عندما اعتزل مات بيسبي كرة القدم في عام 1969 كان مستوى المواهب الاستثنائية الثلاثة لمانشستر يونايتد، والذين سبق لهم الفوز بالكرة الذهبية بصفتهم أفضل لاعبي العالم، في تراجع واضح. كان بوبي تشارلتون يبلغ من العمر 31 عاماً وكان يقترب من نهاية مسيرته الكروية، وكان دينيس لو في التاسعة والعشرين من عمره لكنه لم يتعاف تماماً من الإصابة القوية التي لحقت بركبته، وكان جورج بيست يبلغ من العمر 22 عاماً لكنه كان قد فاز بالفعل بآخر بطولة له.
وقال بيست: «لقد كنت أمثل مستقبل مانشستر يونايتد، أو كان ينبغي أن أكون كذلك، أما تشارلتون فكان يمثل الماضي». لم يكن الأمر يتعلق بالعمر فقط، لكنه كان يتعلق أيضاً بالسلوك والمواقف؛ إذ قال بيست ذات مرة إنه كان «ممتناً» لأنه ولد في عام 1946 وليس في عام 1926، مضيفاً: «لا يتعين علينا أن نلتزم بشكل كامل بتقصير الشعر من الخلف والجانبين وارتداء سترة النادي في جميع الأوقات كما كان يحدث في السابق».
بوبي تشارلتون
لكن هذه كانت بالفعل القيم التي يتبناها بوبي تشارلتون، الذي ولد في عام 1937، والذي قال في عام 1967 وهو يلقي نظرة يائسة على ثورة الشباب آنذاك: «إنه لأمر مؤسف للغاية أن الشباب اليوم يبدو أنهم يخجلون من العلاقات الوثيقة مع كبار السن. لذلك؛ فإن كثيراً من الشباب في المشهد الآن لديهم موقف مفاده بأن كل شيء تقريباً والناس العاديين قد أصابهم المرض. إنهم يتصرفون كأنه يتم الوصول إلى ذروة الشيخوخة في سن الخامسة والعشرين ويجب عليهم انتزاع كل قطرة من الحياة بحلول ذلك الوقت؛ سواء أساءوا للآخرين أم لا».
وبالنظر إلى أن بوبي لم يكن قد أكمل الثلاثين من عمره بعد، فإن تصريحاته هذه تتسم بقدر كبير من الضبابية، حتى بسبب عدم ارتياحه الواضح للغة العامية العصرية، حيث يمضي في مهاجمة أولئك الذين يصرون على استخدام كلمات شبابية جديدة لم تكن تستخدم من قبل. ومع ذلك؛ كان بوبي يلعب جنباً إلى جنب مع أحد الرموز العظيمة لحركة الشباب الصاعدة، وبالتالي لم يكن هناك مفر من حدوث احتكاك بينهما.
قال بوبي في أبريل (نيسان) عام 1973: «أنا فقط لا أفهمه. ما هو هدفك في كرة القدم؟ من واجبك أن تقدم أفضل ما لديك للأشخاص الذين يأتون لدعمك وتشجعيك، لكن يبدو أنه لم يكن يرى ذلك». وفي المقابل، فإن بيست اتهم بوبي بأنه كان لديه «سلوك يجعله يعتقد بأنه أفضل وأكثر قداسة منك»، وعلق قائلاً: «أتمنى أن أسمعه مرة واحدة يقول كلمة بذيئة».
لقد شعر بوبي، بصفته قائداً للنادي، بأنه محاصر في المنتصف. لقد كان اللاعبون ينظرون إليه بصفته قائداً للفريق، وكان هو ينظر إلى فرنك أوفاريل، المدير الفني، الذي كان يثق بقدراته القيادية تماماً. وكان بوبي يشكو من أن بيست قد تغيب عن المران أو عطل التدريب أو أصبح يمثل حرجاً للفريق، وكان أوفاريل يقترح أن يقوم بوبي، بصفته شخصية بارزة خاض أكثر من 100 مباراة دولية مع المنتخب الإنجليزي، باتخاذ قرار بنفسه في هذا الشأن. لكن بوبي رغم كل حماسه وصراخه داخل الملعب كان يكره تماماً الصراع خارج الملعب، وبالتالي تفاقمت المشكلة.
كان بوبي ملتزماً بالعادات والتقاليد وبقدر كبير من الحشمة والاحترام، ويأمل أن يصل ذلك إلى بيست في مرحلة ما، لكن بيست لم يكن يهتم بأي من هذه الأشياء ولم يحاول حتى إخفاء ازدرائه لها. وعندما سُئل بيست في مقابلة تلفزيونية عن أكثر شخص أثر على حياته المهنية، رد قائلاً: «سيسي تشارلتون» (والدة بوبي).
أقيمت مباراة اعتزال بوبي في 18 سبتمبر (أيلول) 1972 وانتهت بالتعادل السلبي أمام سلتيك. رفض بيست اللعب، مدعياً إصابته في كاحله الأيمن، رغم أنه قال في وقت لاحق إنه كان سيصبح «منافقاً» لو لعب تلك المباراة. لقد حضر لمشاهدة المباراة، لكنه لم يستمر سوى لمدة 5 دقائق فقط قبل أن يغادر إلى إحدى الحانات ويجلس حزيناً على إحدى الطاولات وهو يشرب الكحول ويرمي السهام والبيض على صورة بوبي المعلقة على الحائط.
وجد أوفاريل، الذي كان رجلاً هادئاً ومحترماً ويدرس كل التفاصيل الصغيرة، نفسه في وضع صعب للغاية. لقد كان بيست يمثل مشكلة ربما يكون من المستحيل حلها، لكنه لم يكن المشكلة الوحيدة. كان دينيس لو يعاني من الإصابة ويبتعد عن المباريات، ثم كانت هناك السياسة الداخلية للنادي التي جعلت مراكز القوة التي دعمت بيسبي ومنحته كل الصلاحيات تقاوم حتماً أي خليفة له. لقد اعتقد أوفاريل أن بادي كريراند قد نسى الماضي ويعمل معه بكل إخلاص، لكن كريراند كان قريباً للغاية من بيسبي. وعلاوة على ذلك، لم يُقيم أوفاريل كلاً من ويلي مورغان أو أليكس ستيفني، لكنهما كان يلعبان الغولف مع بيسبي بشكل منتظم. ورُفضت محاولة التعاقد مع بيتر شيلتون؛ ظاهرياً لأسباب تتعلق بتكلفة الصفقة، لكن أوفاريل كان يعتقد أن السبب الحقيقي هو أن مجيء شيلتون يعني إقصاء ستيفني.
لقد شعر بيست بأن بيسبي والنادي كانا مخلصين للغاية للاعبين الذين بقوا لفترة طويلة؛ بما في ذلك بوبي الذي كان يرى بيست أنه أصبح «جزءاً من المشكلة». وانتهى الأمر بأن تخلى أوفاريل عن بوبي، الذي قال: «يبدو أنهم جميعاً يعتقدون أنهم إذا تخلوا عني فإنهم بذلك يثبتون شيئاً ما». وكان بوبي يتدرب بمفرده، ويركض لفات لا نهاية لها حول الملعب. لكن حتى لو أعلن بوبي استياءه من استبعاده من المباريات في جزء من صراع القوى داخل النادي، فقد كان يعرف في قرارة نفسه أن قواه تتضاءل.
وقال بيست: «لقد بدأ أولا في محاولة إلقاء اللوم على نفسه. لقد كان يعتقد أن ما حدث هو خطأه بالكامل، وهو ما جعله أسوأ قليلاً». أصبح بوبي كئيباً بشكل متزايد، وكان في بعض الأيام يسير في غرفة خلع الملابس في ملعب التدريب ويذهب مباشرة إلى الداخل ويقوم بتغيير ملابسه ويحدق في الحائط متجاهلاً الجميع.
وقال ستيفني: «الثلاثة الكبار كانوا على خلاف. كانت هناك أيام طويلة لم يتحدثوا فيها بعضهم مع بعض. أنا متأكد من أن عدم اهتمام جورج بيست التام بالنادي هو الذي دفع تشارلتون إلى الشعور باليأس الذي كان يبدو كأنه يسيطر عليه في كل مرة يذهب فيها إلى النادي». وبالنسبة إلى بوبي، كان النادي أكثر من مجرد نادٍ، حيث كان بوبي - ربما أكثر من أي شخص آخر - يقدس مانشستر يونايتد ويسعى دائماً إلى أن يكون مكاناً مثالياً. لقد كان ينظر إلى مانشستر يونايتد دائماً على أنه أرض العجائب المحتملة، والمكان الذي خرج منه كل من دنكان إدواردز وإدي كولمان وديفيد بيغ، وبالتالي كان يشعر بالإحباط الشديد لتراجع النادي.
وحتى بعد 3 عقود، لم يكن بيست قادراً على الاعتراف بذلك. لقد كتب بيست 5 سير ذاتية له، وكان يكتب كل واحدة منها في كل مرة يعاني فيها من نقص المال! وكثيراً ما كانت هذه السير الذاتية تحمل كثيراً من التناقضات، لذا من الصعب جداً تقييم ما كان يعتقده بالفعل بشأن أي شيء. وكانت سيرته الذاتية الصادرة عام 2001 والتي تحمل اسم «مبارك» رائعة، حتى بمعايير هذا النوع، بسبب استخدامه لغة تجعل القارئ يشعر بأنه يشفق كثيراً على نفسه، حيث كان يلقي باللوم دائماً على الآخرين، أو على شهرته أو مرضه، ولا يعترف مطلقاً بأنه كان مخطئاً في أي شيء. وقال بيست في هذه السيرة الذاتية: «لم يفهم الآخرون الضغط الذي كنت أعاني منه. كنت أجد صعوبة متزايدة في إيجاد أي حافز؛ لأن الفريق كان سيئاً للغاية».
لكن بوبي كان يرى أنه كان يتعين على بيست أن يتأكد من أن الفريق لم يكن سيئاً للغاية، وأن غياباته المتكررة وعدم تقديمه مستويات جيدة قد ساهما في تراجع مستوى الفريق بشكل عام. وبالطبع؛ كان بوبي دائماً ما يوبخ بيست من خلال مطالبته بأن ينظر إلى الظروف الصعبة التي مر بها هو شخصياً وكيف تعامل معها وحقق أهدافه في نهاية المطاف.
في النهاية، أصبح الأمر سيئاً للغاية؛ لدرجة أن بوبي وبيست توقفا عن التمرير كل منهما للآخر داخل الملعب. ربما يكون بوبي عنيداً مثل أخيه أو والده، لكن ربما يمكن تفهم موقفه في هذه الحالة: إذا لم يحافظ على القيم القديمة، والمعايير التي جعلت مانشستر يونايتد نادياً عظيماً، فمن سيفعل ذلك؟