تفجير انتحاري يستهدف حافلة سائحين في الأقصر

ينذر بتطور نوعي في العمليات الإرهابية بمصر.. ومصادر أمنية لـ («الشرق الأوسط»): أصابع الاتهام تشير إلى «بيت المقدس»

عناصر أمن وسيارات إسعاف ومواطنون في موقع التفجير الانتحاري في الأقصر أمس (إ ب أ)
عناصر أمن وسيارات إسعاف ومواطنون في موقع التفجير الانتحاري في الأقصر أمس (إ ب أ)
TT

تفجير انتحاري يستهدف حافلة سائحين في الأقصر

عناصر أمن وسيارات إسعاف ومواطنون في موقع التفجير الانتحاري في الأقصر أمس (إ ب أ)
عناصر أمن وسيارات إسعاف ومواطنون في موقع التفجير الانتحاري في الأقصر أمس (إ ب أ)

أحبطت الداخلية المصرية، أمس، هجوما إرهابيا استهدف حافلة سياحية في ساحة معبد الكرنك بمحافظة الأقصر (جنوب البلاد). وقال مصدر أمني إن الهجوم نفذه ثلاثة إرهابيين، قتل اثنان منهم خلال تفجيرهم عبوة ناسفة، فيما أصابت قوات الأمن الثالث في تبادل لإطلاق النار، كما نتج عن التفجير أيضا إصابة 5 أشخاص، ليس من بينهم سياح أجانب.
في حين قال خبراء استراتيجيون ومصادر أمنية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهجوم يحمل بصمات جماعة (أنصار بيت المقدس) التي نفذت عشرات العمليات، وإنه ينذر بتطور نوعي في العمليات الإرهابية، حيث باتت الجماعات المسلحة تعمل على تنويع عملياتها من حيث الهدف والموقع الجغرافي، وانتقلت من مرحلة استهداف عناصر الجيش والشرطة، إلى محاولة ضرب السياحة، بعد فشلها في القيام بأعمال كبيرة تذكر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة».
والأسبوع الماضي قُتل اثنان من شرطة السياحة وأصيب آخر إثر إطلاق مسلحين مجهولين النار عليهم بالمنطقة الأثرية في أهرامات الجيزة.
ومنذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو (تموز) من العام قبل الماضي، تزايدت وتيرة الهجمات الإرهابية، وامتدت من سيناء إلى القاهرة ومحافظات أخرى، غير أنها عادة ما تستهدف منشآت أمنية. وتقول الحكومة المصرية إن «مئات الجنود والضباط قتلوا خلال العامين الماضيين».
وظل السياح الأجانب في مأمن من الهجمات الإرهابية خلال تلك الفترة، غير أن تلك الهجمات تشير إلى عودة استهداف الجماعات المسلحة للسياح، وهي الظاهرة التي انتشرت خلال تسعينات القرن الماضي.
وتذكر عملية أمس المصريين بهجوم الأقصر الإرهابي الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1997، حين هاجم ستة رجال بأسلحة معبد حتشبسوت بالدير البحري، وقتلوا نحو 60 سائحا.
وأوضح مسؤول أمني بوزارة الداخلية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسلحين الثلاثة حاولوا مهاجمة معبد الكرنك بمدينة الأقصر واستهداف قافلة سياحية؛ لكن قوات الأمن تعاملت معهم، وتبادلت إطلاق النار معهم، فقام أحدهم بتفجير عبوة متفجرة كانت بحوزته مما أدى لمقتله هو وزميله، في حين أصيب الثالث خلال تبادل إطلاق النار».
وأوضح المصدر أن المسلحين الثلاثة قبل تنفيذ العملية جلسوا في إحدى الكافيتريات بالقرب من موقف الحافلات السياحية على مقربة من معبد الكرنك، وبعدها قام الأشخاص الثلاثة بإلقاء حقيبة بها متفجرات شديدة المفعول حولت جسمي اثنين منهما إلى أشلاء كاملة، فيما قام الثالث الذي كان يحمل رشاشا بإطلاق نار بشكل عشوائي تسبب في إصابة عدد من المدنيين.
وأصدرت وزارة الصحة تقريرا مبدئيا عن الحادث، مؤكدة إصابة خمسة أشخاص جميعهم من المصريين من بين المدنيين ورجال الأمن، تم نقلهم إلى مستشفيي الأقصر الدولي والأقصر العام. وتتراوح حالات الإصابة بين سحجات وكدمات بمختلف أجزاء الجسم وطلق ناري بالحوض واختناق.
وأمر النائب العام، المستشار هشام بركات، بفتح تحقيقات موسعة في الحادث الإرهابي وسرعة القبض على الجناة المشتركين في الجريمة، وتحريات الأمن الوطني والمباحث الجنائية حول الواقعة، وتشريح جثث المتوفين للتوصل إلى هويتهم.
من جانبه، قال الخبير الأمني العميد خالد عكاشة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «استهداف المواقع السياحية من الأمور الحاضرة على أجندة الجماعات الإرهابية باختلاف توجهاتها طوال الوقت، غير أنها تأجلت فترة»، مضيفا أن «تلك العمليات تعد استحضارا واستنساخا للاستهداف السياحي الذي كان موجودا في مصر سابقا».
وأوضح عكاشة أن تلك الجماعات الإرهابية أصبحت محاصرة وغير قادرة على إنتاج أعمال إرهابية كبيرة ذات جدوى منذ عدة أشهر، لأن أهدافها القديمة مثل العناصر العسكرية والأمنية والقضاة باتت مؤمنة وفي غير متناول أيديها، فتم الرهان على أهداف جديدة ربما يكون الأمن فيها أضعف. وتابع «تحاول تلك الجماعات قطع الطريق أمام أي نشاطات سياحية متوقعة، خاصة بعد مجموعة الزيارات الخارجية الناجحة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا إلى روسيا ودول أوروبا، ومساعي الحكومة لزيادة الإيرادات السياحية، حيث من المتوقع أن تشهد مصر طفرة سياحية كبيرة خلال موسم الصيف الحالي، وبالتالي تأتي تلك الأعمال في محاولة لضرب السياحة والاقتصاد المصري».
وتعد السياحة أحد أهم مصادر الدخل القومي في مصر، حيث تشير بيانات الحكومة إلى أن عائدات السياحة تسهم بنحو 3.11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 4.14 في المائة من إيرادات مصر من العملات الأجنبية. وتأثرت السياحة سلبيا بعد تحذيرات عدد من الدول لمواطنيها بعدم السفر إلى مصر بسبب أعمال العنف التي اندلعت عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وكذلك بعد عزل مرسي، غير أنها بدأت تعود تدريجيا خلال الأشهر الأخيرة.
وحول هوية منفذ العملية، قال عكاشة إن «الخريطة واضحة لا يوجد فيها لبس، إما جماعة أنصار بيت المقدس التي تعمل في سيناء، وارتكبت أيضا أعمالا إرهابية مسلحة في الدلتا والقاهرة وغيرهما، ووسعت من أنشطتها، أو مجموعة من الخلايا الإرهابية الصغيرة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وهي أيضا نفذت عدة عمليات في مختلف محافظات مصر».
وسبق أن أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس، التي تتخذ من شمال سيناء مركزا لها، مسؤوليتها عن معظم الهجمات الإرهابية الكبرى، بما في ذلك تفجير مديريتي أمن القاهرة والمنصورة، وأعلنت الجماعة في وقت سابق بيعتها لتنظيم داعش الإرهابي.
ورفض عكاشة ترجيح ما إذا كان منفذو العملية عبارة عن خلايا نائمة في صعيد مصر، أو إرهابيين تابعين لجماعات مسلحة في سيناء وتم نقلهم لمسرح العملية مباشرة قبل العملية؛ لكنه أكد أنه «في المجمل فإن العملية تم إحباطها.. وهي إشارة جيدة تدل على أن الأجهزة الأمنية لديها الجاهزية الكافية لتأمين المواقع السياحية».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».