«نوماد لندن» أطباقه تتراقص على ألحان الأوبرا الملكية

فيه التاريخ والجغرافيا وألذ دجاجة تتذوقها في حياتك

قاعة للمناسبات والعشاءات الخاصة يميزها ورق الجدران الذي يغلف الحوائط والأسقف أيضاً
قاعة للمناسبات والعشاءات الخاصة يميزها ورق الجدران الذي يغلف الحوائط والأسقف أيضاً
TT

«نوماد لندن» أطباقه تتراقص على ألحان الأوبرا الملكية

قاعة للمناسبات والعشاءات الخاصة يميزها ورق الجدران الذي يغلف الحوائط والأسقف أيضاً
قاعة للمناسبات والعشاءات الخاصة يميزها ورق الجدران الذي يغلف الحوائط والأسقف أيضاً

من الصعب أن يلتقي التاريخ والجغرافيا وأفضل طبق في مكان واحد. في «نوماد لندن» NoMad London الذي افتتح أبوابه فترة الإغلاق، متحدياً الأوقات الصعبة التي مرت بها بريطانيا والعالم أيام الجائحة، تجتمع كل هذه الصفات، لأن مبنى الفندق الأنيق الواقع مقابل الأوبرا الملكية The Royal Opera House مباشرة، والذي كان في الماضي محكمة قضائية ومركزاً للشرطة البريطانية، وفي أسفله حيث كانت توجد الزنزانة التي تم توقيف الكاتب أوسكار وايلد فيها، ومن ثم تمت محاكمته في تلك المحكمة، ومن الأسماء المعروفة التي جرت محاكمتها في المحكمة ذاتها، ولأسباب مختلفة، مصممة الأزياء فيفيان ويستوود. ليتحول هذا القسم من التاريخ إلى قاعة للحفلات والعشاءات الخاصة في أجواء ساحرة، وفي كنف ديكورات خلابة تبدأ من ورق الجدران الذي يغلف الأسقف أيضاً ليعطي رونقاً وجاذبية لا تُقاوم.

                                        مطعم «نوماد لندن» أناقة تاريخ وعصرية
علامة فندق «نوماد» بدأت عام 2012 في مانهاتن بنيويورك، ومنذ ذلك التاريخ وقع أهالي المدينة بغرام الفندق ومطاعمه من الزيارة الأولى، فأصبح ملتقى رجال الأعمال والأصدقاء وعنوان اللقاءات الغرامية، وعندما وصل إلى لندن حول مدينة كوفنت غاردن الشهيرة بالمسارح والمقاهي، التي تُعتبر من الأماكن التقليدية، قلب معايير الإقامة والأكل، وحمل سمات الخدمة والضيافة الأميركية إلى منطقة إنجليزية بحتة.
توقيت الافتتاح كان بمثابة النور في نهاية النفق؛ فبعد إغلاق تام وحظر تجول، فتحت لندن أبوابها من جديد، وتنفس أهلها الصعداء، ليجدوا عنواناً جديداً مفعماً بالحيوية، في واحدة من أقدم وأجمل المناطق السياحية والثقافية في وسط العاصمة.
أجمل ما في «نوماد لندن» أنه يمزج ما بين التاريخ والعصرية، وهذا واضح من ديكوره، فكما ذكرنا آنفاً، المبنى تاريخي، وهو مدرج من الفئة الثانية على لائحة المباني التاريخية التي لا يمكن التحكم بإعادة تصميمها وتغيير معالمها بشكل كبير، وهذا ما يجعلنا نرفع القبعة لشركة الهندسة وتصميم الديكور «رومان أند ويليمز»، ومقرها نيويورك لمراعاتها موقع المبنى وتاريخه الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وتحويله إلى واحة عصرية، من دون التخلي عن الروح والثقافة الإنجليزية التي تتجلى في مكتبة رائعة تجد فيها مجموعة لا تُحصى من الكتب التي تشدك لقراءتها، فتجد نفسك تجلس لساعات تتناول فيها الشاي ومشروبك المفضل، في أجواء مريحة، وفي ديكور حميمي. وعند نحو الساعة السادسة مساء، يقوم النادل بتوزيع مجموعة من المشروبات وعينات طعام يشارك نزلاء الفندق الموجودون في المكتب آراءهم حولها مع الطاهي الرئيسي في المطبخ.

                                                                                         الدجاجة قبل تقطيعها
مدخل الفندق مليء بالجداريات واللوحات الزيتية، فيه كثير من القطع الفنية والأنتيكات والسجاد والأثاث القديم الذي تراه يتناغم مع موقع الفندق، ويتناقض مع هندام موظف الاستقبال عند مدخل الفندق الرئيسي، الذي ينتعل حذاء رياضة أبيض اللون مع بدلة رسمية.
البهو الرئيسي في الفندق لا يشبه سواه؛ فهو عبارة عن شرفة تطل على المطعم الذي يتميز بسقف من الزجاج عالٍ جداً، الإنارة طبيعية تتسلل فترة النهار من أشعة الشمس، وفترة الليل تضيئه فوانيس كبيرة الحجم متدلية من السقف البلوري المدبب. واللافت في ديكور المطعم الرئيس في «نوماد»، الذي يُعرَف باسم «أتريوم» Atrium أنه يشبه إلى حد كبير البيت الزجاجي لزراعة الشتول (Greenhouse) لذا تم اختيار اللون الأخضر للأرائك، وتم وضع كثير من الشتول المتدلية من أعلى الشرفات، مما يمنحك الشعور بأنك في مكان مفتوح، وفي أحضان الطبيعة. يتمتع هذا المطعم بروح المسرح وعظمة الحقبة الفيكتورية؛ فغرف الفندق تتوزع فوقه، ويمكن للنزل المتوجهين إلى أجنحتهم وغرفهم مشاهدة الجالسين على مقاعد المطعم الوثيرة الخضراء والزرقاء والوردية، لأن الشرفة في الأعلى تلتف حول المبنى من الداخل، ومنها تصل إلى الغرف.
تخيل وأنت تجلس في المطعم بأنه في هذا المكان تحديداً كان يتم حجز الخارجين عن القانون، خاصة أنه في هذا القسم من المبنى كان يقع أول مركز للشرطة في لندن تحت اسم «Bow Street Police Station».
عبر سلم حلزوني ضخم تصل إلى عاملة الاستقبال، وهي تضع الحجاب على رأسها، وهذا ما يجعل المكان خلطة اجتماعية ثقافية لا يمكن مقارنتها بأي مكان آخر، تستقبلك موظفة الاستقبال بابتسامة عريضة، وبزي موحد جميل وأنيق، تدلك إلى طاولتك... الطاولات في وسط المطعم مربعة الشكل، تضم الكراسي من جهة والأرائك من الجهة التي توضع خلفها الشتول الخضراء، أما الطاولات التي تقع بمحاذاة الجدران الخلفية فهي مصممة على شكل نصف دائري.

                                                      من ألذ أطباق الدجاج المتوفرة في مطاعم لندن
يأتي لوكا بلباس أنيق وسترة جميلة وربطة عنق على شكل فراشة، يدلنا على لائحة الطعام، هي الأخرى مربعة الشكل وبيضاء اللون، والأهم أنها لا تضم عدداً لا يُحصى من الأطباق، وهذا الأمر يروق لي لعدة أسباب، من بينها ضمان أن جميع الأطباق تُحضَّر بعناية فائقة وطازجة. وقع نظري على خانة مستقلة على اللائحة تضم طبق الدجاج المحشو بالكمأة مع الـ«فوا غرا» Foie Gras والبريوش، عندما طلبت هذا الطبق جاوبني النادل لوكا بلكنته الإيطالية بأني أبليت حسناً في هذا الاختيار، والسبب هو أن هذا الطبق لا يمكن أن أجده في أي مطعم آخر، كما أنه يُعتبر ألذ طبق دجاج على الإطلاق، ولكنه حذرني من أنه سيستغرق ما بين 35 و40 دقيقة لطهيه، طريقة الوصف كانت كافية لسيل اللعاب والانتظار، وهكذا حصل، انتظرت بفارغ الصبر، وفي هذه الأثناء يجلبون خبز الفوكاشيا الخارج من الفرن للتو، تبدأ به عرس الطعام.
طلبت طبقاً أولياً واحداً فقط، وهو عبارة عن قطعة من البوراتا من بوليا في إيطاليا مع قطع من الطماطم، لم أطلب أكثر في المرحلة الأولية، لأن لوكا حذرني من أن الدجاجة كبيرة الحجم، والطبق هو مخصص بالأصل لشخصين بسعر نحو 90 جنيهاً إسترلينياً (لشخصين).
مضت فترة الانتظار، وجاء النادل وهو يحمل في يده بيضة منزوعة الرأس وموضوعة على قاعدة من الحديد على شكل أرجل الدجاجة، سألني: «من جاء قبل البيضة أم الدجاجة؟»، جاوبته: «الآن وفي هذه الحالة البيضة، لأنني ما زلت بانتظار الدجاجة»، (البيضة عبارة عن جبن ذائب مع صلصة الفطر موضوع داخل قشرة البيض)، ابتسم لوكا وذهب ليحضر الدجاجة، ويا لها من دجاجة! كانت موضوعة في وعاء من الفضة، وزُينت بالأعشاب الطبيعية والخزامى، أحضرها لألقي عليها نظرة قبل أخذها إلى المطبخ مرة أخرى لتقطيعها وإعادتها إلى الطاولة مع الصلصة الخاصة التي تُضاف إليها.
لا أبالغ إذا قلت إن هذه الدجاجة تستحق نجمة تميز لوحدها، بعيداً عن تقييم المطعم، لأن طريقة تحضيرها بالفعل فريدة من نوعها؛ يوضع كل من «الفوا غرا» والكمأة والبريوش وجبن البارميزان الإيطالي تحت الجلد مباشرة، وبحسب السو شيف الذي خرج لإلقاء التحية، فيتم تحضير الدجاجة قبل يوم، وتوضَع بعدها في الثلاجة، وتُطهى عند الطلب، وأكد أن المطعم يبيع 10 دجاجات في اليوم، كأقل معدل، وهناك طلب كبير عليها، لأنها مميزة وفيها مكونات يعشقها أصحاب الذوق الرفيع، كما أن طهيها على نار هادئة يعطيها تلك الهشاشة التي تجعل قطعة الدجاج تذوب في الفم وتسبح مع الكمأة مع المكونات الأخرى.

أحذركم من أن حجم الدجاجة كبير، ومن الممكن أن يتشاركها ثلاثة أشخاص بكل سهولة.
من الممكن أن تجربوا طبق بطاطس الروستي، كطبق جانبي، ولكن إذا كنتم مع شخص واحد؛ فقد يكون من الأفضل طلب الدجاجة فقط، لأنها ثقيلة بعض الشيء.
أما بالنسبة للحلوى، وبعد إتمام مهمة أكل الدجاجة بنجاح، فقد يكون من الأفضل اختيار السوربيه بالفاكهة، مثل الكرز أو التوت، والابتعاد عن الشوكولاته.
لطالما ارتبط اسم «نوماد» بالشيف دانييل هوم، ولكن ولسوء الحظ افترق الاثنان ليتسلم مكانه الشيف آشلي أبوديلي، التي أحضرت كثيراً مما كانت تحمله في جعبتها في نيويورك من وصفات لتطبقها في «نوماد لندن».
يشار إلى أن المطعم الرئيس في «نوماد لندن» يفتح أبوابه أمام نزلاء الفندق والزبائن من الخارج لتناول الفطور لغاية الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وبعدها البرانش، وتتغير لائحة الطعام عند فترة الظهر لتقديم الغداء، وبعدها تُقدَّم لائحة طعام أخرى لفترة العشاء.
من الأطباق التي أنصحكم بها إذا ما كنتم تفضلون الفطور أو «البرانش» على العشاء، الأفوكادو مع التوست والبيض أو العجة الإسبانية، ولكن الطبق الألذ هو البانكيك (Pancakes) مع الكريمة والتوت الأحمر الطازج وصلصة المايبل سيروب اللذيذة، وأعتقد أن هذا «البانكيك» هو من بين أفضل ما قد يمكن أن تجدوه في لندن... على مسؤوليتي.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.