مصادر الأخبار التي يفضلها الجيل الجديد

لا «واشنطن بوست» ولا «نيويورك تايمز»

مصادر الأخبار التي يفضلها الجيل الجديد
TT

مصادر الأخبار التي يفضلها الجيل الجديد

مصادر الأخبار التي يفضلها الجيل الجديد

حسب استطلاع نشرته في آخر إعدادها دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا بنيويورك)، لم تعد الصحف الكبيرة، مثل «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز»، هي المصادر الإخبارية الرئيسية لنسبة كبيرة من القراء، هم الجيل الجديد (18 إلى 30 عاما). لعشرة أسابيع، جندت الدورية 14 طالبا في كليات صحافة أميركية، ليس فقط لشرح مصادر الأخبار التي يفضلونها، ولكن، أيضا، لمعرفة المصادر التي يفضلها الذين في جيلهم. قالت الدورية: «تشكل هذه المصادر أكبر خطوة إلى الإمام في الصحافة الأميركية. ليست كلها واعدة، وقد يفشل بعضها. لكن، بعد نقاشات، واستطلاعات، وأبحاث، اخترناها».
* «كوارتز»: لمواجهة مشكلة المعلومات المضللة التي انتشرت في وسائل الإعلام الاجتماعية، وظلت مشكلة في الإعلام التقليدي، تستعمل صحيفة «كوارتز» نظاما يفصل بين المعلومات المؤكدة (تكتبها في حروف غامقة)، والمعلومات المرجحة (تكتبها في حروف عادية)، والمعلومات غير المؤكدة وغير المرجحة (تكتبها في حروف رمادية).
لهذا، لا تستعمل الصحيفة عبارات مثل: «قيل» و«حسب» و«نسبت» و«ادعت».
وقال زاك سيوارد نائب رئيس الشركة ورئيس التحرير التنفيذي، إنهم، في الوقت الحاضر، يجربون هذه العادة الجديدة. ويريدون استخدامها في المستقبل بصورة دائمة. تواجه هذه العادة الجديدة مشكلة الأخبار العاجلة، التي تأتي بين كل دقيقة ودقيقة. لكن، قال سيوارد: «لأسباب أخلاقية وعملية، نتحاشى مثل هذه الأخبار العاجلة».
لمواجهة هذه المشكلة، تستعمل الصحيفة «لايف بلوغز» (بلوقات حية على الهواء) الإخبار العاجلة، وتتأكد من أنها حقيقية، ثم تنشرها، حسب درجة الحقيقة فيها. وأضاف سيوارد: «أعتقد أن القراء، خصوصا من الجيل الجديد، لا يتفاعلون جيدا مع الصحافيين الذين يدعون أنهم يعرفون كل شيء، بينما واضح جدا أن هذه ليست الحقيقة».
* «فوكس»: ليست هذه «فوكس» القناة التلفزيونية (تبدأ بحرف «في»، لا حرف «إف»). وتستعمل البطاقات في تقديم الأخبار.
تفتح بطاقة الموضوع الذي تريد أن تقرأ عنه، ثم تجد بطاقات فرعية، وهكذا. تشبه نظام بطاقات المكتبات القديم، عندما كانت كل بطاقة تخص موضوعا معينا، ثم تقودك إلى مواضيع فرعية. تزيد شعبية هذه الصحيفة لسهولة قراءتها. خاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي يريد، في أحيان كثيرة، التركيز على شيء واحد. ليست مثل الصفحة الأولى في صحيفة «نيويورك تايمز»، مثلا، حيث توجد عناوين أخبار متعددة. توجد هنا عناوين مواضيع، ومن داخل كل موضوع، يختار القارئ أخبار الموضوع، أو تعليقاته، أو صوره، أو فيديوهاته.
تبدو محاسن هذه الصحيفة في أنها تقدم معلومات لا حدود لها عن موضوع معين. لكن، على حساب المواضيع الأخرى. لكن، من قال إن الجيل الجديد يريد أن يعرف أكثر من موضوع واحد؟
* «سنابشات»: بدأت هذه وسيلة تواصل اجتماعي، وركزت على الصور السريعة. لكن، أخيرا، بدأت تقدم نشرات أخبار لأكثر من مائة مليون شخص يملكون حسابات فيها. استغلت وجود هذا العدد الكبير من المشاهدين، وأبرمت عقودا مع مصادر الأخبار الكبيرة لتجمع بين الصور الاجتماعية والأخبار اليومية.
تضغط على «ديسكفر» (اكتشف)، فتظهر أمامك مواقع مصادر مثل: «سي إن إن» و«فوكس» و«نيويورك يوست».
لماذا فضلت هذه المصادر الإخبارية موقعا لتبادل الصور الاجتماعية؟
قال راجيف مودي نائب رئيس التحرير مجلة «ناشونال جوغرافيك»: «عبر تاريخنا (تأسست عام 1888)، نركز على الصور. الآن، صرنا نقدم أخبارا مصورة. لهذا، لا بد أن يفضلنا هواة الصور. ولهذا، نقدر على منافسة مصادر الأخبار المكتوبة». وقال توني ماكولياس مدير قسم الأخبار في موقع «ياهو»: «نريد نشر أخبارنا، بصرف النظر عن الوسيلة. ننشر أخبارنا مكتوبة. وننشرها مصورة، وننشرها في شرائط فيديو»، وأضاف: «يركز هذا الموقع على الصور والفيديو. هناك مواقع أخرى تركز على الأخبار المكتوبة. ولا بأس أن نستغل النوعين».
* «دي موين ريجستار»: هذه هي الصحيفة الرئيسية في ولاية ايوا. وهي ورقية وإلكترونية. لكن، أخيرا دخلت مجالا جديدا: «فيرشوال ريالتي» (الواقع الخيالي). وصارت أول صحيفة ورقية في العالم تنشر أخبارها بهذه الطريقة. بدأت الفكرة بأن الصحيفة تهتم بأخبار المزارعين في هذه الولاية الزراعية المهمة. لهذا، صارت تقدم معلومات وأخبارا عن هذا الموضوع بطريقة الواقع الخيالي. في كومبيوتر، أو تلفزيون الرأس، أو حتى تلفزيون النظارة. بالإضافة إلى «ثرى دي» (أبعاد ثلاثية). مثلا: عائلة دامان، التي تملك مزارع عملاقة. يتحدث أفراد العائلة عن كل شيء له صلة بالزراعة. وعن تكنولوجيا الزراعة، وتاريخ الزراعة، والاقتصاد الزراعي، ونعم، آخر الأخبار الزراعية.
تواجه هذه «الصحيفة الخيالية» مشكلات. من بينها أن أغلبية قراء الصحيفة الورقية مزارعون، ويعيشون في الريف. لهذا، لا يوجد عدد كبير من شباب الجيل الجديد وسط القراء. لكن، لأن عددا كبيرا من هؤلاء يشاهد المواقع الواقعية الخيالية، لا بأس إذا شاهد بعضهم موقعا خياليا، لكن عن موضوع حقيقي، فيه أخبار وتعليقات.
* «سيريال»: تفرعت هذه من صحيفة «سليت»، التي تفرغت من صحيفة «واشنطن بوست»، وتطورت من برنامج «ذيس أميركان لايف» (هذه الحياة الأميركية) الذي يركز على حادث معين (مثل جريمة قتل)، ويقدم كل أبطاله، وخلفياته.
في العام الماضي، قدمت صحيفة «سيريال» أكثر من عشر حلقات عن عدنان سيد، أميركي من أصل باكستاني، الذي قتل صديقته ماي هي لي، أميركية من أصل كوري. وهو يقضي الآن في السجن عقوبة مؤبدة. قدمت الموضوع في صورة جذابة ومثيرة، وشاهده أكثر من ثمانين مليون شخص. خلطت الصحيفة (في الحقيقة هي مجلة إلكترونية) بين الخبر والتحليل. وقدمت الحلقات في صورة خبرية، أسبوعا بعد أسبوع. ورغم أن الموضوع ليس جديدا، بدا جديدا بسبب طريقة تقديمه. وصار كثير من المشاهدين يتابعون العلاقة بين الرجل والمرأة، وتطوراتها، وكأنها حدثت لأول مرة.
هذا بالإضافة إلى أن سارة كوينغ، التي جمعت المعلومات وقدمت الحلقات، كانت تقدمها وهي تشرح كيف جمعت المعلومات، وكيف قابلت أبطال المسلسل. لهذا، صارت القصة قصتين: قصة الرجل والمرأة، وقصة الصحافية كوينغ.
* «ناريتفلي»: مثل «سيريال»، هذه أيضا مجلة. لكن، بدلا عن التركيز على جريمة، أو فضيحة، وتقديمها في حلقات أسبوعية، تركز مجلة «ناريتفلي» على موضوع إخباري كل أسبوع، وتقدمه في حلقات يومية. يقول نوح روزبيرغ، رئيس تحرير «ناريتفلي» (معناها القصصية): «نريد أن نتحاشى السباق الإخباري اليومي. نريد أن نجلس، ونتنفس نفسا عميقا، وننظر إلى ما وراء خبر معين». تعتمد المجلة على عدد كبير من المتعاونين. في حلقة أسبوع واحدة (عن كارثة منجم في ولاية بنسلفانيا) أذيعت يوميا، اشترك أكثر من عشرة متعاونين. ليس هؤلاء صحافيين متفرغين. لكنهم اهتموا بالموضوع، وتابعوه، وكتبوا عنه، وأرسلوا كتاباتهم وصورهم وفيديوهاتهم إلى رئاسة تحرير «ناريتفلي»، حيث وُضعت في صورة مسلسل.
* «ميديوم»: هذه خليط من مجلة وصحيفة. تركز على مواضيع، وتضيف عليها أخبارا يومية. تصدرها شركة «تويتر». وبدلا عن 140 حرفا ومساحة، لا يوجد حد أقصى هنا. (يمكن إن يكون 140 ألف حرف ومساحة). مثل «تويتر»، فيها أخبار، وتعليقات، وصور، وفيديوهات. لكنها طويلة في الحجم، ومنسقة في العرض، وتحرص على اتباع أعلى المقاييس الصحافية، وأحسن وسائل الإخراج الفني. ينشر كل موضوع بعدة وسائل: كتابة، وصور، وفيديو.
وفي نهاية كل موضوع، بدلا عن التعليق، حيز ليجري القارئ تعديلات في الموضوع. طبعا، تعديلات إيجابية، وتحت رقابة المسؤولين عن الموقع، وبهدف رفع مستوى الموضوع.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.