الأمطار الصيفية... هل تعيد العرب إلى عصر «الصحراء الخضراء»؟

من بين أكثر التحليلات المتداولة حول الأمطار الصيفية التي شهدتها شبه الجزيرة العربية، أنها نتاج طقس يشبه إلى حد كبير الفترة من عصر «الهولوسين» المبكر، التي كانت بدايتها قبل حوالي 12 ألف عام.
واستندت هذه التحليلات التي نشرها أكثر من موقع متخصص في الطقس، إلى التغير الذي حدث في خريطة الأمطار الصيفية في شبه الجزيرة العربية، حيث كانت تتركز عادة في الأجزاء الجنوبية من الجزيرة العربية، غير أنها توسعت بشكل ملحوظ خلال هذا العام، بشكل كان معتاداً في بدايات عصر الهولوسين، الأمر الذي يطرح التساؤل التالي: «هل أصبحت المنطقة على أعتاب دورة مناخية جديدة بملامح تشبه الماضي؟».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1559251643786579972
وقبل نحو 3 سنوات، رسم مشروع بحثي قاده العالم سيباستيان لونينغ، من معهد الهيدروغرافيا والجيولوجيا وعلوم المناخ بسويسرا، ملامح مناخ شبه الجزيرة العربية خلال عصر «الهولوسين».
وأشار لونينغ ورفاقه في كتابهم «جيولوجيا العالم العربي» الصادر في 2019، الذي ضمنوه نتائج مشروعهم، إلى أن درجات الحرارة ارتفعت عالمياً خلال تلك الفترة، وكان تاريخ مناخ الهولوسين في شمال أفريقيا والجزيرة العربية مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بهذا التطور العالمي، وصاحب هذه الحرارة رطوبة متزايدة ناتجة عن تكثيف أمطار الشتاء في جنوب البحر الأبيض المتوسط وتغلغلها الأعمق جنوباً، ونتج عن ذلك هطول موسع للأمطار، لذلك يطلق على تلك المرحلة من تاريخ شبه الجزيرة العربية «الصحراء الخضراء»، حيث كانت الصحراء القاحلة اليوم منطقة غنية بالنباتات تهطل عليها الأمطار بغزارة.
ورغم التشابه بين ما حدث خلال العام الحالي وعصر الهولوسين المبكر، إلا أن لونينغ قال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجزم بأن ما حدث هذا الصيف هو تغير في المناخ يحتاج إلى بيانات تخص 30 عاماً على الأقل، فحدوث تغير خلال موسم أو موسمين لا يُعد كافياً على الإطلاق للقول إن المنطقة على أعتاب دورة مناخية جديدة».
وتابع: «ما حدث لا يزال طقساً، وليس مناخاً»، حيث يكون الاختلاف بينهما في المدة الزمنية، فالطقس هو ظروف الغلاف الجوي على مدى فترة زمنية قصيرة (ساعة أو يوماً أو أسبوع)، بينما المناخ يتعلق بكيفية تصرف الغلاف الجوي على مدى فترات زمنية أطول نسبياً (تصل إلى سنوات أو حتى مئات السنين).
وأضاف لونينغ: «سيكون من الرائع العودة إلى زمن (الصحراء الخضراء) وشبه الجزيرة العربية الخضراء، لكن دعونا لا ننسى أن تلك الأوقات كانت أكثر دفئاً بمقدار 1 - 3 درجات عن اليوم، لذلك إذا تكرر الحد الأقصى للحرارة من الهولوسين أو الفترة الأفريقية الرطبة، فسنرى المزيد من الأمطار في شبه الجزيرة العربية، ولكن أيضاً درجات حرارة أعلى».
واتفق مع الرأي السابق بيتر نيبيرتز، أستاذ الأرصاد الجوية بمعهد الأرصاد وبحوث المناخ في ألمانيا، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، «يجب ألا نرسم أوجه تشابه مع الهولوسين، بناء على سقوط الأمطار الصيفية في موسم أو اثنين، حيث إن العديد من العوامل المناخية مختلفة اليوم، مثل محتوى ثاني أكسيد الكربون، ومستويات درجة الحرارة الإجمالية».

جانب من تأثيرات الأمطار الصيفية في الإمارات (رويترز)

وتابع: «سقوط الأمطار في صيف واحد أو اثنين، لا يُعد مؤشراً لأي تغيير طويل المدى، حيث يحتاج الإقرار بحدوث تغيير مناخي، رصداً طويل المدى».
وأضاف: «لا أتمنى أن تكون الأمطار الصيفية مؤشراً على فترة مناخية جديدة تشبه الهولوسين المبكر، الذي شهد ارتفاعاً في درجة حرارة العالم، لأن الزيادة (المؤكدة) في درجة الحرارة والرطوبة ستكون تحدياً للبشر في جزء حار بالفعل من العالم».
وقلل نيبيرتز من احتمالية مناقشة مثل هذه الظواهر غير الاعتيادية في قمة المناخ المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) بمدينة شرم الشيخ المصرية، وقال: «أعتقد أن (كوب 27) ستتحدث في الغالب عن التغيرات طويلة المدى وليس عن أمطار صيفية غير عادية».
وإذا كان الخبيران قد أكدا الحاجة إلى الانتظار لسنوات حتى يمكن القول إننا على أعتاب دورة مناخية جديدة في منطقة شبه الجزيرة العربية، انطلاقاً من أن هناك فارقاً كبيراً بين الطقس والمناخ؛ فإن ما تحت أيدينا الآن هو تفسيرات الطقس لتلك الأمطار، وتنبؤات مراكز الأرصاد التي لا تتعدى أياماً.
وأحدث التحليلات والتنبؤات تلك التي خرجت عن أحمد حبيب، من المركز الوطني للأرصاد الجوية بدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أكد في لقاء مؤخراً مع قناة «العربية» الإنجليزية، على أن «المنطقة يجب أن تستعد لمزيد من هطول الأمطار في أغسطس (آب) مع التغيرات الموسمية في منطقة (نطاق التقارب بين المدارين)، وهي منطقة ضغط منخفض بالقرب من خط الاستواء تمتد حول الكرة الأرضية من الشرق إلى الغرب، وتتلاقى عندها الرياح التجارية شمال الشرقية وجنوب الشرقية، ويكون هذا التقارب بين الرياح مصحوباً بتصاعد قسري للرطوبة، ينتج عنه سحبٌ ركامية وتساقطات غزيرة».
وأوضح حبيب أن هذه التغيرات في منطقة «نطاق التقارب بين المدارين» اقترنت بالرياح الموسمية الهندية التي أدت إلى تحول شمالاً في أنظمة الضغط المنخفض التي تسببت في هطول أمطار موسمية.
ووفق آخر تحديثات الطقس في المنطقة، أعلن المركز الوطني للأرصاد في السعودية، أول من أمس، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، استمرار هطول الأمطار الرعدية المصحوبة بنشاط في الرياح السطحية المثيرة للأتربة والغبار على مناطق نجران، جازان، عسير، الباحة، مكة المكرمة، المدينة المنورة، وتبوك، يمتد تأثيرها على الأجزاء الساحلية من تلك المناطق، وكذلك الأجزاء الجنوبية من المنطقة الشرقية (الربع الخالي) والرياض (وادي الدواسر).
وفي الإمارات، أعلن المركز الوطني للأرصاد، أمس، أنه لا تزال هناك فرصٌ لتكون «بعض السحب الركامية المحلية مع سقوط أمطار من خفيفة إلى متوسطة تكون غزيرة أحياناً على المناطق الشرقية والشمالية ومدينة العين ومنطقة الظفرة، واستمرار الرياح الجنوبية الشرقية المعتدلة والنشطة أحياناً المحملة بالغبار».
وتشير الصورة الجوية التي نشرتها الأرصاد العمانية إلى استمرار تدفق سحب متفاوتة الارتفاع على معظم المحافظات، ونشاط سحب الخريف وتساقط الرذاذ على سواحل وجبال محافظة ظفار.