رفض تشيلي واسع لمشروع الدستور الجديد

رفض التشيليون، بأغلبية ساحقة بلغت 62 في المائة، مشروع الدستور الجديد الذي أعدته هيئة تأسيسية واسعة طوال أكثر من عامين، في الاستفتاء الذي جرى أمس (الأحد) وجاءت نتيجته لتشكّل انتكاسة كبيرة للرئيس الجديد غابرييل بوريتش الذي تسلّم مهامه مطلع الربيع الماضي، والذي كان يراهن بقوة على نجاح الاستفتاء وطي صفحة النظام العسكري الذي وضع الدستور الحالي وأعطى صلاحيات واسعة للقوات المسلحة وأجهزتها خارج إطار المحاسبة من مؤسسات الرقابة الرسمية.
وفور صدور نتائج الاستفتاء دعا بوريتش إلى اجتماع عاجل يضمّ جميع القيادات الحزبية الممثلة في البرلمان لمشاورات من أجل الإسراع في إطلاق عملية تأسيسية جديدة، كما أعلن عزمه على إجراء تعديل حكومي لمواجهة المرحلة الجديدة.
وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء قد تجاوزت 85 في المائة، وجاءت لصالح الجهات الرافضة للدستور الجديد في جميع الأقاليم، مما يفرض على الحكومة إعادة النظر بصورة جذرية في برنامجها الذي يقوم على الإصلاحات الرئيسية التي كان النص الدستوري الجديد يرمي إليها.

ويقول محللون إن الأحزاب اليمينية، وبعض أحزاب الوسط واليسار، قد نجحت في إقناع المواطنين بأن الدستور الجديد ينبثق من مؤتمر تأسيسي هيمن عليه اليسار، مما دفع بالرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو إلى التعليق على نتيجة الاستفتاء بقوله: «إنها عودة الروح إلى نظام بينوتشية» الجنرال الذي حكم تشيلي من عام 1973 إلى عام 1990 بعد انقلاب عسكري أطاح حكومة سالفادور الليندي اليسارية.
يشار إلى أن هذا الاستفتاء كان تتويجاً لنشاط الهيئة التأسيسية المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد، والذي كان المخرج الذي توافقت عليه القوى السياسية لاحتواء الاضطرابات الشعبية العنيفة والواسعة التي شهدتها تشيلي عام 2019. وكانت الأجواء المشحونة التي عاشتها جميع المناطق، حيث وقع عدد كبير من القتلى والجرحى في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة، قد دفعت إلى تضمين النص الدستوري الجديد إصلاحات وتعديلات عميقة، مثل المساواة التامة بين الأجناس، والاعتراف الكامل بحقوق السكان الأصليين، والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية في بلد تشكل الثروة المعدنية واحداً من مصادر دخله الأساسية.
لكن نتيجة الاستفتاء الحالي، رغم أهميتها، لا تعفي أحزاب اليمين والوسط واليسار المعتدل من التزامها احترام نتيجة الاستفتاء السابق الذي أيّد فيه 78 في المائة من المواطنين تعديل الدستور الراهن. ومن المرجح أن تتسلّح هذه الأحزاب بنتيجة الاستفتاء الأخير لتفرض بعض أفكارها في المرحلة التأسيسية المقبلة، مثل رفض إعلان تشيلي دولة متعددة الجنسيات أو إلغاء مجلس الشيوخ.
وكان الرئيس التشيلي الأسبق ريكاردو لاغو علّق على نتيجة الاستفتاء بقوله إن النص الدستوري الذي كان مطروحاً على المواطنين جاء ثمرة مراحل متراكمة من الحقد، وأن ذلك لا يبشّر بالخير، وقد يمهّد لجولات جديدة من التمرّد الشعبي والاضطرابات «لأن المشاكل والمطالب الاجتماعية التي أدت إلى الاستفتاء، ما زالت موجودة وتنتشر كل يوم بمزيد من الحدة وعلى نطاق أوسع».

من جهته، علّق الرئيس اليميني السابق سيباستيان بينييرا، الذي اندلعت موجة الاضطرابات الشعبية على عهده، بأن القوى التي يمثلها ملتزمة بوضع دستور جديد يراعي كل الحساسيات، فيما دعا الرئيس الأسبق إدواردو فراي إلى العمل من أجل وضع نص دستوري يتسّع لكل التشيليين ويطوي صفحة الماضي في آن واحد. وحدها الرئيسية السابقة، ميشيل باتشيليه، التي حكمت تشيلي ولايتين، كانت التي دعت إلى تأييد النص الدستوري الجديد من بين كل الرؤساء السابقين، وصرّحت بقولها أمس: «النتيجة واضحة وتقتضي منا تصويب المسار والإصغاء إلى صوت الشعب، لكن ثمّة نقاطاً لا يمكن التراجع عنها، مثل المساواة التامة بين الأجناس، والمشاركة الواسعة في القرارات الأساسية، والبيئة وحقوق السكان الأصليين».
والسـؤال المطروح الآن هو عن طبيعة العملية التي ستقود إلى وضع نص دستوري جديد بعد أن فشلت الهيئة التأسيسية الواسعة التي كانت تسيطر عليها الأحزاب والقوى اليسارية، إلى جانب مواطنين مستقلين يمثلون جميع شرائح المجتمع والحركات الطلابية والنقابات العمالية والمهنية. وليس واضحاً بعد إذا كان بوريتش سيدعو إلى استفتاء آخر لتحديد طبيعة الآلية التي ستكلّف وضع الدستور الجديد، أو أنه سيوجه الدعوة إلى تشكيل هيئة تأسيسية جديدة استناداً إلى نتائج الاستفتاء السابق.
لكن رغم التوافق الظاهر الذي أبدته القوى السياسية حتى الآن في ردود الفعل الأولى حول نتائج الاستفتاء الدستوري، وفي استعدادها للعمل من أجل التوصل بأسرع وقت إلى نص جديد للدستور تقبل به غالبية المواطنين، يخشى المراقبون من أن هذه النتيجة ستفتح شهية الأحزاب اليمينية لعرقلة العملية والدفع باتجاه افتعال أزمة عن طريق استفزاز الشارع وتحريكه من جديد، ووضع رئيس الجمهورية أمام خيار واحد يلزمه الدعوة لإجراء انتخابات مسبقة قد تعيدهم إلى الحكم.