عودة العائلات النازحة إلى مدينة تكريت

17 قتيلاً في معارك بين القوات الأمنية ومسلحي «داعش» قرب مصفاة بيجي

عودة العائلات النازحة  إلى مدينة تكريت
TT

عودة العائلات النازحة إلى مدينة تكريت

عودة العائلات النازحة  إلى مدينة تكريت

بدأت أمس العوائل النازحة من مدينة تكريت بالعودة إليها. وقال أحمد الكريم رئيس مجلس محافظة صلاح الدين إن «أكثر من مائة عائلة وصلت إلى منازلها عبر مدينة سامراء بعد أن تم استكمال جميع الأمور الإدارية واللوجستيه لعودتهم». ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الكريم قوله إن عناصر من الجيش والشرطة الاتحادية وشرطة صلاح الدين وميليشيات الحشد الشعبي قاموا بتأمين مستلزمات عودة العوائل النازحة فيما وفرت محافظة صلاح الدين حافلات لنقلهم من سامراء إلى تكريت.
وكانت قوافل العائدين إلى مدينة تكريت قد انطلقت من مدينة سامراء (50 كلم جنوب تكريت) في مسيرة بطيئة تم فيها التأكد من أن العوائل العائدة ليسوا من عناصر تنظيم داعش. وقام عناصر ميليشيات الحشد الشعبي الذين يسيطرون على طريق سامراء - تكريت بإطلاق النار بغزارة استقبالاً لأهالي تكريت شمل حتى الأسلحة المتوسطة وهم يلوحون بشارات النصر وبرايات الميليشيات والعلم العراقي مقرونة بأهازيج تعبر عن ترحابهم بأبناء تكريت.
من جهته، قال جاسم الجبارة رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة صلاح الدين إن المحافظة وبالتعاون مع القوات الأمنية نجحت أمس في تنظيم عودة العوائل النازحة التي وصلت المدينة وتمكنت من كسر الحاجز النفسي الذي يمنع أهالي تكريت من العودة إليها بعد الأحداث التي شهدتها عقب تطهيرها من عناصر تنظيم داعش. وأضاف أن الأمور سارت على ما يرام ووفق ما خطط له وأن مائة عائلة قد وصلت إلى بيوتها في تكريت فيما ستصل اليوم قادمة من كركوك أكثر من مائة عائلة لا تزال على الطريق بانتظار العودة إلى المدينة.
وعلى صعيد ذي صلة، قال رائد الجبوري، محافظ صلاح الدين، إنه «تم تأمين معظم الخدمات في المدينة كالماء والكهرباء وسيتم المباشرة بالقطاع الصحي حال عودة الموظفين والأطباء إلى المدينة».
من ناحية ثانية، قتل 17 شخصا في اشتباكات بين متشددي «داعش» وقوات موالية للحكومة في بلدة بيجي القريبة من أكبر مصفاة نفطية في العراق.
وتبادل الجانبان السيطرة على المصفاة الواقعة قرب بلدة بيجي الأمر الذي يعكس الصعوبات التي يواجهها الجيش العراقي للاحتفاظ بالمنطقة التي استردها من قبضة المتشددين خلال اشتباكات استمرت شهورا.
ودار القتال أمس على طريق يستخدمه تنظيم داعش لخطوط الإمداد من بيجي إلى بلدة الصينية القريبة الواقعة إلى الغرب. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمني كبير في المنطقة قوله: إن 12 متشددا واثنين من جنود الحكومة وثلاثة من ميليشيات الحشد الشعبي الذين يساندون القوات الحكومية قتلوا. وتخضع بلدة الصينية لسيطرة التنظيم الذي يهيمن على ثلث أراضي العراق وأجزاء من سوريا.
وكانت الحكومة العراقية تأمل أن تستفيد من نجاح الجيش وميليشيات الحشد الشعبي المتحالفة معه في استعادة مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين في أبريل (نيسان) بعد معركة دامت شهرا. لكن الحكومة واجهت انتكاسة الشهر الماضي حينما انتزع المتشددون السيطرة على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار. واستخدم تنظيم داعش عمليات إعدام سجلها بالفيديو لبث الرعب في قلوب سكان المناطق التي سيطر عليها. وفاقم تقدم التنظيم صراعا طائفيا في العراق الذي لا يزال يجد صعوبات جمة في بلوغ الاستقرار بعد أربع سنوات من انسحاب القوات الأميركية.
وفجر الصراع في العراق مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان من جميع الأطراف كما أثار المخاوف من حدوث أزمة إنسانية. واتهم زيد رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في كلمة له في جنيف أمس تنظيم داعش بارتكاب «أحقر الانتهاكات بحق الشعب العراقي في المناطق الواقعة تحت سيطرته».
وأضاف: «التصدي للتطرف ومواجهة العنف الطائفي سيتطلب المزيد من العمل العسكري». وتابع قائلا: «نحن على استعداد لمساعدة الحكومة في تعزيز حكم القانون والإدارة الرشيدة وزيادة المساءلة وتشجيع المصالحة المجتمعية وضمان احترام حقوق الأقليات والنساء».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.