يبدو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي تم تشكيله من أجل التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، عاجزاً عن إيجاد سبل لمقاربة مزاعم ارتكاب روسيا والصين انتهاكات حقوقية جسيمة.
فالمجلس، الذي يفتتح غداً الاثنين دورة تستمر شهراً في مقره في جنيف، غالباً ما يقوم بالتحقيق والتحرك لحماية حقوق الإنسان داخل الدول. إلا أن مهمته تصبح أكثر دقة وصعوبة عندما تكون الدول المتهمة من بين الأقوى عالمياً، أو من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
وغالباً ما تفادى أعضاء مجلس حقوق الإنسان مواجهة هذين البلدين النافذين بشكل مباشر، إلا أن تقريراً أممياً يتحدث عن ارتكاب الصين جرائم محتملة ضد الإنسانية طالت أقلية الأويغور في إقليم شينجيانغ، والحديث عن قمع متزايد في روسيا، يثيران دعوات متزايدة للتحرك.
ويُخشى من أن محاولة فاشلة لمحاسبة أي منهما ستعكس تغيراً في موازين القوى وتؤدي إلى إضعاف المجلس. وقال دبلوماسي أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الطريقة التي يُعد بها المجلس رده ستؤثر على قدرته على مواجهة الأوضاع الأكثر جدية لسنوات مقبلة». ورأى أن مسألة «عالمية حقوق الإنسان والرؤية لدور المجلس هما على المحك».
نظام عالمي جديد؟
باتت الصين تحت المجهر بشكل متزايد بعد إصدار المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، الأسبوع الماضي، تقريراً طال انتظاره بشأن جرائم محتملة ضد الإنسانية ارتكبتها بكين. ودعم التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، اتهامات سبق أن وجهها ناشطون إلى الصين بارتكاب انتهاكات في شينجيانغ، حيث يقولون إنه تم احتجاز أكثر من مليون شخص من الأويغور وأقليات مسلمة أخرى.
وانتقدت بكين التقرير، معتبرة أنه «غير قانوني إطلاقاً وغير صالح»، ووصفته بأنه «مزيج من المعلومات المضللة وأداة في خدمة استراتيجية الولايات المتحدة والغرب» في مواجهة صعود الصين عالمياً.
وسيكون النمساوي فولكر تورك، الذي عين هذا الأسبوع مفوضاً سامياً للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أمام مهمة حرجة لمتابعة ما خلصت إليه باشليه... إلا أن التقرير تحدث أيضاً عن دور مطلوب من مجلس حقوق الإنسان. وفي خضم مشاورات دبلوماسية مكثفة، يسود انطباع بوجود تفاهم على أن الامتناع عن اتخاذ أي إجراء ليس خياراً.
وأوضح الدبلوماسي الأوروبي، الذي فضل عدم ذكر اسمه: «في حال قررت غالبية من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان عدم الإقدام على أي خطوة في وضع جدي إلى الحد الذي ورد في تقرير السيدة باشليه، سيعني هذا أننا بتنا تحت نظام عالمي جديد».
كلفة الفشل
صدرت في الأيام الماضية دعوات إلى نقاش طارئ في المجلس بشأن شينجيانغ، أو قرار يدين الانتهاكات أو يطلب حتى تعيين خبير للتحقيق.
ورأى الباحث في «هيومن رايتس ووتش» جون فيشر، أن «على الحكومات عدم هدر الوقت في إطلاق تحقيق مستقل».
وتخشى الدول الغربية وحلفاؤها ألا تتمكن من جمع ما يكفي من الأصوات لإصدار قرار عن المجلس المؤلف من 47 عضواً. وحذر دبلوماسي غربي من أن «ثمة كلفة لعدم التحرك، وكلفة لمحاولة تحرك فاشلة».
ويؤكد متابعون أن الصين تبذل جهوداً خلف الكواليس لحض الدول الأعضاء على مواجهة أي خطوة ضدها بشكل «استباقي». وأكد سفيرها شن تشو، في تصريحات للصحافيين، أول من أمس الجمعة، أن بكين «تعارض أي نشاط بدافع سياسي... نحن مستعدون للعمل بشكل بناء، لكن إذا أطلق أي كان خطوات مشتركة ضدنا، علينا أن نكون مستعدين».
ولم تتضح بعد وجهة التصويت في المجلس. ويسود اعتقاد بأن الدول الغربية قد ترجئ طرح أي قرار إلى حين ضمان نيله التأييد الكافي.
وشدد الدبلوماسي الأوروبي على الحاجة إلى التأكد بدقة «مما إذا كانت لدينا غالبية أم لا».
وينطبق التوجه ذاته على طريقة التعامل مع روسيا.
ففي وقت سابق من هذا العام، طلب المجلس فتح تحقيق على مستوى رفيع بشأن انتهاكات محتملة ارتكبتها القوات الروسية خلال غزوها لأوكرانيا. إلا أن المجلس يواجه ضغوطاً متزايدة من أجل التركيز أيضاً على انتهاكات حقوقية في داخل روسيا. وحضت منظمات حقوقية الاتحاد الأوروبي على تولي زمام المبادرة بشأن قرار لتعيين خبير مستقل (ما يعرف بـ«المقرر الخاص») من أجل معاينة الوضع، إلا أن أي قرار بهذا الشأن لم يتخذ بعد. وقال الدبلوماسي الغربي، «الجميع متفقون على الحاجة (إلى ذلك)، لكننا لم نتفق بعد على التوقيت».
فيما لفت الدبلوماسي الأوروبي إلى أنه رغم طردها من المجلس في وقت سابق هذا العام، إلا أن «روسيا لا ينقصها الدعم» في داخله. وحذر من أن «تأثير قرار فاشل (أي سقوط مشروع قرار في التصويت) سيكون ملموساً لفترة طويلة».
صدقية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على المحك
هل ينجح في إيجاد مقاربة مناسبة لمزاعم ارتكاب روسيا والصين انتهاكات جسيمة؟
صدقية مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة على المحك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة