تشهد الفترة الحالية تصاعداً في أنشطة تنظيم «داعش» في أفغانستان، مع سعي التنظيم نحو ترسيخ وجوده في كل مكان داخل البلد الذي مزقته الحرب. ومنذ أغسطس (آب) 2021، عندما استولت جماعة «طالبان» على السلطة في كابل، أعلن «داعش» مسؤوليته عن أكثر من 300 هجوم إرهابي، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وجرى تنفيذ معظم هذه الهجمات ضد تجمعات لـ«طالبان» في مناطق متفرقة من أفغانستان. وتصنف 30 من هذه الهجمات باعتبارها هجمات كبرى.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، قالت ديبورا ليون، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن أنشطة «داعش»، «كانت تقتصر في وقت مضى على عدد قليل من المقاطعات وكابل، لكن يبدو الآن أن (داعش) موجود في جميع المقاطعات تقريباً، وينشط على نحو متزايد». وارتفع عدد الهجمات التي نفذها التنظيم بشكل كبير من العام الماضي إلى العام الحالي، ذلك أنه عام 2020، وقع 60 هجوماً، بينما حتى الآن من هذا العام، وقع 334 هجوماً منسوباً إلى «داعش»، أو أعلن التنظيم مسؤوليته عنها.
جدير بالذكر هنا أنه بعد شهر واحد من سيطرة «طالبان» على كابل في سبتمبر (أيلول) 2021، استضافت الاستخبارات الباكستانية مؤتمراً إقليمياً لرؤساء عدد من الوكالات الاستخباراتية في إسلام آباد، حيث تركز الموضوع محل المناقشة على التهديد الذي يمثله وجود «داعش» في المقاطعات الشمالية والشرقية في أفغانستان. واتفق رؤساء وكالات الاستخبارات من إيران والصين وروسيا وباكستان ودول آسيا الوسطى على تنسيق جهودهم ضد أنشطة «داعش» في أفغانستان، ومساعدة نظام «طالبان» في التعامل مع التهديد الذي يشكله التنظيم.
حالياً، تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن تعاون الأجهزة الأمنية الباكستانية مع «طالبان» الأفغانية في مواجهة تهديد «داعش»، الذي صعد خلال العامين الماضيين.
الواضح أن الوضع الأمني داخل أفغانستان وفي المنطقة الحدودية على الحدود الباكستانية - الأفغانية ليس بالأمر الهين. وأشار تقرير للأمم المتحدة، في وقت قريب، إلى صلات بين «طالبان» و«القاعدة».
من ناحية أخرى، ترتبط «طالبان» الباكستانية بصلات بجميع المنظمات الإرهابية الأم الثلاث: «القاعدة»، والفرع المحلي لـ«داعش»، و«طالبان» الأفغانية. وثمة مؤشرات واضحة على أن «داعش»، التي عززت نفسها داخل أفغانستان والمناطق الحدودية مع باكستان في الفترة بين 2014 و2016 تعمل الآن مرة أخرى على تعبئة مجموعة من المسلحين والإرهابيين داخل المدن والبلدات الباكستانية. ويعد مقتل قس في بيشاور بمثابة مؤشر مروع على هذا الأمر. وقبل أسبوع واحد فقط من مقتل القس، وصف قائد الشرطة الإقليمية، تنظيم «داعش»، بأنه يشكل تهديداً أكبر للمنطقة عن «طالبان» الباكستانية. ويشير خبراء منذ فترة طويلة إلى وجود مجموعة من المسلحين والإرهابيين المدربين والمتحمسين داخل المنطقة التي تسعى جميع الجماعات الإرهابية إلى تجنيد عناصر منها.
في مثل هذا الوضع، تبدو «طالبان» الأفغانية المفتاح لاستراتيجية الأمن الباكستانية. وإذا انهار نظام «طالبان»، أو ثبت عجزه عن استكمال الانتقال من جماعة إرهابية إلى دولة، فإن استراتيجية باكستان وخططها الأمنية سيصبحان محكوماً عليهما بالفشل. الواضح أن هذه المنطقة كانت وستبقى بؤرة للتشدد والإرهاب السني، وسيكون المجتمع الباكستاني أول من يتلقى الضربة.
ودخلت روسيا وإيران والصين في تعاون مع «طالبان» الأفغانية، لمجرد اعتقادهم بأنها تشكل حصناً في مواجهة الجماعات السنية الأشد تطرفاً مثل «داعش». إلا أن هذا لا يكفي للتعامل مع مقاتلي «طالبان» الأفغانية، باعتبارهم عناصر فاعلة بمجال مكافحة الإرهاب.
في الواقع، حقيقة دعم «طالبان» الأفغانية لـ«طالبان» الباكستانية وعملها كأب روحي لها، يكفيان لأن يخيما بظلال قاتمة عليها كدولة مستقرة وجديرة بالثقة فيها داخل المنطقة. بجانب ذلك، فإن تواطؤ «طالبان» الباكستانية مع الفرع المحلي لـ«داعش» في تنفيذ عدة هجمات طائفية في باكستان يثبت أن «طالبان» الأفغانية و«داعش» جزء من منظومة إرهابية أكبر في المنطقة. من جانبها، تعتقد الدولة الباكستانية وقادتها أن «طالبان» الأفغانية شركاء مهمون في تحقيق الاستقرار في المنطقة. في تلك الأثناء، قتل شرطيان كانا يتوليان حراسة فريق التطعيم ضد شلل الأطفال في شمال غربي باكستان على أيدي مهاجمين مجهولين أمس.
تجدر الإشارة هنا إلى أن باكستان وأفغانستان المجاورة البلدان الوحيدان اللذان لا يزال شلل الأطفال مستوطناً بهما. ومع ذلك، يجري استهداف الفرق المسؤولة عن التطعيم ضد المرض منذ سنوات من قبل مسلحين في كلا البلدين. وقُتل العشرات من العاملين في مجال شلل الأطفال والمسؤولين الأمنيين الذين يتولون حراستهم منذ عام 2012 على أيدي مسلحين يزعمون أن برامج التطعيم جزء من مؤامرة غربية لإصابة المسلمين بالعقم، بينما ترى نظرية مؤامرة أخرى أن اللقاحات تحتوي على دهن الخنزير، وبالتالي فهي محرمة على المسلمين.
تصاعد نشاطات «داعش» في أفغانستان
أعلن مسؤوليته عن 300 هجوم إرهابي منذ سيطرة الحركة على كابل
تصاعد نشاطات «داعش» في أفغانستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة