بريطانيا تترقب خليفة جونسون... والاقتصاد يتصدر الأولويات

تراس وسوناك خلال مناظرتهما الأخيرة في لندن (أ.ف.ب)
تراس وسوناك خلال مناظرتهما الأخيرة في لندن (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا تترقب خليفة جونسون... والاقتصاد يتصدر الأولويات

تراس وسوناك خلال مناظرتهما الأخيرة في لندن (أ.ف.ب)
تراس وسوناك خلال مناظرتهما الأخيرة في لندن (أ.ف.ب)

تترقب المملكة المتحدة، بعد ظهر غد (الاثنين)، خليفة بوريس جونسون في 10 داونينغ ستريت، بعد ثمانية أسابيع من تقديمه استقالته من رئاسة الحكومة. ومن المتوقع أن تفوز وزيرة الخارجية ليز تراس على منافسها وزير الخزانة السابق ريشي سوناك بزعامة حزب المحافظين الحاكم، لتصبح رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة، في وقت تواجه فيه البلاد ما قد يكون ركوداً طويلاً وتضخماً يتجاوز العشرة في المائة وسلسلة إضرابات.
وتختلف تراس وسوناك حول السبيل الأفضل لتخفيف عبء غلاء المعيشة خلال الأشهر المقبلة، مع تمسك وزيرة الخارجية بإلغاء زيادة التأمين الوطني والضرائب المرتقبة على الشركات، فيما يحذر سوناك من تداعيات هذا التوجه على التضخم والدَّين الوطني. وقالت تراس، الأحد، إنها ستتحلى بالجرأة لمعالجة الاقتصاد المتعثر، مجددة تعهدها بتحفيز النمو وإصلاح مجموعة كبيرة من المشاكل الاقتصادية، ومؤكدة أنها ستشرع في اتخاذ إجراءات فورية من الأسبوع الأول لمعالجة ارتفاع فواتير الطاقة وزيادة إمدادات الطاقة إذا تم تعيينها رئيسة للوزراء. وكتبت في صحيفة «صنداي تليغراف» أنها تدرك مدى صعوبة أزمة تكلفة المعيشة بالنسبة للبريطانيين، مضيفة أنها ستتخذ «إجراءات حاسمة لضمان تمكن الأسر والشركات من اجتياز هذا الشتاء والشتاء التالي».
وأضافت: «إذا تم انتخابي، فإنني أخطط خلال الأسبوع الأول من إدارتي الجديدة لتحديد إجراءاتنا الفورية بشأن فواتير الطاقة وإمدادات الطاقة». وذكرت أن هذا سيعقبه تحرك في وقت لاحق «من وزير الخزانة يتضمن حزمة أوسع من الإجراءات بشأن الاقتصاد». ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» عن مصادر مطلعة في وزارة الخزانة قولهم إن تكلفة خطة تراس ستتجاوز مائة مليار جنيه إسترليني (115 مليار دولار)، سيضاف معظمها إلى الاقتراض الحكومي.
ورغم الضغط عليها في مقابلة مع (بي بي سي) بشأن خطتها، رفضت تراس تقديم أي توضيحات، وقالت إنه من غير المناسب الخوض في تفاصيل استراتيجيتها قبل أن تتولى المنصب. ولم تعلق على رقم المائة مليار جنيه. وعبر «تليغراف»، أوضحت تراس أن نهجها سيكون من شقين، هما إجراء فوري لمعالجة أزمة تكلفة المعيشة، وخطة لتحقيق النمو الاقتصادي، وأنها ستعين مجلساً من المستشارين الاقتصاديين للحصول على «أفضل الأفكار» حول كيفية تعزيز الاقتصاد. وكتبت قائلة: «إننا بحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة لضمان ألا نظل في هذا الوضع كل خريف وشتاء. الحلول المؤقتة أو تأجيل البت في المشاكل لن يفيد. وأنا على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة لإعادة بناء اقتصادنا».
وإلى جانب الأزمة الآنية الخاصة بتكاليف المعيشة، سيتعين على رئيس الوزراء الجديد أيضاً التعامل مع عدد متزايد من الإضرابات، وقوائم انتظار طويلة في خدمة الصحة العامة، فضلاً عن حكم قضائي مرتقب الشهر المقبل بشأن استفتاء اسكوتلندا للاستقلال. وفي إشارة إلى توتر مع اسكوتلندا، توقعت رئيسة وزراء اسكوتلندا نيكولا ستيرجن «كارثة» في حال طبقت تراس وعودها الانتخابية، مؤكدة بذل قصارى جهدها للعمل مع وزيرة الخارجية رغم ذلك.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟