قلق فرنسي من انقطاع تدفق الغاز الروسي

الرئيس ماكرون دعا إلى اجتماع «مجلس الدفاع» للبحث في كيفية توفير بدائل

الرئيس الفرنسي يصل لحضور اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في «قصر الإليزيه»... (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يصل لحضور اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في «قصر الإليزيه»... (أ.ف.ب)
TT

قلق فرنسي من انقطاع تدفق الغاز الروسي

الرئيس الفرنسي يصل لحضور اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في «قصر الإليزيه»... (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي يصل لحضور اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في «قصر الإليزيه»... (أ.ف.ب)

خريف اجتماعي حار ينتظر الحكومة الفرنسية التي تتخوف من حراك شعبي متعدد الأسباب في الأسابيع والأشهر المقبلة. وفيما عاد الفرنسيون من عطلهم الصيفية، فقد وجدوا في انتظارهم أخباراً لا تفرح القلب؛ وهي تتأرجح حول ارتفاع للأسعار يصيب بشكل جنوني الكهرباء والغاز والمشتقات النفطية وكذلك المواد الغذائية على أنواعها والخدمات والنقل. يضاف إلى ذلك ارتفاع نسب التضخم وتهافت القدرة الشرائية، خصوصاً للطبقات الأكثر هشاشة في المجتمع واقتراب نسبة وافرة من هؤلاء من حافة الفقر. ولأن الرئيس إيمانويل ماكرون ومعه الحكومة لا يريدان بأي شكل من الأشكال أن يعيشا مجدداً الأزمنة العصيبة التي عاشاها مع «السترات الصفراء» بين عامين 2019 و2020 وما رافقها من عنف واشتباكات وحرائق، في العاصمة والمدن الكبرى، فإنهما يسعيان منذ اليوم الأول لمنع اندلاع الحرائق الاجتماعية وتوفير الوسائل الكفيلة بإطفائها سلفاً. ومنذ أن عاد ماكرون من عطلته الصيفية، فإن اهتمامه (واهتمام رئيسة الحكومة إليزابيث بورن والوزراء المعنيين) ينصب على تحضير الرأي العام لاستيعاب الأيام العصيبة التي تنتظر البلاد. وفي أول اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي، سارع إلى التنبيه من أن «زمن الوفرة» قد ولى إلى غير رجعة. وعمدت بورن إلى تعميم قرار يدعو الإدارات والشركات إلى اعتماد سياسة التقشف في استهلاك الكهرباء والغاز والمشتقات النفطية، كما حثت المواطنين على العمل بمجموعة من الإرشادات التي من شأنها خفض استهلاك الطاقة في المنازل والمكاتب والمحلات والتأقلم مع الأوضاع المستجدة ليس في فرنسا وحدها؛ بل في البدان الأوروبية كافة.
وفي هذا السياق، كان ملف الطاقة رئيسياً في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي اليوم برئاسة ماكرون في «قصر الإليزيه»، الذي حل بعد ساعات قليلة على البيان الذي صدر عن هيئة «غازبروم» الروسية ليل الثلاثاء – الأربعاء، وفيه أعلنت أنها ستوقف بدءاً من صباح غد الخميس إمدادات الغاز إلى فرنسا تماماً؛ لأن المشتري لم يسدد فاتورة الغاز لشهر يوليو (تموز) الماضي، وذلك عملاً بتعليمات الرئيس فلاديمير بوتين. وكان الأخير قد أصدر مرسوماً نهاية شهر مارس (آذار) الماضي؛ «يمنع تسليم كميات إضافية من الغاز الطبيعي إلى مشترٍ أجنبي لم يسدد ثمن الغاز بشكل كامل ضمن المهلة المحددة في العقد». وأكدت «الهيئة الروسية» أنها لم تتلق حتى مساء الثلاثاء كامل المبالغ المستحقة لشحنات يوليو من المشتري الفرنسي؛ وهو شركة «أنجي» المختلطة التي تمتلك فيها الدولة حصة 27 بالمائة. وقد سارعت «أنجي» إلى طمأنة زبائنها أنها استبقت الإجراء الروسي ونجحت في توفير بدائل عن الغاز الروسي. بيد أنها لم توفر تفاصيل تتناول الجهات التي اتفقت معها. وتجدر الإشارة إلى أن رئيسة الشركة ومديرتها العامة كاترين ماكغريغور رافقت الرئيس الفرنسي في زيارته ثلاثية الأيام إلى الجزائر، وأن مفاوضات قائمة بين «أنجي» وبين «سوناطراك» الجزائرية. وتفيد معلومات غير مؤكدة في باريس بأن الشركة الوطنية الجزائرية قبلت زيادة إمداداتها من الغاز المسال إلى فرنسا بنسبة 50 في المائة. بيد أن هذه الزيادة لا تكفي لتحل مع الحصة الروسية التي كانت تمثل، قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، نحو 20 في المائة من واردات الغاز الفرنسية، فيما حصة الجزائر السابقة دون 10 في المائة. وخلال وجوده في الجزائر، أعلن ماكرون أن فرنسا «ليست في وضع يمكن للغاز الجزائري معه أن يغير المعطيات» بمعنى أن يكون بديلاً عن الغاز الروسي.
تنظر باريس بعين الخطورة لهذا الوضع المتأتي عن الحرب الروسية على أوكرانيا. ووصفت مصادر قصر الإليزيه أزمة الطاقة الراهنة بأنها «غير مسبوقة منذ عقود» وأنها تمس الشريان الحيوي للاقتصادات الأوروبية. من هنا؛ فقد دعا ماكرون إلى اجتماع طارئ لمجلس الدفاع والأمن صباح بعد غد الجمعة وعلى جدول أعماله مادة وحيدة هي كيفية توفير حاجات فرنسا من الغاز والكهرباء بعد القرار الروسي. ويفترض أن يتناول ماكرون هذا الملف في الخطاب الذي سيلقيه صباح غد بمناسبة الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا حول العالم. ودرجت العادة أن يشكل خطابه «خريطة الطريق» للديبلوماسية الفرنسية للأشهر المقبلة.
حقيقة الأمر أن قرار روسيا خفض أو وقف إمدادات الغاز لفرنسا لم يكن مفاجئاً، وأنه ما كان له أن يثير هذه الدرجة من الهلع؛ إذ إن اعتماد فرنسا عليه لا يمكن مقارنته بحالة ألمانيا أو إيطاليا أو غيرهما من الاقتصادات الأوروبية الرئيسية. كذلك تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين الفرنسيين؛ أكانوا الحكوميين أم من الضالعين في قطاع الغاز، يؤكدون بقوة أن فرنسا وفرت ما لا يقل عن 90 في المائة من مخزون الغاز للأشهر المقبلة ولفصل الشتاء. يضاف إلى ذلك أن فرنسا تعتمد بشكل رئيسي على محطاتها النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وبحسب الأرقام والنسب الرسمية، فإن المفاعلات النووية الـ56 التي تمتلكها فرنسا توفر لها 67 في المائة من الطاقة الكهربائية المستهلكة. لكن مشكلتها اليوم أن هناك 32 مفاعلاً متوقفاً عن الإنتاج لحاجتها لعمليات صيانة ضرورية، فيما المفاعل الكبير قيد الإنشاء قرب مدينة فلامونفيل على الشاطئ الأطلسي لم يجهز بعد. والحال؛ أن مصادر الكهرباء البديلة؛ أكانت من السدود النهرية أم الرياح أم الطاقة الشمسية، ليست كافية في الوقت الحاضر لتعويض النقص المتأتي من توقف ما يزيد على نصف المفاعلات النووية عن العمل.
إزاء هذا الوضع، قرعت رئيسة الحكومة، الاثنين الماضي، ناقوس الخطر، ونبهت إلى أن الوضع «خطير»، فيما لم يتردد الرئيس ماكرون قبلها في تنبيه الفرنسيين إلى أنه قد تطلب منهم «تضحيات» في الأسابيع والأشهر المقبلة. بيد أن أصواتاً مختلفة تسمع من داخل الحكومة؛ ومنها صوت وزيرة النقلة البيئوية، أنييس بانيه روناشيه، التي أعلنت في بيان لها أمس أن فرنسا «حضرت نفسها لهذا السيناريو (انقطاع الغاز الروسي) منذ الربيع؛ فعملت على توفير مخزونها وسيصل إلى حده الأقصى بعد أسبوعين». وأضافت الوزيرة المعنية بملف الطاقة أن فرنسا قلصت اعتمادها على الغاز الروسي من 17 إلى 9 في المائة؛ حيث إن «أنجي» استعانت بالنرويج وقطر والولايات المتحدة والجزائر. وذهبت «أنجي» في الاتجاه نفسه؛ إذ أكدت أنها اتخذت التدابير المناسبة لتجنب انقطاع تدفق الغاز وأنها «مطمئنة» لها.
بين هذا الصوت وذاك، يتأرجح الفرنسيون وهم خائفون على المستقبل؛ وفق ما بينت استطلاعات الرأي. ولا شك في أن التطمينات مهمة؛ إلا إنها ستكون معدومة الفائدة إذا تبين أنها بنيت على فرضيات لن تتحقق بالضرورة.


مقالات ذات صلة

«قطر للطاقة» و«شل» توقعان اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الصين

الاقتصاد حقل تابع لشركة «قطر للطاقة» (الشركة)

«قطر للطاقة» و«شل» توقعان اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الصين

أبرمت شركة «قطر للطاقة» اتفاقية بيع وشراء جديدة طويلة الأجل مع شركة «شل» لتوريد ثلاثة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

TT

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز)

يفي جو بايدن قبل انتهاء ولايته بوعد قطعه بزيارة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال فترة رئاسته، عبر التوجه هذا الأسبوع إلى أنغولا في زيارة تهدف إلى تأكيد الطموحات الأميركية في هذه القارة بمواجهة الاستثمارات الصينية الزائدة. ويصل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته إلى لواندا، الاثنين، في زيارة تستمر حتى الأربعاء، قبل أن يخلفه دونالد ترمب في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني). وكان من المقرر أن يقوم الرئيس الديمقراطي، البالغ عمره 82 عاماً، بهذه الزيارة في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه اضطر إلى إلغائها بسبب إعصار ضرب ولاية فلوريدا.

زيارة غير مسبوقة

وستكون هذه أول زيارة لرئيس أميركي إلى البلد النفطي المطل على المحيط الأطلسي. وقال مسؤول أميركي كبير، في حديث مع صحافيين إن «هذه الخطوة ليست متأخرة ولا من دون مغزى»، مضيفاً: «أعتقد بأنه بعدما بقينا سنوات خارج اللعبة، أعادنا الرئيس بايدن إليها». وسيبحث بايدن في لواندا استثمارات أميركية مختلفة في المنطقة، بدءاً بمشروع ضخم للسكك الحديدية يُعرف بـ«ممر لوبيتو»، يربط ميناء لوبيتو الأنغولي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع خط يتفرع عنه ويصل إلى زامبيا. والمشروع الممتد على مسافة 1300 كيلومتر، ويُنفذ بتمويل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيشكل رابطاً استراتيجياً بين الميناء ومناجم الكوبالت والنحاس المعدنين الأساسيين لصنع منتجات التكنولوجيا المتطورة، ولا سيما بطاريات الجوالات الذكية، ويصفه بايدن بـ«أكبر استثمار أميركي في السكك الحديدية في أفريقيا على الإطلاق». وسيلتقي بايدن رئيس أنغولا جواو لورنكو، ويلقي كلمة يتناول فيها الصحة العامة والزراعة والتعاون العسكري، والحفاظ على الإرث الثقافي. وقال هيتور كارفالو، الخبير الاقتصادي في جامعة «لوسيادا» في لواندا، إنه «رغم أن الرئيس بايدن شارف على الخروج من البيت الأبيض، فإنه سيمثل الولايات المتحدة بكل ما لديها من وزن جيو - سياسي وجيو - اقتصادي»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحضت منظمات حقوقية بايدن على طرح مسألة سجل أنغولا على صعيد حقوق الإنسان خلال زيارته. وقد أفادت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته مؤخراً، بأن الشرطة الأنغولية «قتلت ما لا يقل عن 17 متظاهراً، بينهم قاصر في سياق حملة القمع» التي تمارسها ضد المعارضة. كما حضت «منظمة العفو» بايدن على أن يطلب من حكومة أنغولا «الإفراج فوراً عن خمسة معارضين معتقلين بصورة اعتباطية منذ أكثر من سنة». وقال المسؤول الأميركي بهذا الصدد إن بايدن «لم يتهرب يوماً من تناول التحديات المطروحة على الديمقراطية، ومن التزامه حيال الديمقراطية».

نفوذ الصين

يسعى بايدن لتأكيد الطموحات الأميركية في أفريقيا بوجه النفوذ الصيني المتنامي. وقال المسؤول للصحافيين إن الحكومات الأفريقية تبحث عن بديل للاستثمارات الصينية، في ظل ما تتضمنه من عواقب، ولا سيما «العيش في ظل ديون فادحة لأجيال». ويبلغ دين أنغولا تجاه الصين 17 مليار دولار، ما يشكل نحو 40 في المائة من إجمالي ديون البلد.

ويبدو أن لورنكو أيضاً يسعى لتنويع شراكات بلاده خارج الصين وروسيا. وفي هذا السياق، صوتت أنغولا في 2022 لصالح قرار في الأمم المتحدة يندد بالغزو الروسي لأوكرانيا. وعلقت سيزالتينا أبرو، عالمة الاجتماع في جامعة «أنغولا الكاثوليكية»، أن زيارة بايدن تُشكل بالتأكيد بالنسبة لرئيس أنغولا «تحقيقاً لحلمه بأن يكون هو من جاء بأول رئيس أميركي إلى أنغولا». لكن من غير المعروف إن كانت الاستثمارات الأميركية في أفريقيا ستستمر في عهد ترمب. وقالت أبرو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إن أبدى ترمب اهتماماً بأفريقيا وأنغولا مماثلاً لما أبداه في ولايته الأولى، فستشهد البرامج التي أطلقها بايدن انتكاسة». لكن أليكس فاينز، الباحث في معهد «تشاتام هاوس»، أكد أن على الرئيس المنتخب أن يتنبه إلى أن «أمام أنغولا ودول أخرى مثلها، شركاء كثر يمكنها الاختيار بينهم، في عالم يشهد منافسة زائدة من أجل الوصول إلى موارد أفريقيا الحيوية».