«الكوميديا الإلهية»... البحث مسرحياً عن الخلاص من الحروب والأوبئة

العمل التونسي يشهد محاورة فكرية بين المعري وأليجري

المسرحية التونسية 'الكوميديا الإلهية' تم عرضها على مسرح 'السلام' بالقاهرة (الشرق الأوسط)
المسرحية التونسية 'الكوميديا الإلهية' تم عرضها على مسرح 'السلام' بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT
20

«الكوميديا الإلهية»... البحث مسرحياً عن الخلاص من الحروب والأوبئة

المسرحية التونسية 'الكوميديا الإلهية' تم عرضها على مسرح 'السلام' بالقاهرة (الشرق الأوسط)
المسرحية التونسية 'الكوميديا الإلهية' تم عرضها على مسرح 'السلام' بالقاهرة (الشرق الأوسط)

ظلت «الكوميديا الإلهية» عملا ملهما على مر العصور، فمنذ أن كتبها الشاعر الإيطالي دانتي أليجري «1265 - 1321» على شكل قصيدة ملحمية كبرى أصبحت أيقونة أدب القرون الوسطى وأكثر أعماله ترجمة إلى لغات العالم حتى أنها ترجمت إلى الإنجليزية وحدها 47 مرة.
وتعد المسرحية التونسية «الكوميديا الإلهية» التي تم عرضها على مسرح «السلام» بالقاهرة ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي أحدث الأعمال التي تستلهم ذلك النص الإيطالي القديم حيث تبرز رحلة الإنسان في العالم الآخر عبر في أجواء غرائبية عجيبة يطغى عليها اللون الأحمر الناري بتجلياته المخيفة وسط ظلام يسيطر على خشبة المسرح معظم الوقت بينما تكسو الحيرة والألم ملامح الممثلين الذين يسيرون أحيانا فوق عصى خشبية عملاقة من النوع الذي نراه في السيرك بخطى ثقيلة وكأنهم على حافة الهاوية بحثا عن الخلاص.

ويتناول النص الإيطالي الأصلي مسيرة خيالية في العالم الآخر بطلها «دانتي» نفسه الذي يمر في رحلته بثلاث محطات أساسية هي «الجحيم» ثم «المطهر» وأخيراً «النعيم» وأطلق المؤلف الإيطالي على عمله «الكوميديا» ليس لأنه مضحك بل فقط لأنه حسب التقسيمات الدرامية القديمة فإن العمل الذي يبدأ بمأساة وينتهي نهاية سعيدة يصبح «كوميديا»، وأضافت الأجيال اللاحقة إلى اسم العمل صفة «الإلهية».
ويوضح مخرج العرض خليفة حافظ أن «الجحيم في المسرحية يرمز في واحدة من أهم تجلياته إلى الجحيم الأرضي الذي نصنعه نحن البشر بأيدينا عبر الأوبئة والحروب وتغير المناخ وجفاف الأنهار»، مؤكدا في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أن «العرض لا يستلهم فقط قصيدة دانتي أليجري الخالدة على مر الزمان وإنما يستفيد أيضاً وعلى نحو واسع من عمل عربي عظيم يعد من عيون تراثنا وهو (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري».

ويعد «المعري» أحد أشهر شعراء وفلاسفة العصر العباسي لكنه كتب «رسالة الغفران» في صورة نثرية بديعة وفيها يتصور نفسه في رحلة خيالية إلى العالم الآخر يحاور فيها عدداً من أبرز الشعراء واللغويين العرب السابقين له الموزعين بين النعيم والعذاب مثل امرئ القيس وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وعبيد بن الأبرص والأعشى والنابغة الذبياني.
ويجمع باحثون ونقاد أن «دانتي» بدا متأثرا في عمله الشهير بالمعري، بينما يرى بعضهم أن الأمر يرقى إلى مستوى «السرقة الأدبية» حسب وصفهم.
وبينما يظهر في النص الأصلي عدد من نخبة الفكر الغربي القديم على مستوى الشعر والحكمة والفلسفة مثل أرسطو وفيرجيل وأوفيد وشيشرون، يرى جمهور العرض على خشبة المسرح عنترة بن شداد وامرئ القيس فضلا عن المعري نفسه ودانتي.

ويشرح خليفة حافظ أسباب اختياره لهذا النص تحديدا ليحوله إلى عمل مسرحي قائلا إنه «يقيم في إيطاليا منذ 25 عاما حيث أصبحت الثقافة الإيطالية جزءا من تكوينه العقلي والنفسي، فضلا عن أن النص يتناول موضوع الموت والانتقال إلى عالم آخر وهو ما يصبح هما إنسانيا ملحا يتقاسمه جميع سكان الكوكب بعد انتشار جائحة كورونا»، موضحا أنه «ركز في معالجته لهذا العمل التاريخي على نقاط التلاقي والحوار بين الثقافتين الغربية والعربية ليس فقط من خلال تواجد دانتي وسقراط جنبا إلى جنب مع المعري وعنترة، ولكن أيضاً من خلال مشاركة بعض الإيطاليين في التنفيذ مثل مصمم الملابس ماريو فراري ومصمم الكوريجرافيا لوكا بروني».
وتضم المسرحية العديد من الحوارات الفكرية والمناظرات باللغة الفصحى حول المصير الإنساني ونقاط ضعف البشر القاتلة مثل الطمع والحسد والرغبة المجانية في الإيذاء والتدمير. ورغم أن البداية مقبضة بعض الشيء من خلال رحلة لشخصيات تائهة في غابة مظلمة تبحث عن خلاص ما، فإن النهاية تأتي سعيدة عبر ضوء ساطع ينبثق من وسط الظلام ويغمر جميع الشخصيات الطيبة بالنور والخير فيتنفس الجمهور الصعداء أخيراً.



تغير المناخ يهدد باصطدام الأقمار الاصطناعية بالحطام الفضائي

يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
TT
20

تغير المناخ يهدد باصطدام الأقمار الاصطناعية بالحطام الفضائي

يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

كشفت دراسة أميركية أن تغير المناخ يؤثر على الفضاء القريب من الأرض، بطريقة قد تزيد من خطر اصطدام الأقمار الاصطناعية، مما يقلل من عدد الأقمار التي يمكن تشغيلها بأمان في المستقبل.

وأوضح باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن نتائج الدراسة التي نُشرت، الاثنين، بدورية «Nature Sustainability»، تسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لضمان استمرار استخدام المدار الأرضي المنخفض.

وأظهرت الدراسة أن انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، تؤدي إلى انكماش الغلاف الجوي العلوي، مما يقلل من كثافته، خصوصاً في طبقة الثرموسفير، حيث تدور محطة الفضاء الدولية ومجموعة من الأقمار الاصطناعية.

وفي الظروف الطبيعية، يساعد الغلاف الجوي العلوي في التخلص من الحطام الفضائي من خلال قوة مقاومة تُعرف بالسحب الجوي، التي تسحب الأجسام القديمة نحو الأرض لتتفكك وتحترق عند دخولها الغلاف الجوي. لكن مع انخفاض الكثافة الجوية، تضعف هذه القوة؛ مما يؤدي إلى بقاء الحطام الفضائي في المدار لفترات أطول، وهو الأمر الذي يزيد خطر الاصطدامات، ويؤدي إلى ازدحام المدارات الفضائية.

وباستخدام نماذج محاكاة لسيناريوهات مختلفة لانبعاثات الكربون وتأثيرها على الغلاف الجوي العلوي والديناميكيات المدارية، وجد الباحثون أن «القدرة الاستيعابية للأقمار الاصطناعية» - أي الحد الأقصى لعدد الأقمار الاصطناعية التي يمكن تشغيلها بأمان - قد تنخفض بنسبة تتراوح بين 50 و66 في المائة بحلول عام 2100، إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في الارتفاع.

كما وجدت الدراسة أن الغلاف الجوي العلوي يمر بدورات انكماش وتوسع كل 11 عاماً بسبب النشاط الشمسي، لكن البيانات الحديثة تظهر أن تأثير الغازات الدفيئة يتجاوز هذه التغيرات الطبيعية، مما يؤدي إلى تقلص دائم في الثرموسفير.

وحالياً، يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض، الذي يمتد حتى ارتفاع ألفي كيلومتر عن سطح الأرض. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد الأقمار الاصطناعية، خصوصاً مع إطلاق كوكبات ضخمة مثل مشروع «ستارلينك» لشركة «سبيس إكس»، الذي يضم آلاف الأقمار لتوفير الإنترنت الفضائي.

وحذر الباحثون من أن انخفاض قدرة الغلاف الجوي على إزالة الحطام الفضائي سيؤدي إلى زيادة كثافة الأجسام في المدار؛ مما يعزز احتمالات الاصطدامات. وقد يفضي ذلك لسلسلة من التصادمات المتتالية، تُعرف بظاهرة «متلازمة كيسلر»، التي قد تجعل المدار غير صالح للاستخدام.

وأشار الفريق إلى أنه إذا استمرت انبعاثات الكربون في الارتفاع، فقد تصبح بعض المدارات غير آمنة، وسيؤثر ذلك سلباً على تشغيل الأقمار الاصطناعية الجديدة المستخدمة في الاتصالات، والملاحة، والاستشعار عن بُعد.

وفي الختام، أكد الباحثون أن الحد من هذه المخاطر يتطلب إجراءات عاجلة، تشمل تقليل الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، إلى جانب تبني استراتيجيات أكثر فاعلية لإدارة النفايات الفضائية، مثل إزالة الحطام الفضائي، وإعادة تصميم الأقمار بحيث يكون تفكيكها أكثر سهولة عند انتهاء عمرها التشغيلي.