نساء بغداد... رؤية فنية من شرق السعودية

رحابة الفن التشكيلي السعودي أخذت تتسع لتصل لأمكنة وشخوص عدة، من ذلك نساء حارات بغداد العتيقة، اللاتي جذبن التشكيلية السعودية نوف الجامع، لترسم بلوحاتها قصصاً متنوعة عن تلك النسوة اللاتي يشكلن محوراً رئيسياً في اتجاهها الفني، مع تعمقها بالتفاصيل الدقيقة للمرأة العراقية في أعمالها، مما يمنح رسوماتها طابعاً انفردت به.
الجامع التي تسكن شرق السعودية، أرجعت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» ذلك، إلى كون والدتها من أصول عراقية، وهو ما دفعها للمزج ما بين روح البساطة السعودية وعمق الحياة البغدادية، قائلة: «ذهبت إلى العراق وأنا طفلة بعمر السادسة، وأتذكر منذ ذلك الحين وحتى اليوم عدة أشياء، أتذكر البصرة، حيث البساطة والبيوت العتيقة والنخيل وطيبة الناس، وبعد ذلك استمرت والدتي تحدثني عن العراق».
وتطرقت الجامع خلال حديثها إلى خالها التشكيلي السعودي الراحل عبد الله الشيخ، الذي وُلد في مدينة الزبير العراقية عام 1936، ويعد أحد رواد الفن المعاصر في المملكة قائلة: «توفي قبل نحو 3 أعوام، وكان قد درس الفن في بغداد، وهو أيضاً تأثر كثيراً بالفن العراقي». واللافت في أعمال عبد الله الشيخ أن روح العراق كثيراً ما تطل في لوحاته، بأزقتها الضيقة وأحيائها القديمة.

ن                                                                سوة نوف الجامع تجمعهن إغماضة العين والألوان الزاهية
صورة المرأة
تبدو النسوة في لوحات نوف الجامع مترفات، يزجين الوقت باحتساء الشاي والثرثرة الطويلة، موضحةً أن ذلك يشبه العوالم التي اختزنتها في ذاكرتها عن المكان الذي كانت تراه دائماً بعين والدتها، مضيفة: «كانت أمي تحن لماضي العراق في فترة الحكم الملكي، وكثيراً ما حكت لي عن العز الذي شهده العراق في تلك الحقبة». وتشير الجامع إلى أن «الفن العراقي هو فن عميق، فحين نتأمل لوحة فنحن نشاهد القصة التي داخلها، ونشعر أن هناك زمناً جميلاً مر خلالها، مثل لوحات الفنان شاكر الألوسي، فهو دائماً يرسم النساء وهن يتحدثن معاً ويحتسين القهوة... وأغلب لوحاته بهذا الطابع». وتابعت: «أحب أن أرسم المرأة في أجمل حالاتها، ولا أستطيع أن أرسم شيئاً آخر غير المرأة». وتضيف: «أنا أنتمي للمدرسة التعبيرية، وتأثرت بالكثير من الفنانين العراقيين، مثل فائق حسن وشاكر الألوسي».
إغماضة الأعين
يلاحظ المتأمل لأعمال الجامع أن أعين النساء مغمضة ولها ابتسامة خفيفة تثير الفضول، بسؤالها عن ذلك تجيب: «نحن دائماً عندما نتخيّل شيئاً ما أو نستمتع بعمل أمر معين، فإننا نقوم لاشعورياً بإغماض أعيننا، لنستشعر هذا الجمال، كأننا نغلقها للاحتفاظ بهذا الشيء الجميل داخلنا؛ قدر المستطاع».
والسمة الأخرى اللافتة في لوحات الجامع هي الألوان الزاهية، عن ذلك تقول: «الألوان هي عالم جميل، ولها تأثير كبير على دواخلنا ومشاعرنا ونظرتنا تجاه الحياة، لذا أحب أن أجعل من ينظر لأعمالي ينظر لها وهو يشعر بالسعادة والحب والفرح، ويكون تأثير الألوان عليه إيجابياً، بحيث يشعر بانشراح الصدر حين يراها».
قصة البداية
وتصف التشكيلية نوف الجامع رؤيتها تجاه الفن التشكيلي بأنها ترتبط بتزجية الوقت في الدرجة الأولى، حيث تعبّر عن اشتغالها بالفن قائلة: «أحب أن يكون ليومي معنى، والفن أعدّه ملاذاً ومتنفساً... أتجه للرسم إذا حزنت، اشتقت، فرحت، شعرت بالحاجة للكلام والتعبير عمّا بداخلي». وتشير إلى أن بداية انطلاقتها الفنية أتت، خلال مشاركتها في معرض من تنظيم مركز «البيلسان» للفنون الجميلة بمدينة الخبر (شرق السعودية)، عام 2009. مشيرة إلى الحراك الكبير الذي شهده الفن التشكيلي السعودي مذّاك الحين وحتى اليوم.
وتصف الجامع أعمالها بأنها أشبه برسائل اشتياق، قائلة: «قبل نحو 6 سنوات توفيت والدتي، ودائماً حين يداعبني الاشتياق لها أقوم بالرسم، وعندما أرسم فأنا أشعر كأني أتبادل الأحاديث معها وأحكي لها تفاصيل يومي وحياتي من خلال اللوحة، لتبدو كأنها رسالة اشتياق». وعن مصادر أفكارها تشير إلى أنها تكمن في مواقف الحياة، حيث تستند إلى الذكريات والظروف التي عاشتها، قائلة: «أعبر برسمي دائماً عن حالات الصبر والحب والاشتياق، وكذلك الفرح».