الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

3 «سيناريوهات» مختلفة للمستقبل السوري

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد
TT

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

مع توسّع سيطرة المعارضة السورية على معظم مناطق محافظة إدلب بما فيها مدينة جسر الشغور ومدينة أريحا، ثم الاعتداء الذي ارتكبه مسلحو «جبهة النصرة» بقرية درزية في ريف المحافظة، وكذلك بعد إنجازات المعارضة في حوران (بجنوب سوريا)، دبّ الخوف في قلوب أهل اللاذقية، وهم بأغلبيتهم من الطائفة العلوية التي يتحدر منها رئيس النظام السوري بشار الأسد، متخوّفين من ردة فعل عنيفة ودموية من مقاتلي فصائل المعارضة جراء حملات القمع التي نفذها النظام، سواء ضد المقاتلين أو المدنيين على حد سواء. إلا أنه وإن كان من أي فرصة لبقاء سوريا على قيد الحياة كدولة موحدة، فلا بد من إعطاء ضمانات للعلويين وكذلك للأقليات الأخرى لتسهيل التوصل إلى حل سياسي، احتمالٌ يصبح يومًا بعد يوم بعيد المنال.

في مقابلة نشرت على موقع «سيريا ديبلي» Syria Deeply، اعترف أمجد، وهو من اللاذقية، بأن سكان المدينة الساحلية يشعرون بالخوف من النجاحات التي يحققها «جيش الفتح» في المحافظات الشمالية من سوريا.
ومع تحول الحرب إلى صراع طائفي بين النظام المدعوم من العلويين والميليشيات الشيعية الأجنبية من جهة، وبين مقاتلي المعارضة، وجلهم من السنة، من جهة أخرى، زادت أعداد القتلى من المدنيين من كلا الطرفين وسط انتشار عمليات الاغتصاب والنهب وقطع الرؤوس والحرق.
أضف إلى ذلك أن الفظائع التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدّدت أي أمل في تحقيق انتقال سلمي للسلطة. وفي هذا الشأن يشير آرون لوند، رئيس تحرير «سوريا في الأزمة»، وهو موقع تابع لمؤسسة كارنيغي للأبحاث، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى «أن المشاعر المعادية للعلويين التي تسيطر على معظم المقاتلين تنبع من وحشية الحرب والتفجيرات المستمرة وقصف المدن السنّية من قوات بشار الأسد. يجب ألا ننسى أن معظم القتلى واللاجئين في سوريا هم في الواقع من المناطق السنّية، وبالطبع هذا يؤدي إلى رد فعل شعبي وشعور بالكراهية ودعوات إلى الانتقام (ضد العلويين) - هذا أمر يحدث في كل حرب، للأسف. لكن، على عكس المقاتلين العاديين، فإن الإسلاميين داخل صفوف الثوار لديهم أهداف أخرى تحرّكها دوافع دينية بحتة». وبالتالي، يعتقد الخبير أن عددا من الأصوليين الذين يهيمنون على «جيش الفتح»، «يبدون عازمين على تدمير العلويين لأسباب دينية».
كذلك تصر جماعات متشدّدة مثل «جبهة النصرة»، على أنه يجب على العلويين التخلي عن اعتقاداتهم الدينية لكي يتلقوا المعاملة التي يحظى بها باقي المواطنين العاديين. وحقًا، صرح أبو محمد الجولاني، قائد «جبهة النصرة»، في مقابلة تلفزيونية بثت أخيرًا على قناة «الجزيرة» الإخبارية بـ«أن العلويين كانوا جزءا من الطائفة التي تحرّكت خارج دين الله والإسلام». كما دعا عبد الله المحيسني، المقرب من «جبهة النصرة» ومن «القاعدة» والذي كان جزءا من الهيئة الشرعية في جيش الفاتح، لإبادة العلويين، وفق لوند.
من ناحية ثانية، يعبِّر البروفسور الأميركي جوشوا لانديس، الخبير بالشؤون السورية والمتزوج من سيدة سورية علوية، أيضا عن الخطر الذي يهدد العلويين خلال حديث أدلى به إلى «الشرق الأوسط»، معتبرا أن الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي الذين تخلوا عن سوريا لن يستطيعوا حماية العلويين، «فكل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يهتم في المقام الأول باحتواء العنف في سوريا»، متوقّعا ثلاثة سيناريوهات محتملة لإنهاء الأزمة.
يتمثل الخيار الأول في تشكيل دولة يقودها السنّة من شأنها أن تتسلم الحكم بعد سقوط بشار الأسد، بقيادة «الإسلاميين»، وهنا لن يترك أي مجال للعلويين والمسيحيين والأقلية الدرزية. وفي حال عدم إدراج الأقليات أو ضمان مشاركتهم بصورة فاعلة، فإن مثل هذه الدولة لا شك ستقوم برد فعل على الفظائع التي ارتكبها الأسد وتوجه انتقامها نحو الطائفة العلوية التي تعتبر عنصرا أساسيا في المذابح التي ارتكبها النظام. وستحرص هذه التركيبة الجديدة على تطهير الإدارات والجهاز الأمني من الموالين للأسد السابقين، ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من أعمال الاضطهاد وتفكيك مؤسسات الدولة في مرحلة ما بعد الأسد، مع تكرار سوريا أخطاء عراق ما بعد صدام وما بعد القذافي في ليبيا.
احتمال آخر، وفق لانديس، يقوم على ضمان بقاء الدولة السورية وحماية الأقليات فيها كالعلويين، عبر التوصل إلى اتفاق، على غرار «اتفاق الطائف» اللبناني الذي يقسم السلطة ويوزعها بين الطوائف، غير أن هكذا خيار لا يمكن أن يتبلور إلا برعاية قوى إقليمية. وبالطبع، يحتاج هذا الخيار أولا إلى تدمير «داعش»، وثانيا إلى أن تسير «جبهة النصرة» مع التيار السائد، وهو أمر يصعب تحقيقه، بحسب لوند، الذي يرى «أن (النصرة) تحاول التقرّب ممن تبقى من المتمردين لتجنب العزلة، وهي تنأى بنفسها عن الممارسات المتطرفة التي ينفذها (داعش). ولكن هذا لا يعني أبدا أن قيادة (النصرة) تخلت عن آيديولوجيتها التي تدعو إلى إخضاع الأقليات، ومنع النشاط الديمقراطي ومهاجمة الدول العربية، كما الغربية. وبطبيعة الحال، فإن الكثير من المقاتلين لن تجذبهم هذه الأهداف الجديدة، وقد يتخلون عن الجماعة إذا سارت في هذا الاتجاه». أما للتوصل إلى اتفاق سياسي على غرار «اتفاق الطائف»، فعلى المجتمع الدولي التحرك والقيام بما يتعدى الدعوات إلى المصالحة وإشراك الأقليات السورية. فالأقليات، وبخاصة العلويون، يحتاجون إلى ضمانات أمنية وإذا لزم الأمر، إلى قوة دولية لحفظ السلام، ما سيصعب على المجتمع الدولي تأمينه.
أضف إلى ذلك أن المعارضة السورية بحاجة إلى التوصل إلى تفاهم وإعادة هيكلة تدريجية وأكثر واقعية لمؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، لتجنّب تجربة العراق، حيث أدى إبعاد حزب البعث إلى انهيار الأمن. ويرى لانديس، هنا، أن هذه الإمكانية تبقى أيضا بعيدة المنال، شارحًا أنه لاستمرار الدولة السورية ككل يجب أن تكون هناك «قوة احتلال» مثل ما حدث في العراق (مع الاحتلال الأميركي) أو في لبنان (مع الاحتلال السوري)».
والاحتمال الأخير الذي يرى لانديس أنه على الأرجح سيجري اعتماده يقوم على إنشاء «تجمّع علوي». وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يكون الخيار الأفضل للطائفة العلوية، فإنه خيار كارثي إذا ما أخذنا في الاعتبار بقاء الدولة السورية على المدى البعيد، «فهذا يعني انسحاب النظام إلى المناطق الساحلية التي يسيطر عليها العلويون مع إبقاء السيطرة على العاصمة دمشق»، وفق لانديس. ويتابع الخبير الأميركي فيقول: «إن إيران تحبذ هذه الاستراتيجية بما أنها تريد أن تحافظ على ما تعتبره (مناطق سورية حيوية) تشمل المدن الساحلية والمدن الكبرى على غرار دمشق». وفي هذا السياق أوردت صحيفة «الديلي ستار»، اللبنانية الصادرة باللغة الإنجليزية، أن إيران أرسلت 15 ألف مقاتل إلى سوريا محاولة التعويض عن الخسائر الأخيرة التي لحقت بقوات النظام، وهي تسعى إلى رؤية نتائج ملموسة لدعمها هذا بحلول نهاية الشهر، وفق ما كشف للصحيفة مصدر سياسي لبناني. وحسب المصدر فإن الميليشيات التي تتألف من الإيرانيين والعراقيين والأفغان وصلت إلى منطقة دمشق وإلى محافظة اللاذقية الساحلية.. كما أن الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، كان في اللاذقية هذا الأسبوع لدعم الاستعدادات للحملة الجديدة، وفق المصدر نفسه. مع ذلك، فإن محاولة تأمين «دولة علوية» ستؤدي لا محالة إلى تهجير قسري وحتى تطهير عرقي. ومحاولات الانفصال العلوية لضمان بقائها، ستؤدي إلى نوع جديد من الحرب العرقية مشابهة لـ«حرب البوسنة» الطائفية، حرب يبدو أنها قد بدأت بالفعل مع المزيد من القصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية التي أطلقها الأسد ضد المدنيين في المناطق المتنازع عليها.
أخيرًا، ومن أجل بقاء الدولة ككل، على المعارضة السورية أن توضح كيف تعتزم حماية العلويين والأقليات الأخرى بعد سقوط بشار الأسد من أجل بناء دولة مستقبلية من شأنها أن تشمل جميع الجماعات الدينية في سوريا. ولكن في خضم المعارك الضارية الحالية على الأرض، لأسباب معروفة جيدا، يبدو أن هذه المهمة ستكون صعبة جدًا على المعارضة السورية المتشرذمة أصلا، وصعبة أكثر على المجتمع الإقليمي الذي يشهد على نحو متزايد استقطابا على أسس دينية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.