ندرة المياه مع العواصف الترابية... هل بدأ جفاف «قصعة الغبار»؟

أكثر من دولة وضعت إجراءات مشددة لترشيد الاستهلاك

إوزة تبحث عن الماء في قاع بحيرة فيلينس المجففة بالمجر (أ.ب)
إوزة تبحث عن الماء في قاع بحيرة فيلينس المجففة بالمجر (أ.ب)
TT
20

ندرة المياه مع العواصف الترابية... هل بدأ جفاف «قصعة الغبار»؟

إوزة تبحث عن الماء في قاع بحيرة فيلينس المجففة بالمجر (أ.ب)
إوزة تبحث عن الماء في قاع بحيرة فيلينس المجففة بالمجر (أ.ب)

«إذا رأيتموني، فابكوا»... هذا النص المكتوب على ما يُعرف بـ«حجارة الجوع» في نهر «إلبه» في التشيك، والذي لا يظهر إلا عند انخفاض مستوى المياه، هو رسالة من الماضي قرأها هذه الأيام أبناء الحاضر، لتذكِّرهم بالصعوبات التي واجهها الأجداد خلال فترات جفاف سابقة.
وتوجد مشاهد شبيهة في أنهار أخرى، غير أن حجر نهر «إلبه» في التشيك، والذي يعود تاريخه إلى عام 1616، ينفرد بكونه الوحيد الذي يحمل معلومات عن السنوات التي انحسرت فيها المياه، وهو ما جعل بعض الخبراء يرون أن ما يحدث من جفاف مقرون بعواصف ترابية في بعض الدول هو تقلب مناخي طبيعي، بدليل أن الأجداد عانوا منه.
وعانت الولايات المتحدة الأميركية من حقبة جفاف اجتمعت فيها ندرة المياه مع العواصف الترابية الشديدة، وعُرفت تلك الحقبة التي امتدت من يوليو (تموز) 1928 حتى مايو (أيار) 1942 بحقبة «قصعة الغبار»، وبينما حاول البعض الربط بين ما يحدث حالياً من جفاف شديد وعواصف ترابية في كثير من الدول، للقول إننا على مشارف حقبة شبيهة. ويرفض سيباستيان لونينغ، من معهد الهيدروغرافيا والجيولوجيا وعلوم المناخ بسويسرا، التعويل على ما حدث هذا العام للخروج بهذه النتيجة.
وشهدت أكثر من دولة حول العالم هذا العام موجة جفاف غير مسبوقة مصحوبة بعواصف ترابية أعادت إلى الأذهان حقبة «قصعة الغبار»، وظهر تأثير الجفاف واضحاً مع انحسار منسوب الأنهار في أكثر من دولة حول العالم، حتى إن الدول الأوروبية وضعت مؤخراً ضوابط لاستخدام المياه بسبب الجفاف.
ولم يكن هذا التزامن بين الجفاف والعواصف الترابية مقنعاً لسيباستيان للقول بأن العالم يعيش تأثيرات «قصعة الغبار»، ويرى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الخطأ التعويل على حدث وقع في عام واحد فقط، للقول بأننا نعيش موجة جفاف، أياً كان اسمها، لأن موجات الجفاف تتشكل في فترة زمنية، وتكون الفترة من عقد إلى عقدين».
وعادةً ما تكون موجات الجفاف مصاحبة للغبار، وربما حصلت حقبة جفاف «قصعة الغبار» على هذا الاسم بسبب شده الجفاف، الذي تبعتها شدة في العواصف الترابية، ويوضح سيباستيان أن «الجفاف يعني قلة الغطاء النباتي، لذلك يمكن للرياح التقاط الغبار بسهولة أكبر».
ويتفق أحمد أيوب، الباحث في المعهد المتوسطي لبحوث الزراعة بإيطاليا، مع ما ذهب إليه سيباستيان لناحية أن الجفاف هو «عملية بطيئة تتطلب مواسم أو حتى سنوات لتتطور بشكل كامل، ولكنه يرفض ما يستشعره في حديثه من استهانة بما يحدث».
ويقول أيوب لـ«الشرق الأوسط»: «هل من المفترض الانتظار عقد كامل، حتى نقول في نهايته إننا أمام مشكلة، فهناك دراسات رصدت وتيرة متسارعة في أحداث الجفاف، بسبب تداعيات التغيرات المناخية، ويجب أن نقول ذلك بشكل واضح».
إحدى هذه الدراسات التي أشار إليها أيوب تلك المنشورة في دورية «الطقس والمناخ المتطرف»، في أغسطس (آب) الجاري، لفريق بحثي من جامعة «كولورادو»، ترأسه عالمة المناخ الأميركية فرجينيا إغليسياس، وقالت في مقدمة دراستها إن الجفاف يتم وصفه تقليدياً بأنه عملية بطيئة تتطلب مواسم أو حتى سنوات لتتطور بشكل كامل، غير أن أحداث الجفاف سريعة التطور الأخيرة، شكّلت تحدياً للقدرة على التنبؤ والاستجابة.
ولفتت إلى أن متوسط معدلات هجوم الجفاف في أميركا لم يتغير بشكل كبير منذ عام 1951 حتى 2021، ولكن التكثيف السريع في ظروف الجفاف خلال الفترة من 2011 - 2021، كان من أسرع المعدلات خلال العقود السبعة الماضية.
والمقصود بالتكثيف السريع هو التطور السريع في ظروف الجفاف مثل فقدان الرطوبة من التربة بسرعة ودون سابق إنذار، وهو ما رصدته أيضاً قبل نحو أربعة أشهر دراسة دولية، تناولت المشكلة على نطاق أكبر.
وعن طريق تحليل 21 عاماً من بيانات المناخ المائي، المستقاة من قياسات الأقمار الصناعية للانخفاضات السريعة والشديدة في رطوبة التربة حول العالم منذ عام 2000 إلى 2020، توصلت الدراسة التي قادها باحثون من جامعة «هونغ كونغ»، والمنشورة في أبريل (نيسان) بدورية «نيتشر كومينيكيشن»، إلى أن موجات الجفاف التي تحدث فجأة يبدو أنها تضرب بشكل أسرع في العقدين الماضيين، مع ظهور ما يقرب من 33 - 46 في المائة من حالات الجفاف المفاجئ بغضون خمسة أيام فقط.
والشيء الوحيد الذي تقوله هذه الدراسات وما يشهده العالم حالياً، أن التغيرات المناخية تطرق الأبواب بقوة، كما يؤكد محمد عبد المنعم، كبير مستشاري التغيرات المناخية بالمكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (فاو).
ويقول عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط»: «الجفاف الذي شهدته أوروبا لم يحدث منذ 500 عام، والحرائق التي حدثت مؤخراً في أكثر من دولة، ومنها الجزائر، تجعلنا نحاول البحث عن حلول لمنع تفاقم تأثيرات التغيرات المناخية في المستقبل».
ويضيف: «التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يقول إنه سيكون من الصعب عودة البيئة إلى ما كانت عليه، ولكن التحدي الآن هو ألا يحدث تفاقم للمشكلة».
ويزيل عبد المنعم اللبس الذي يمكن يحدث لدى البعض نتيجة هطول أمطار شديدة في وقت الجفاف، قائلاً: إن «درجات الحرارة الأكثر دفئاً تؤدي إلى زيادة التبخر وتجفيف التربة، ويمكن أن يتخلل الطقس الجاف أحداث هطول أمطار شديدة لأن الجو الأكثر دفئاً يحمل المزيد من الرطوبة، مما يعني أنه عندما تكون الظروف مواتية لسقوط الأمطار يكون هناك المزيد منها في فترات قصيرة، وتكون الأرض الجافة غير قادرة على امتصاصها، فتحدث الفيضانات».



تغير المناخ يهدد باصطدام الأقمار الاصطناعية بالحطام الفضائي

يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
TT
20

تغير المناخ يهدد باصطدام الأقمار الاصطناعية بالحطام الفضائي

يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

كشفت دراسة أميركية أن تغير المناخ يؤثر على الفضاء القريب من الأرض، بطريقة قد تزيد من خطر اصطدام الأقمار الاصطناعية، مما يقلل من عدد الأقمار التي يمكن تشغيلها بأمان في المستقبل.

وأوضح باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن نتائج الدراسة التي نُشرت، الاثنين، بدورية «Nature Sustainability»، تسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لضمان استمرار استخدام المدار الأرضي المنخفض.

وأظهرت الدراسة أن انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، تؤدي إلى انكماش الغلاف الجوي العلوي، مما يقلل من كثافته، خصوصاً في طبقة الثرموسفير، حيث تدور محطة الفضاء الدولية ومجموعة من الأقمار الاصطناعية.

وفي الظروف الطبيعية، يساعد الغلاف الجوي العلوي في التخلص من الحطام الفضائي من خلال قوة مقاومة تُعرف بالسحب الجوي، التي تسحب الأجسام القديمة نحو الأرض لتتفكك وتحترق عند دخولها الغلاف الجوي. لكن مع انخفاض الكثافة الجوية، تضعف هذه القوة؛ مما يؤدي إلى بقاء الحطام الفضائي في المدار لفترات أطول، وهو الأمر الذي يزيد خطر الاصطدامات، ويؤدي إلى ازدحام المدارات الفضائية.

وباستخدام نماذج محاكاة لسيناريوهات مختلفة لانبعاثات الكربون وتأثيرها على الغلاف الجوي العلوي والديناميكيات المدارية، وجد الباحثون أن «القدرة الاستيعابية للأقمار الاصطناعية» - أي الحد الأقصى لعدد الأقمار الاصطناعية التي يمكن تشغيلها بأمان - قد تنخفض بنسبة تتراوح بين 50 و66 في المائة بحلول عام 2100، إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة في الارتفاع.

كما وجدت الدراسة أن الغلاف الجوي العلوي يمر بدورات انكماش وتوسع كل 11 عاماً بسبب النشاط الشمسي، لكن البيانات الحديثة تظهر أن تأثير الغازات الدفيئة يتجاوز هذه التغيرات الطبيعية، مما يؤدي إلى تقلص دائم في الثرموسفير.

وحالياً، يدور أكثر من 10 آلاف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض، الذي يمتد حتى ارتفاع ألفي كيلومتر عن سطح الأرض. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد الأقمار الاصطناعية، خصوصاً مع إطلاق كوكبات ضخمة مثل مشروع «ستارلينك» لشركة «سبيس إكس»، الذي يضم آلاف الأقمار لتوفير الإنترنت الفضائي.

وحذر الباحثون من أن انخفاض قدرة الغلاف الجوي على إزالة الحطام الفضائي سيؤدي إلى زيادة كثافة الأجسام في المدار؛ مما يعزز احتمالات الاصطدامات. وقد يفضي ذلك لسلسلة من التصادمات المتتالية، تُعرف بظاهرة «متلازمة كيسلر»، التي قد تجعل المدار غير صالح للاستخدام.

وأشار الفريق إلى أنه إذا استمرت انبعاثات الكربون في الارتفاع، فقد تصبح بعض المدارات غير آمنة، وسيؤثر ذلك سلباً على تشغيل الأقمار الاصطناعية الجديدة المستخدمة في الاتصالات، والملاحة، والاستشعار عن بُعد.

وفي الختام، أكد الباحثون أن الحد من هذه المخاطر يتطلب إجراءات عاجلة، تشمل تقليل الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، إلى جانب تبني استراتيجيات أكثر فاعلية لإدارة النفايات الفضائية، مثل إزالة الحطام الفضائي، وإعادة تصميم الأقمار بحيث يكون تفكيكها أكثر سهولة عند انتهاء عمرها التشغيلي.