراء ليس خياراً.
وأوضح الدبلوماسي الأوروبي، الذي فضل عدم ذكر اسمه: «في حال قررت غالبية من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان عدم الإقدام على أي خطوة في وضع جدي إلى الحد الذي ورد في تقرير السيدة باشليه، سيعني هذا أننا بتنا تحت نظام عالمي جديد».
كلفة الفشل
صدرت في الأيام الماضية دعوات إلى نقاش طارئ في المجلس بشأن شينجيانغ، أو قرار يدين الانتهاكات أو يطلب حتى تعيين خبير للتحقيق.
ورأى الباحث في «هيومن رايتس ووتش» جون فيشر، أن «على الحكومات عدم هدر الوقت في إطلاق تحقيق مستقل».
وتخشى الدول الغربية وحلفاؤها ألا تتمكن من جمع ما يكفي من الأصوات لإصدار قرار عن المجلس المؤلف من 47 عضواً. وحذر دبلوماسي غربي من أن «ثمة كلفة لعدم التحرك، وكلفة لمحاولة تحرك فاشلة».
ويؤكد متابعون أن الصين تبذل جهوداً خلف الكواليس لحض الدول الأعضاء على مواجهة أي خطوة ضدها بشكل «استباقي». وأكد سفيرها شن تشو، في تصريحات للصحافيين، أول من أمس الجمعة، أن بكين «تعارض أي نشاط بدافع سياسي... نحن مستعدون للعمل بشكل بناء، لكن إذا أطلق أي كان خطوات مشتركة ضدنا، علينا أن نكون مستعدين».
ولم تتضح بعد وجهة التصويت في المجلس. ويسود اعتقاد بأن الدول الغربية قد ترجئ طرح أي قرار إلى حين ضمان نيله التأييد الكافي.
وشدد الدبلوماسي الأوروبي على الحاجة إلى التأكد بدقة «مما إذا كانت لدينا غالبية أم لا».
وينطبق التوجه ذاته على طريقة التعامل مع روسيا.
ففي وقت سابق من هذا العام، طلب المجلس فتح تحقيق على مستوى رفيع بشأن انتهاكات محتملة ارتكبتها القوات الروسية خلال غزوها لأوكرانيا. إلا أن المجلس يواجه ضغوطاً متزايدة من أجل التركيز أيضاً على انتهاكات حقوقية في داخل روسيا. وحضت منظمات حقوقية الاتحاد الأوروبي على تولي زمام المبادرة بشأن قرار لتعيين خبير مستقل (ما يعرف بـ«المقرر الخاص») من أجل معاينة الوضع، إلا أن أي قرار بهذا الشأن لم يتخذ بعد. وقال الدبلوماسي الغربي، «الجميع متفقون على الحاجة (إلى ذلك)، لكننا لم نتفق بعد على التوقيت».
فيما لفت الدبلوماسي الأوروبي إلى أنه رغم طردها من المجلس في وقت سابق هذا العام، إلا أن «روسيا لا ينقصها الدعم» في داخله. وحذر من أن «تأثير قرار فاشل (أي سقوط مشروع قرار في التصويت) سيكون ملموساً لفترة طويلة».


مقالات ذات صلة

السجن 10 سنوات لهولندية استعبدت امرأة أيزيدية في سوريا

أوروبا نساء أيزيديات يرفعن لافتات خلال مظاهرة تطالب بحقوقهن والإفراج عن المختطفين لدى تنظيم «داعش» المتطرف في الموصل بالعراق... 3 يونيو 2024 (رويترز)

السجن 10 سنوات لهولندية استعبدت امرأة أيزيدية في سوريا

قضت محكمة هولندية بالسجن عشر سنوات بحق امرأة هولندية أدينت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإبقائها امرأة أيزيدية عبدة في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
المشرق العربي يتجمع الناس في سجن صيدنايا في دمشق بحثاً عن أحبائهم (أ.ف.ب)

سوريا «مسرح جريمة» قد تُفْتح أبوابه أخيراً للمحققين الأمميين

يأمل محققون أمميون يجمعون منذ سنوات أدلّة توثّق الفظائع المرتكبة في سوريا أن يتيح لهم سقوط بشار الأسد الوصول أخيراً إلى ما يشكّل بالنسبة إليهم «مسرح الجريمة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (الرئاسة التركية)

إردوغان ينتقد الصمت الدولي إزاء انتهاك إسرائيل حقوق الإنسان في فلسطين

انتقد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، صمت المجتمع الدولي إزاء الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في فلسطين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي الحوثيون كثفوا حملات الاعتقال في أوساط الموظفين الإغاثيين بمناطق سيطرتهم (أ.ف.ب)

اليمن ينتقد موقف «حقوق الإنسان» من انتهاكات الحوثيين

وجَّهت الحكومة اليمنية انتقادات غير مسبوقة لما وصفته بالموقف «الباهت» للمفوضية السامية لحقوق الإنسان تجاه اختطاف الحوثيين للموظفين الأمميين والإنسانيين.

محمد ناصر (تعز)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.