كارول عبود تُمسرح جرح المرأة السجينة لتُطلقها

عرض يُخرج القوة الكامنة في «الضحية»

كارول عبود في لحظة بوح بمعاناة ترفض الشفقة (الشرق الأوسط)
كارول عبود في لحظة بوح بمعاناة ترفض الشفقة (الشرق الأوسط)
TT

كارول عبود تُمسرح جرح المرأة السجينة لتُطلقها

كارول عبود في لحظة بوح بمعاناة ترفض الشفقة (الشرق الأوسط)
كارول عبود في لحظة بوح بمعاناة ترفض الشفقة (الشرق الأوسط)

الخطوات قليلة نحو ركامٍ يلهث للتغلب على الموت في منطقة الكارنتينا، جارة مرفأ بيروت. في حيز جغرافي تشرب روائح النيترات، يلاقي مسرح «كيد»، حيث عرضت كارول عبود ثلاث ليالٍ مجانية من «حفلة موسيقية لامرأة وحيدة»، مسرحَ «الفوروم» بإرادة التشبث بالحياة. ومن عمق العتمة المُلحقة بالمكان في عاصمة مأزومة بلوعة الكهرباء، ثمة محاولة لا تبدو مستحيلة لإضاءة شمعة في ليل ماحق.
كانت تلك يد الممثلة اللبنانية كارول عبود، تحمل مشعلاً يروض ليلاً يطل على المدينة بمائة رأس. على كنبة قديمة الطراز، تجلس وحيدة أمام كاميرا، تسرد معاناة نسائية - إنسانية، لا تُبللها الشفقة وألفاظ من نوع «مسكينة» و«يا حرام».
العرض المأخوذ من فكرة نص المسرحي الإيطالي داريو فو، أرادته المخرجة السورية لارا أيلو، مشهدية صوتٍ مرفوع في موازاة الصمت. وهو إذ يبدو مبتوراً في نهايته، حتى أن صاحبة السطور تساءلت باستغراب هل حقاً انتهى؟ (بعد أقل من 40 دقيقة على بدايته)، وخشيَتِ المغادرة لعل فصلاً آخر قد يفوتها، فانتظرت وقتاً ليبدأ ولم يفعل. مع ذلك، ظلت الرسالة رنانة، تحفز النساء على خط أقدار، الأقفاص ليست دائماً مسارحها.
يصور الشاب عامر فياض بوحَ امرأة وحيدة في منزلها الخانق، بذريعة احتمال عرضه في فيلم سينمائي. ترحب به بقهوة مُرة، مرارة أيامٍ دفعتها لتحاول الانتحار، وبخجل يُحمر الوجه ويُلعثم اللسان، تجيب على أسئلة تحضها على الكلام، ولولاها لظل خجولاً، يحتاج دفعاً إلى الأمام ليخرج بوضوح وارتياح.


المرأة «الضحية» بعد تحررها من قفصها (الشرق الأوسط)

الطبقة السفلية، حيث المسرح؛ جارة طبقة علوية حيث تصدح موسيقى يتراقص على أنغامها شبان ساهرون يمثلون نضارة الحياة المسلوبة من البطلة الوحيدة في سجنها، وإن كان يقاسمها المنزل زوجٌ وشقيقه المُتحرش. لقاء الطبقتين، المسرح اختزالُ البيت - الحبس، والفسحة الموسيقية العليا، يُفرج عن مصالحة معقدة مع الحياة، آخرها الضغط الاجتماعي على المرأة لإسكاتها حيال الاعتراف بحقيقة مشاعرها، مكرساً تشييئها أو زجها في نظرة ذكورية باردة تقتل فعل الحب.
تسبر عبود طبقاتها الداخلية، الواحدة تلو الأخرى، بعرض موجز يتراءى مُستعجَلاً، لتعلن وقوعها في قبضتين: المجتمع والرجل. السرد واقعي أكثر مما يبدو عاطفياً. يُدين الأيادي الملتفة حول عنق المرأة، وفي آن لا يذرف دمعة. فالرجال المعنفون (العنف ليس ضرباً فقط)، من زوج لا مبالٍ يراها نكرة، وشقيقه المُتسبب بهرب مساعدتها في الأعمال المنزلية لتنجو من تحرشه بها، وجار يواصل مضايقتها، ومُتصل ينغص هناءها، وعناصر درك يهزأون بشكوى امرأة ضد التحرش، باعتبارها مصدر الإغواء والإغراء؛ هؤلاء الرجال ينفد معهم صبرها، فتكاد تحتاج إلى مصحة: «تعبت، ورح جن وصار بدي عصفورية».
ملاذها صوت الموسيقى الآتي من فوق، ولم يحدث مرة أن صعدت. سجنُها حاكمُها. هي الأم لولدين حياتهما منفصلة عن حياتها. ولدان يلهوان مع العُمر، وهي تحرق عُمرها. تنظر إلى مصور سيرتها وتدلي بامتنان ساخر حيال ما تملك: ثلاجة وغسالة تحتوي على نشافة، ومَقالٍ من ماركة «تيفال» لا يلتصق الطعام في أسفلها، «أنا مرا، شو بدا المرا أكثر من هيك؟»، تتساءل بغضب تُسكنه همساتها الهادئة. غضب قدره التقزم.
يغير العرض مساره، ومع المسار المستجد، تتبدل النبرة. للمرة الأولى، تعترف امرأة تربت على الطاعة، بجرأة أمام الكاميرا، أنها أدركت معنى الحب. وللمرة الأولى لم تشعر بذنب حيال «رفض» الدفق الهائل من الموروثات الاجتماعية والثقافية، لحظة الإعجاب بشاب وتجاوبها مع اهتمامه بها.
إنه مدرس اللغة الفرنسية في معهد وجدته ذريعة للاستراحة من سجنها. حلمت بتعلم مفردات رومانسية كـ«مونامور» و«جو تيم» فتدرك جمال النطق بالحب. شعورها بالتحليق سرعان ما يلجمه الواقع. فكشفُ الزوج علاقتهما يدفعها إلى استعجال موتها بمحاولة انتحار، استباقاً لمصرعها على يده. النهايات المسدودة تلاحقها. كأن ما تتشربه المرأة في صغرها، تغرق به مدى الحياة.
تستطيع القصص الحزينة إحداث خرق في الجدار، فيعبُر هواء وضوء. تنتهي علاقة الحب، لتبدأ عملية الشفاء الحقيقي من الداخل. تعود إلى نفسها بعدما يتحول العالم الخارجي كذبة كبرى، وتقرر أنها ستتصرف كمسؤولة عن سعادتها. تخلع باب القفص بأسنانها، حين تضيع منها المفاتيح، وتنطلق. صخب الحياة يستحق فرصة.
فجأة، يطل رجل الأمن من بين الحضور لدعوتهم إلى مرافقتها في صعودها نحو «الخلاص». بقرارها الالتحاق بالساهرين في الطبقة العلوية، تعلن وضع حد، أو محاولة وضع حد، لمكوثٍ مُدمر في العالم السفلي. تصعد، وكاميرا مُحاورها خلفها، كالطيران بعد تكسر الأجنحة. تُحيي روح المواجهة وتنفض صداها. تلك الروح المُهمَلة كبقايا تدخين في منفضة. تنطلق إلى الأعلى، بين الناس، في عناق حميمي للفضاء الرافض أشكال السجن. تكون هي، بعدما كانت كل الرجال مرتكبي عملية طمسها.
في إمكان المسرحية لملمة نهايتها على نحو لا يُحدث التيه. وقت العرض القصير، استطاع التحلي بتكثيف إضافي فيُجنب إحساساً بالأشياء الناقصة. تلبس كارول عبود الدور، يعوض؛ ورسالة المخرجة تمجيد القوة الكامنة في «الضحية» تستحق التحية.


مقالات ذات صلة

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

أنتونيني: السعودية ستستضيف «أفضل كأس عالم على الإطلاق»

أكد مدرب فريق النصر للشباب لوكا أنتونيني (نادي ميلان)
أكد مدرب فريق النصر للشباب لوكا أنتونيني (نادي ميلان)
TT

أنتونيني: السعودية ستستضيف «أفضل كأس عالم على الإطلاق»

أكد مدرب فريق النصر للشباب لوكا أنتونيني (نادي ميلان)
أكد مدرب فريق النصر للشباب لوكا أنتونيني (نادي ميلان)

أكد لوكا أنتونيني، مدرب فريق النصر تحت سن 19 عاماً، المنافس في الدوري السعودي الممتاز، أن مستقبل كرة القدم السعودية مشرق؛ حيث انضم إلى الأساطير توتي وتريزيغيه وغوميز في «أسبوع الشارقة للنجوم».

وتعود فعاليات أسبوع الشارقة للنجوم في نسخته الثالثة هذا الأسبوع، ويتضمن مباراة ودية تقام يوم السبت ويشارك فيها نجوم سابقون من بينهم باولو مالديني وريفالدو إلى جانب توتي وتريزيغيه وغوميز.

كان فوز المملكة العربية السعودية بحق استضافة كأس العالم 2034 موضوعاً ساخناً بين الخريجين المجتمعين. لم يفاجأ تريزيغيه بعودة كأس العالم إلى الشرق الأوسط للنسخة الثانية، مشيراً إلى أن المنطقة نمت بشكل كبير بوصفها مركزاً للأحداث الرياضية الدولية الكبرى.

يعتقد لوكا أنتونيني مدافع ميلان السابق ومدرب فريق تحت 17 سنة بنادي النصر السعودي أن السعودية ستستضيف «أفضل كأس عالم على الإطلاق».

فاز أنتونيني بلقب الدوري الإيطالي مع ميلان في عام 2011 وقضى الجزء الأكبر من حياته المهنية في النادي. وكان في الرياض مساء الاثنين لتشجيع الروسونيري عندما تغلبوا على غريمهم إنتر ميلان 3 - 2 ليرفعوا كأس السوبر الإيطالي.

وقال أنتونيني في تصريحات نقلها موقع «ذا ناشيونال»: «كنت سعيداً جداً من أجل اللاعبين، ومن أجل جماهير ميلان، ومن أجل النادي لأن النادي يستحق ذلك. لقد غيّر المدرب الجديد سيرجيو كونسيساو شيئاً ما. الفوز بكأس هو أمر رائع لبدء قصة جديدة في ميلان لأن ميلان معتاد على الفوز بالبطولات والفوز بمباريات مثل هذه».

وأكد أنتونيني أنه وعائلته يستمتعون بالحياة في الخليج وأنه متحمس للإمكانات الرياضية التي تتمتع بها البلاد.

وأردف أنتونيني: «أحب المملكة العربية السعودية وأحب هذا البلد أيضاً. في السعودية تستطيع بناء شيء عظيم، وأنا سعيد جداً لوجودي هناك، لذلك لا أفكر في العودة إلى إيطاليا أو أي مكان آخر. أريد البقاء هناك والاستمتاع ومساعدة اللاعبين على التطور ليصبحوا لاعبين عظماء».

ويفتخر أنتونيني بمساعدة الشباب السعوديين الطموحين في رحلتهم الكروية، وقال إنه معجب برغبة اللاعبين الذين يدربهم في مواصلة التحسن؛ حيث قال: «أعمل مع الفريق الشاب، مع لاعبين يبلغون من العمر 17 عاماً، وهم يريدون التعلم. إنهم متحمسون للغاية لكرة القدم».

واستطرد: «إنهم يشاهدون جميع مباريات الدوري الإيطالي والدوري الإنجليزي الممتاز، لذا فهم يشاهدون الكثير من المباريات ويريدون أن يتطوروا ليصبحوا لاعبين محترفين. على سبيل المثال، بعد ساعة ونصف الساعة من التدريب، يطلبون مني الاستمرار في لعب مباراة».

وقال أنتونيني إنه يعتقد أن العقلية التي يتمتع بها الشباب السعودي ستخدم منتخب بلادهم بشكل جيد في المستقبل.

وتابع مدافع ميلان السابق: «هذا أمر رائع بالنسبة للاعبي فريق تحت 17 سنة، لأنهم يريدون التعلم واللعب والتدريب. هذه هي عقلية الناس في الجزيرة العربية في الوقت الحالي. هذا أمر رائع للبلاد وللأشخاص الذين سيرافقون هؤلاء اللاعبين».

ويبدو المستقبل مشرقاً للشباب في النصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك بالنسبة لأنتونيني، الذي لديه طموحات لتعزيز مسيرته التدريبية تحت قيادة مواطنه الإيطالي ستيفانو بيولي، المدير الفني الحالي للفريق الأول بنادي النصر.