قانونيون: تدقيق دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية المالية «مشدد»

أكدوا أن السوق استفادت من تجربة نظيراتها في المنطقة

قانونيون: تدقيق دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية المالية «مشدد»
TT

قانونيون: تدقيق دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية المالية «مشدد»

قانونيون: تدقيق دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية المالية «مشدد»

أكد خبراء قانونيون لـ«الشرق الأوسط» أن التدقيق في وضعية المستثمرين الأجانب الذين سيدخلون إلى السوق المالية السعودية سيكون مشددا على نحو لم تشهده أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لمراعاة عملية تطور السوق السعودية مع دخول هؤلاء المستثمرين.
وقال أحمد محمد المساعد الأول في شركة «التميمي ومشاركوه» للشؤون القانونية إن إعطاء الحق لهيئة السوق المالية للموافقة النهائية على المستثمر الأجنبي المؤهل وكل واحد من عملاء المستثمر الأجنبي المؤهل، بالإضافة إلى ضمان اقتصار السوق السعودية على المؤسسات المالية الأجنبية الضخمة التي تتمتع بسجلات استثمارية قوية لتصبح مستثمرا أجنبيا مؤهلا، هما العاملان الأهم اللذان يعطيان الهيئة القوة في إدارة عملية دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق. وأضاف «رغم ما للعاملين المذكورين من أهمية كبرى في سوق الأسهم السعودية في المرحلة المقبلة، فإن اشتراط أن يكون عملاء المستثمر الأجنبي المؤهل عبارة عن صناديق استثمارية منظمة أو مؤسسات مالية، بالإضافة إلى القيود المحددة للاستثمارات بالنسبة للمستثمر الأجنبي المؤهل، سيعملان على ترشيد دخول المستثمرين غير السعوديين إلى السوق التي توصف بأنها الأكبر والأنضج في المنطقة».
وحول القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة، الذي دخل في مرحلة النفاذ منذ الأول من شهر يونيو (حزيران) بعد أن اجتاز فترة الانتظار القانوني التي تمتد لأسبوعين، قال محمد «يهدف هذا النظام إلى ضمان استيفاء المستثمر للتسجيل كمؤسسة مالية مؤهلة للاستثمار الأجنبي، حيث يجب أن تقدم المؤسسات الأجنبية طلبا لتقييم الشخص المرخص له. ويمثل الشخص المرخص له أعمال الأوراق المالية المسجلة، حيث يرخص له بممارسة نشاط تداول الأوراق المالية المتداولة التي تسمح بها هيئة السوق المالية لمراجعة وإتمام وتقديم الطلب من قبل مقدم الطلب الأجنبي إلى هيئة السوق المالية. ومع إتمام التسجيل فإن بإمكان المستثمر الأجنبي المؤهل الوصول مباشرة إلى السوق من أجل شراء وبيع الأوراق المالية المدرجة نيابة عن عملائه».
وكانت هيئة السوق المالية السعودية قد أعلنت في منتصف أبريل (نيسان) الماضي السماح للمستثمرين الأجانب المؤهلين بالاستثمار في الأسهم المدرجة بسوق السعودية بدءا من 15 يونيو (حزيران) الحالي.
ومن جهته، قال جلين لوفيل، الشريك في «التميمي»: «يجب على المستثمر الأجنبي الذي سيدخل إلى السوق السعودية أن يكون بنكا أو شركة وساطة مالية أو أوراق مالية، أو مدير صندوق أو شركة تأمين، ويجب أن تكون هذه الشركات أو البنوك مرخصة حسب الأصول أو خاضعة لرقابة تنظيمية، مع امتلاك أصول لا تقل عن 5 مليارات دولار، ويمكن لهيئة السوق المالية خفضها إلى ما يقل عن 3 مليارات دولار، وأن تكون لديها أنشطة استثمارية ذات صلة لمدة لا تقل عن خمس سنوات». وأضاف قائلا «على الرغم من كون القوانين في السعودية أكثر تقييدا من الموجودة في أسواق الإمارات عدا السوق في دبي، فإنها تمثل خطوة رئيسية في انفتاح الأسهم المدرجة في السعودية للاستثمار الأجنبي. حيث سيستطيع كل من الشخص المرخص له وهيئة السوق المالية أن تدقق في المستثمرين على نحو لم تشهده أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن هناك مخاطر طبيعية ستنشأ عن هذا الدخول، لكن القوانين والإجراءات التي تم الأخذ بها ستمكن المنظمين من متابعة تلك الأخطار على مستوى المؤسسات المالية الكبرى، وكذلك اللاعبين المحليين، وذلك بهدف منع أي شكل للتلاعب في السوق، خاصة أنه من المتوقع أن تشمل مؤشرات «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» للأسهم العالمية سوق الأسهم السعودية بحلول منتصف عام 2017.
وأكد الخبراء أن المنظمين السعوديين يحذرون من خلال تلك الإجراءات من تكرار أنماط مماثلة للموجودة في الإمارات، حيث ارتفعت أسواق الأسهم لديها قبل الإدراج في مؤشر الأسواق الناشئة، ثم تصاعدت على الفور عن وضعها بعد فترة وجيزة.
وكانت «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» قالت إنها ترحب بخطوات السعودية في فتح سوق الأسهم لتعاملات الأجانب، وترى أن هذا تطور مهم للمساهمة في المزيد من التوسع في الفرص الاستثمارية العالمية المتاحة للمستثمرين من المؤسسات.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.