فجر الإعلان عن جوائز المسابقة الفنية السنوية لمعرض ولاية كولورادو الأميركية، وانتشار صور لمبانٍ تراثية إسلامية بمواقع التواصل عربياً، تساؤلات مهمة بشأن مستقبل المصمم المعماري التقليدي، وتأثير الذكاء الصناعي على مهنته في المستقبل.
وبينما تسبب فوز أحد المشاركين في المسابقة، جيسون ألين، بمسابقة كولورادو، بعد اعتماده على «ميدجيرني»؛ برنامج ذكاء صناعي يحول سطور النصوص إلى رسومات فائقة الواقعية، في جدل واسع، فوجئ الجمهور العربي بأن إحدى التصميمات الإسلامية واسعة الانتشار بمواقع التواصل، مجرد تصميم سريالي لواجهات مبانٍ بالقاهرة، نفذها المعماري المصري المقيم بالولايات المتحدة حسن رجب باستخدام برنامج Midjourney للذكاء الصناعي، وأن ما ساعده على انتشار الصورة، نشرها على موقع «إنستغرام» في وقت سابق.
«لغز محير»... بهاتين الكلمتين أعرب «حسن رجب» عن دهشته من انتشار الصورة على نطاق واسع عبر «السوشيال ميديا وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لاحظت تفاعلاً كبيراً غير مسبوق بالنسبة لي مع الصورة على موقع إنستغرام، ومن ثم انتشاره بشكل أوسع على (فيسبوك)، حتى إنني لم أستطع حصر كل التعليقات، لكن استوقفتني الطريفة منها، التي لم يخجل أصحابها من الزعم بغير علم عن مكان أو ظروف تلك الصورة، فادعى البعض أنها أثر تم ردمه، والبعض الآخر ذكر أنها عمارة بمنطقة المرج، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى تحليل الطراز المعماري، وأظن تلك التعليقات أثارت العديد من التضليل لجموع الناس المتسائلة عن أصل الصورة، وإن كان ذلك لم يمنع من وجود آراء شككت في صحتها، وأمام هذه الضجة بصرف النظر عن أسبابها فإنني أؤكد أنني نشرتها فقط كصورة مميزة تحتفي بالعمارة الإسلامية، حيث إن قليلاً من المعماريين المستخدمين لتلك الأدوات الحديثة يقدمون أعمالاً مستلهمة من الحضارات غير الغربية».
ويؤكد «رجب» أن «التصميم عن طريق الذكاء الصناعي هو مجال شهد طفرة ملحوظة في الشهور الأخيرة»، حيث ظهرت «مولدات» «Ai text to image generators» يتم تفعيلها عن طريق الكلمات بدلاً من الطريقة التقليدية للرسم باستخدام الخطوط والأشكال، و«لقد حرصت على استخدام تلك البرامج أخيراً لاقتناعي بأهميتها في تحديد المجالات الفنية في المستقبل» وأوضح: «استلهمت الصورة من معمار القاهرة الفاطمية، وحاولت مزجها بعناصر هندسية حديثة نسبياً في إطار تعلم واكتشاف مدى قدرة الذكاء الصناعي على تناول العمارة الإسلامية، في محاولة لتحليل وفهم وتخيل ذلك النوع من المعمار».
ويفضل المعماري المصري العمل بتقنية Midjourney لقدرتها على إخراج صور فنية سيريالية، مما يسهل مزج العديد من العناصر المعمارية والفنية المختلفة»، وحول رؤيته لمستقبل العمارة يقول: «أرى أن العمارة أهم بكثير من مجرد شكل جمالي، فهناك العديد من الأمور التي يجب أخذها بالاعتبار مثل البعد الوظيفي، والتأثيرات البيئية والاجتماعية، إضافة إلى الهندسة الإنشائية والتكلفة وغيرها، فتلك العناصر غير قابلة للتحقيق بالشكل المطلوب باستخدام Midjourney».
مهندس حسن رجب صاحب تصميم الذكاء الصناعي (الشرق الأوسط)
ومشيراً إلى أن «استخدامه لتلك الأدوات مجرد تصور لما قد كان أو ما سيكون في إطار أعمال فنية قد تلهمه أو تلهم آخرين لنوع مختلف من التصميم كان يستحيل تصوره بدون استخدام تلك التكنولوجيا، فالعالم كله على منعطف تاريخي في المجالات الإبداعية».
من جهته، قال المهندس المعماري محمد هنداوي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه القضية شديدة الأهمية في الوقت الراهن، لأنه من الواضح أن الذكاء الصناعي يتنامى تأثيره على المجالات الفنية بشكل عام وليست العمارة وحدها»، وتابع: «الأمر يبدأ بتغذية البرنامج بكل التفاصيل والمعلومات الجديدة الخاصة من مصادر مختلفة حول عنصر ما مثل الإضاءة أو واجهة مبنى، ومع الوقت يبدأ البرنامج في إخراج تصاميم تخلو من الأخطاء، وتحقق كل المعايير وفق البيانات التي تم إدخالها، وذلك على العكس من المصمم أو المعماري التقليدي الذي يقدم عملاً يحمل مؤثرات عديدة مثل توجهاته الشخصية أو رؤيته الخاصة، وقد تسقط منه بعض الأمور أثناء التصميم، ذلك مقابل الذكاء الصناعي، الذي يكون لديه كل المعلومات كاملة والتقنية العلمية التي تتيح له تقديم منتج يكاد يكون نهائياً ومحسوماً، وحين نصل إلى هذه المرحلة وفي ظل الاتجاه إلى التصاميم الأكثر حداثة فإن كثيراً من المصممين والمعماريين سوف يفقدون وظيفتهم، خلال 15 سنة مثلما حدث في مجالات أخرى بالفعل، لكنه بالنسبة للعمارة سيحمل الكثير من السلبيات».
جانب من العرض (الشرق الأوسط)
ويبرر ذلك قائلاً: «الذكاء الصناعي سيتعامل مع الأمر بشكل مادي بحت، في حين أن المعماري هو الوحيد في هذه العملية الذي يحتفي بالأبعاد والمشاعر الإنسانية في التصميم، وهو ما لا يمكن للتكنولوجيا تحقيقه حتى بعد مليون سنة، وهو ما يعني أنه سيتطلب تنقيحاً للمنتج من قبل المعماري الإنسان الذي لا بد أن يمتلك موهبة حقيقية وقدرة كبيرة على التعامل مع الذكاء الصناعي، وهو ما يفجر بدوره قضية أخرى تتعلق بتطوير التعليم الأكاديمي وإدخال برامج السوفت وير والتكنولوجيا في الكليات المتخصصة بالمنطقة العربية، لمواكبة العصر».