صدر حديثاً عن المركز القومي للترجمة كتاب «السياسة» تأليف الباحث الإنجليزي أندرو هيوود، قدم نسخته العربية الدكتور مصطفى الجمال، وهو كتاب علمي أكاديمي يتم تدريسه في أعرق جامعات العالم، ويتميز بالشمول إلى جانب الموضوعية، ويهتم صاحبه بتقديم دراسات وأبحاث شاملة ومحدَّثة حول السياسة، استهدف بها الطلاب الذين يتلقون مقررات دراسية في أي من حقول هذا الفرع المعرفي، بالإضافة إلى القراء المهتمين بذلك.
ويدرس هيوود الأبعاد العالمية للسياسة التي تتزايد أهميتها باستمرار، مع اعتماد مقاربة شاملة حاول من خلالها إبراز ما هو متميز بالنسبة للتحليل السياسي، وإلقاء الضوء على الشواغل التي يتقاسمها جميع المهتمين بالموضوع. وفي محاولة منه لتجسير فجوة الانقسام القائم بين الفلسفة السياسية وعلم السياسة، قام الباحث الإنجليزي برسم الروابط بين النظرية المعيارية والتجريبية، وذلك باعتماد منظور دولي بدلاً من المنظور الذي يتناول كل بلد أو نظام على حدة.
ويهتم هيوود في كتابه بدراسة العولمة، ونمو النزعة النسوية، والسياسة الخضراء وانبعاث القومية العرقية، ونشأة الحركات الاجتماعية الجديدة، وذلك دون أن يهمل المقاربات التقليدية لعلم السياسة، أو يتجاهل إسهامات المفكرين الكلاسيكيين أمثال «أفلاطون» و«أرسطو» و«ماركس» و«ميل».
الكتاب صدر في ثلاث طبعات، والأخيرة اعتمد عليها الجمال في تقديم نسخته العربية، وتتضمن مناقشة أوسع لعدد من الموضوعات، فضلاً عن مزيد من المادة الشارحة الإضافية، كما أضاف هيوود فصلاً جديداً عن وسائل الإعلام الجماهيري والاتصال السياسي، ليعكس مدى التشابك الذي لا يمكن فصله بين السياسة ووسائل الإعلام في العالم المعاصر، حيث يصور أنصار النموذج التعددي وسائل الإعلام فيما يشبه السوق الآيديولوجية التي ترتقي بالجدل والاختيار الانتخابي. غير أن آخرين يسلطون الضوء على التحيز الممنهج لوسائل الإعلام، والمنبثق إما من وجود روابط بينها وبين النخب الاقتصادية والاجتماعية، أو من الآراء الخاصة بالمحررين والمذيعين والصحافيين.
وتلعب وسائل الإعلام، حسب وجهة نظر هيوود، دوراً ديمقراطياً رئيسياً، فهي تعزز التثقيف السياسي، وتفضح انتهاكات السلطة، كما تميل لتوسيع النفاذ إلى المعلومات وتيسير النشاط السياسي، وتعد آلية مهمة لتحقيق الديمقراطية. غير أن هناك وجوهاً للقلق أثيرت بشأن وجهات النظر السياسية لوسائل الإعلام، وافتقارها إلى المساءلة الديمقراطية، وروابطها الحميمية الزائدة مع الحكومة، وقد أثرت وسائل الإعلام الجماهيرية في الحوكمة بعدة طرق، من بينها أنها حولت القيادة السياسية، وأعادت توزيع سلطة الحكومة، وغيرت الثقافة السياسية.
وقام هيوود بعمل تغطية موسعة لتطورات النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، و«الحرب على الإرهاب»، وصعود سياسة الهوية والتعددية الثقافية، والتحول الذي طرأ على الدولة في عصر العولمة.
ينقسم الكتاب إلى خمسة موضوعات رئيسية. يتناول القسم الأول نظريات السياسة، ويبحث المسائل المفاهيمية والمنهجية التي تشكل أساس دراسة السياسة، وهذا القسم في مجمله يمثل مقدمة للنظريات والأفكار المطروحة في مختلف أجزاء الكتاب. أما القسم الثاني الخاص بالأمم والعولمة فيناقش دور وأهمية الدولة - الأمة، في ضوء التدويل ونشأة السياسة العالمية. ويخصص هيوود القسم الثالث للتفاعل السياسي، وفيه يقوم بدراسة الروابط بين العالمين السياسي وغير السياسي، وكذلك قنوات الاتصال بين الحكم والمحكومين. أما القسم الرابع فيختص بجهاز الحكم، ويدرس العمليات المؤسسية والسياسية التي تؤثر في كل من طبيعة الحكومة وأسلوب عملها. أخيراً يأتي القسم الخامس عن السياسات والأداء، ويضطلع بتحليل كيفية صنع السياسة، وكيف يمكن الحكم على أداء النظم السياسية، ومن ثم ربط هذا بالمسائل النظرية والآيديولوجية السابق دراستها في القسم الأول.
ويستهل هيوود كل فصل من كتابه بموجز للعناوين الرئيسية، ومجموعة من الأسئلة التي تبين الموضوعات الرئيسية التي يتناولها. ويقدم في نهايته ملخصاً لأهم أفكاره، إلى جانب أسئلة للمناقشة واقتراحات لمزيد من القراءات الأخرى. كما يقدم على هامش المتن معلومات ومسارد وسيراً موجزة لحياة مفكرين سياسيين وشخصيات بارزة، تعرض لأدوارهم أو لأهميتهم النظرية وقدمهم في الكتاب.
أما الفقرات المخصصة للمفاهيم فتقدم عرضاً كافياً لمصطلحات ومفاهيم سياسية، خاصة ذات المعاني المعقدة أو المختلف عليها. وهناك فقرات ألقى من خلالها الباحث نظرة مكثفة أكثر تعمقاً على نظريات أو مقاربات معينة، كما قام بعرض مجادلات أو حجج ذات صلة بالموضوعات التي يناقشها. هذه الفقرات تتكامل مع المتن بما يؤكد الطابع المتشابك لعلم السياسة. وقد وضع الباحث في نهاية الكتاب مسرداً يتضمن الاصطلاحات والمفاهيم المهمة التي أوردها مدعومة بتفاصيل ببلوجرافية للمراجع التي استعان بها في النص وأشار إليها.
يذكر أن لـ«هيوود» العديد من الكتب التي تدور حول السياسة والآيديولوجيات السياسية والسياسة العالمية، وشغل منصب نائب مدير كلية كرويدون، ومدير للدراسات في كلية أوربينجتون، ورئيساً للسياسة في كلية فارنبورو السادسة، ويعمل حالياً مؤلفاً مستقلاً. أما المترجم مصطفى الجمال فهو باحث ومترجم، يشغل حالياً منصبي مدير تحرير مجلة أفريقية - عربية، والمنشورات الأكاديمية للمجلس الأفريقي لتنمية بحوث العلوم الاجتماعية. وصدر له أكثر من 25 ترجمة لأعمال كتاب ومفكرين من شتى أنحاء العالم.
«السياسة»... من النزعة النسوية والقومية إلى الحركات الاجتماعية الجديدة
الباحث الإنجليزي «هيوود» يوضح الأبعاد العالمية لها وتزايد الاهتمام بتحولاتها
«السياسة»... من النزعة النسوية والقومية إلى الحركات الاجتماعية الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة