رندة علم لـ «الشرق الأوسط»: لا يمكننا أن نتعلم الإحساس لأنه يولد معنا

بكاميرا متحركة وذكية توقع المخرجة رندة علم مسلسل «العين بالعين» من نوع الدراما التشويقية. تقدم لعين المشاهد عملاً جذاباً في توليفة مختلفة، لا عرض عضلات فيها ولا فلسفة أو تقنيات معقدة. يستمتع المتابع على مدى 15 حلقة بأحداث تغلب عليها الواقعية والتصوير الانسيابي. وما يزيد جماليتها هو إدارتها اللافتة لنجوم العمل سيرين عبد النور ورامي عياش وطوني عيسى. فهم إلى جانب باقي الممثلين، يؤلفون حبكة درامية منسجمة ومتناسقة.
علم التي سبق وقدمت أعمالاً درامية طبعت ذاكرة المشاهد كـ«حادث قلب» و«الديفا»، اشتهرت بصناعة الإعلانات والكليبات الغنائية التي تعاونت فيها مع أهم نجوم الغناء في العالم العربي. ويأتي تنفيذها لـ«العين بالعين» اليوم كثمرة جهد دؤوب تتميز به على الساحة الفنية.
تقول إن الكاميرا بالنسبة لها ليست مجرد أداة تصوير عابرة، لأن السينوغرافيا أو اللغة السينمائية يلزمها التخطيط. وعملية التنفيذ تتعلق بتركيبة المشهد ووقعها على العين قبل التفكير فقط من أي زاوية نصوره. وتتابع: «الكاميرا تخدم المشهد وتدفعه نحو الأمام، وليست مجرد أداة ننقلها من موقع لآخر. وكل عمل وحسب نوعه يحدد حركة الكاميرا التي تناسبه. وفي «العين بالعين» لحقت بالنص كي أبرز خصائصه من خلال كاميرتي».


رندة علم (الشرق الأوسط)

تعترف رندة علم بأن خبرتها في عالم تصوير الإعلانات والفيديو كليب، هذّبت عينها كمخرجة، وأعطتها رؤية تختلف عن تلك التي لا يتمتع بها زملاء كثر. فحاولت الاستفادة منها وتوظيفها في عالم الدراما على طريقتها. مشوارها الذي تنقلت فيه بين التمثيل والإنتاج والإخراج، كوّن لديها خلفية غنية تعلمت منها الكثير. ومن خلالها تستطيع أن تلمّع الصورة التي تقدمها، ضمن جمالية ملحوظة من دون الخروج عن الموضوع.
وعما إذا إنتاجات المنصات فرضت عليها اتباع إيقاع سريع في «العين بالعين» ترد لـ«الشرق الأوسط»: «المنصات أسهمت في غزارة الإنتاجات الدرامية مما انعكس سلباً على الشاشة الصغيرة التي قد تختفي قريباً عن الساحة. ولكن ليست هي من فرضت علي هذا الإيقاع السريع في التصوير بل النص. فعادة ما أبني رؤيتي الإخراجية عليه. وهو ما طبقته أيضاً في (الديفا) فكان حديثاً ومختلفاً. أما (حادث قلب) فكان كلاسيكياً بكاميرا بطيئة، لأن قصته والنص فرضا ذلك».
وتوضح علم، أن شخصية الصحافية نور فارس التي تجسدها الممثلة سيرين عبد النور تطلبت لغة التقطيع هذه، المصحوبة بوتيرة الخوف والقلق والهروب وعدم الاستقرار. وكل هذه العناصر مجتمعة فرضت عليها أسلوباً تصويرياً يعتمد على كاميرا متحركة وسريعة.
صحيح أن رندة علم تقف وراء الكاميرا كمخرجة، إلا أن تجربتها في عالم التمثيل لا تزال تطبعها. «للممثل عندي مكانة هامة، لأني أضع نفسي مكانه دائماً فأراه بعيني وبعين الجمهور معاً. وكمخرجة يساعدني ذلك على تفهم إحساسه بحركة أو دمعة أو كلمة يقولها. فهذه العناصر هي أدوات أركن إليها عندما أمثل، ولذلك إدارة الممثل عندي مهمة أساسية. ويأتي دور مدرب التمثيل ليزيدها تألقاً، فطبيعة عمله بالتنسيق مع المخرج، تولد مشهدية مكتملة العناصر ترفع من مستوى العمل».
تصف المخرجة اللبنانية عمل المخرج، بالمطبخ الذي تتوسع فيه فكرة العمل وتتبلور من دون إلغاء مهمة الكاتب. «عندما أشعر بعدم الاقتناع بنص معين أتشاور مع كاتبه، كي نصل إلى حل يرضينا معاً. فأنا أرفض رفضاً قاطعاً تنفيذ نص لا يقنعني». ومن هذا المنطلق تتدخل علم، كما تقول في كل شاردة وواردة، بدءاً من النص مروراً بالأزياء والشكل الخارجي عند الممثل وصولاً لعملية الـ«أرت دايركشن» برمتها. لماذا؟ لأنها تبحث دائماً عن الأفضل، كما تقول.
وحول تجربتها مع سيرين ورامي عياش في «العين بالعين»، توضح في سياق حديثها، أن سيرين صديقة عزيزة، وأنهما عملتا معاً في أكثر من مسلسل. فهي ممثلة تتميز بالطبيعية، كما أنها مرتاحة مع نفسها ومتواضعة إلى أبعد حدود، وهو ما يجعل التعاون معها ممتعاً جداً. وفي هذا المسلسل تحدّت نفسها وتخلّت عن كل أدوات البهرجة لتطل كفتاة بسيطة من دون ماكياج طيلة الحلقات، وهي ترتدي أزياء بسيطة أيضاً. وتعلّق علم: «إنها تتحدى نفسها في هذا العمل وتقدم أداء ترفع له القبعة».
وعن رامي عياش الذي تتعاون معه لأول مرة تقول: «كنت قلقة من تعاوني معه لأنه يتطلب مني الحفاظ على مكانته كـ(بوب ستار) ومطرب مشهور. فنقله من عالم الغناء إلى التمثيل ليس بالأمر السهل. وهذه المسؤولية التي حمّلني إياها ولّدت عندي بعض التحفظ، وتحدثنا طويلاً حول شخصية الضابط عزام التي يجسدها. فهو نجح من قبل بشخصية رجل أمن في (2020)، ولو أن المساحة المخصصة له كانت ضيقة. فدور المحقق في غالبية الوقت يقع في فخ الكليشيهات المحاط بها. قررنا أن نقدم دور ضابط شرطة مختلف وأنا راضية جداً عن أدائه. وأعتبر (العين بالعين) معمودية النار بالنسبة لرامي عياش الممثل». وعن طبيعة شخصيته تقول: «عنده خفة ظل رهيبة، وهو إنسان متواضع، يتعامل مع فريق العمل من أصغره إلى أكبره بالوتيرة نفسها المحببة إلى القلب. فأنا فخورة بتعاوني معه ومع كل فريق العمل الذي يتألف منه المسلسل. التجربة كانت رائعة».
تعتبر رندة أن الإحساس خلال تنفيذ الإخراج هو سيد الموقف. «إذا وقعت عيني على عيني الممثل ولم أصدقه، أوقف التصوير والشيء نفسه بالنسبة للكاميرا. فهي عين المشاهد وعيني، وإذا لم ينتابني الإحساس الصح في مشهد ما، لا يمكنني أن أكمل العمل. فالكاميرا موجودة لتخدم العمل وليس لتؤذيه، والأهم أن يصل إحساس الممثل بصدق. فأنا بطبيعتي لا أستسلم أبداً وأستمر بالمحاولات إلى حين تحقيق النجاح».
وعما إذا كانت تفكّر بالعودة إلى التمثيل بعد فترة اعتزال طويلة ترد: «أحب التمثيل كثيراً وابتعادي لم يكن قراراً بالاعتزال بقدر ما هو نتيجة أمور كثيرة. فأعمال الدراما لم تكن في الماضي على المستوى المطلوب. أشتاق للتمثيل طبعاً، وأنتظر دوراً يستفزني كي أعود إليه من دون تردد».
مطلعة دائمة على التقنيات الحديثة في عالم الدراما، تشير رندة علم إلى أن هناك ضرورة لهذا التواصل مع كل جديد. ولكن الأهم من هذه التقنيات هو الإحساس الذي يتمتع به المخرج. وتوضح: «التقنيات يمكننا شراؤها في حال تأمين إنتاجات كبيرة، لكن الإحساس لا يمكن أن نشتريه أو نتعلمه في الجامعات. إنه يولد معنا، فإما هو موجود عندنا أو العكس».
قبل عملها في الدراما العربية، كانت علم مقصرة في متابعتها لها: «لم أكن أملك الوقت لذلك، ولكنني أخيراً أجبرت نفسي على ذلك. علي أن أواكب الدراما العربية، وأتعرّف على نجومها، لا سيما العرب منهم. فالمنصات وشركات إنتاج رائدة كـ(الصبّاح) تقدم أعمالاً جميلة ولافتة، مما يثير عندي حشرية المشاهد».
رندة التي تحاول التوفيق بين عملها كمخرجة وأمومتها لولدين، تخبرنا باختصار عما ينتظر المشاهد في الحلقات الأخيرة من «العين بالعين». «في كل مرة أشاهد حلقة جديدة منه يتملكني التشويق كمشاهدة. فهو صنع بكثير من الحب والنوايا الحسنة وهو ما انعكس إيجاباً على العمل ككل. ستتابعون حلقات شيقة جداً تقطع الأنفاس. فهذا العمل تطلّب مجهوداً كبيراً من فريقه بالكامل، بدءاً من صاحب شركة (سيدرز برودكشن) صادق الصباح وابنته لمى، وباقي الممثلين والتقنيين. قصته واقعية تحاكي مجتمعنا العربي عامة واللبناني خاصة. ويمكنني وصفه بالتجربة الممتازة التي عرفتني على خبرات وفنانين رائعين. وبالنسبة لمشاريعي المستقبلية فأنا بصدد قراءة بعض النصوص، وبينها واحد من تأليفي، أعمل على إكماله كي يرى النور قريباً».